تسييس الحرمين

التمييز في تصاريح الحج: آلية سعودية لإقصاء المعارضين تحت غطاء تنظيمي

في بيان شديد اللهجة، أعربت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين عن قلقها البالغ إزاء استمرار السلطات السعودية في استخدام نظام تصاريح الحج كأداة للانتقام السياسي والتمييز الأيديولوجي.

وأشارت الهيئة إلى أن المملكة باتت توظف شرط “التصريح” لأداء مناسك الحج والعمرة ليس فقط كآلية تنظيمية، بل كوسيلة لإقصاء من لا ينسجمون مع سياساتها أو يتبنون مواقف نقدية تجاهها.

وبحسب الهيئة، فإن السلطات السعودية تتعمد الامتناع عن منح تصاريح الحج لفئات واسعة من العلماء والناشطين والأكاديميين والإعلاميين، لمجرد مواقفهم الفكرية أو السياسية المخالفة، أو حتى لعدم انخراطهم في حملات الترويج لسياسات النظام.

ووصفت الهيئة هذا السلوك بأنه انتهاك صارخ للحق في ممارسة الشعائر الدينية، وخرق للمواثيق الدولية التي تكفل حرية الدين والمعتقد.

وأكدت الهيئة أنها وثّقت على مدى السنوات الأخيرة حالات متعددة لأفراد حُرموا من أداء مناسك الحج أو العمرة لأسباب لا تتعلق بأي خلل أمني أو تنظيمي، وإنما بسبب مواقفهم المستقلة أو انتمائهم لمؤسسات دينية أو فكرية لا تتوافق مع رؤية النظام السعودي.

وأشارت إلى أن بعض هؤلاء تم منعهم رغم استيفائهم الشروط الصحية والمالية والتنظيمية كافة.

وفي هذا السياق، استندت الهيئة إلى المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على “حق كل إنسان في حرية الفكر والوجدان والدين”، وإلى المادة 30 من ميثاق منظمة التعاون الإسلامي التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية دون تمييز.

ولفتت إلى أن تحكم السعودية الكامل بإدارة الحرمين لا يمنحها حق استخدام هذه الإدارة كوسيلة قمع سياسي، خاصة أن الحج شعيرة إسلامية جامعة لا ترتبط بأي هوية سياسية أو قومية.

وطالبت الهيئة بوقف فوري لجميع أشكال التمييز في منح تصاريح الحج والعمرة، داعية إلى إنشاء آلية رقابية دولية شفافة تشرف على تنظيم هذه الشعائر، بما يضمن حيادية الإجراءات وعدالتها وحق الجميع في أداء المناسك دون تمييز أو إقصاء.

كما دعت الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي إلى فتح تحقيق رسمي في الشكاوى المتزايدة بشأن استغلال السعودية لموسم الحج في تصفية الحسابات السياسية.

وطالبت الهيئة المؤسسات الدينية والحقوقية في العالم الإسلامي برفع الصوت ضد هذه الممارسات، والعمل على إيجاد حلول عادلة ومنصفة تكفل حق جميع المسلمين، بغض النظر عن مواقفهم السياسية أو الفكرية، في أداء فريضة الحج بوصفها أحد أركان الإسلام.

وحذّرت الهيئة من أن استمرار السعودية في هذا النهج يسيء إلى قدسية الشعائر الإسلامية، ويقوض مبدأ المساواة بين المسلمين، ويحوّل مواسم الحج من فضاء روحي جامع إلى ساحة لتصفية الحسابات ومعاقبة الخصوم.

كما اعتبرت أن الشعار المتداول “لا حج بدون تصريح” لم يعد مجرد إجراء تنظيمي، بل تحوّل إلى غطاء لممارسات قمعية تمس جوهر الإسلام وحقوق الإنسان.

ويأتي هذا البيان في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية بشأن طريقة إدارة المملكة لمواسم الحج، وسط دعوات متزايدة لفصل الشعائر الدينية عن السياسات السلطوية، وضمان وصول جميع المسلمين، دون تمييز، إلى الحرمين الشريفين، بوصفهما أماكن عبادة لا يجوز إخضاعها لحسابات سياسية أو أمنية.

في ظل هذه التطورات، تبدو الحاجة ملحة إلى نقاش جاد على المستوى الإسلامي والدولي حول مستقبل إدارة الشعائر الدينية الكبرى، وعلى رأسها الحج، بما يحمي قدسية المناسك ويصون حقوق المسلمين كافة في ممارسة عباداتهم بعيداً عن الإقصاء السياسي أو التمييز الأيديولوجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى