مركز دراسات: الملك سلمان ونجله يهددان بتفكيك حكم آل سعود
أبرز مركز الجزيرة العربية للإعلام من أن سياسات الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد يهددان بتفكيك حكم نظام آل سعود وتقويض مكانة المملكة.
وذكر المركز في حلقة نقاش بعنوان “التحولات الكبرى في السعودية” أن الملك سلمان ونجله يسعيان إلى تعزيز سلطة مستبدة تقوم على الحكم المنفرد من دون أي معارضين.
ومؤخرا أعاد اعتقال بن سلمان الشهر الماضي لعمه وابن عمه والعديد من كبار الأمراء الآخرين بتهمة التآمر ضده، تنشيط النقاش حول مستقبل استقرار البلاد ومصير حكم “آل سعود”، حيث يدل اعتقال كبار العائلة المالكة على استحواذ “بن سلمان” على السلطة وانحداره الواضح نحو الديكتاتورية.
وتنتهك الإجراءات الصارمة التي اتخذها بن سلمان ضد شقيق والده الأصغر أحمد بن عبدالعزيز وأبن عمه محمد بن نايف وأمراء آخرين، بمن فيهم سعود بن نايف وأبنه عبدالعزيز كل مبدأ اتبعه آل سعود لمساعدتهم على الحكم والنجاة من الاضطرابات الإقليمية لما يقرب من قرن.
واتهم بن سلمان فعليًا أقاربه بالخيانة بناءً على الادعاء غير المثبت بأنهم كانوا يخططون لانقلاب لإسقاطه، ويبدو أن الأسرة الحاكمة تتفكك بشكل خطير.
في السابق استخدم بن سلمان ما يسمى بحملة مكافحة الفساد لتبرير اعتقال كبار العائلة المالكة، أما في حملة الاعتقالات الحالية، فقد روج لمزاعم بشأن انقلاب محتمل.
إذا رفض الجمهور السعودي والدولي هذه التهمة باعتبارها زائفة وغير قابلة للتصديق، فيمكنه بسهولة التذرع بتهديد جائحة فيروس “كورونا” لتبرير استمرار عزل العائلة المالكة.
تشير الاعتقالات والتوترات المتصاعدة داخل الأسرة الحاكمة إلى انهيار ركيزة ثنائية أساسية من ركائز الاستقرار السعودي، تقوم على “الإجماع”، و”البيعة”، حيث يختار مجلس الأسرة الملك بالإجماع على الرغم من بعض التذمر بين أفراد العائلة المالكة المعارضين بشكل معتدل، وبمجرد اختيار الملك، تعلن العائلة بأكملها الولاء له.
في الحالات الشديدة من سوء التصرف أو عدم الكفاءة، يزيل مجلس الأسرة الملك من منصبه، كما كان الحال مع الملك سعود بن عبدالعزيز في عام 1964.
على مر السنين، حدد الباحثون الإقليميون العديد من العوامل الأخرى التي دعمت حكم آل سعود؛ وتشمل: القبول الجماعي داخل مجلس الأسرة على خلافة العرش؛ سياسة خارجية هادئة وعلاقات حسن الجوار؛ مع شراكة تكافلية بين “آل سعود” والمؤسسة الدينية الوهابية السلفية التي يحكم وفقها آل سعود كما يحلو لهم، مع ترك رجال الدين السلفيين يقودون بوصلة المجتمع الأخلاقية.
أسست العلاقة الأمنية الخاصة التي أقامتها المملكة والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية بقيادة الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز فهماً دائماً بأن الولايات المتحدة ستحمي أمن الدولة السعودية ضد التهديدات الخارجية، بسبب حاجتها في المقام الأول إلى النفط السعودي.
كانت تلك علاقة دولة بدولة، وليس شخصًا بشخص.
ولكن؛ في تحول كبير، قام بن سلمان بتقليص العلاقة التي استمرت لعقود إلى علاقة شخصية بينه وبين الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر.
قبل أن يُمنح بن سلمان أذرع السلطة من قبل والده الملك سلمان كانت المملكة تحجم عمومًا عن التنمر على جيرانها أو بدء حرب ضدهم.
نادرًا ما تطورت النزاعات الحدودية والقبلية التي كانت قائمة بين المملكة وبعض جيرانها في العقود السابقة إلى حروب عسكرية.
تم الحفاظ على الاستقرار السعودي الداخلي دائمًا من خلال الحكم الجماعي، وقبول الملك المختار وفقًا للتقاليد الراسخة، واحترام المؤسس وأولاده، وكبار عائلة “آل سعود” بشكل عام.
لكن بن سلمان قوّض الاستقرار الداخلي للبلاد وحكم آل سعود في خضم محاولاته للصعود إلى العرش حتى بينما لا يزال والده على قيد الحياة.
في العقد الماضي، توقع بعض الباحثين في الشأن السعودي ودول الخليج سقوط هذه الملكيات. على سبيل المثال، كتب البروفيسور “كريستوفر ديفيدسون” من جامعة “دورهام”، في كتابه “ما بعد الشيوخ: الانهيار القادم لملكيات الخليج”، أن المعارضة الداخلية، وتحديث القوى، واضطرابات الربيع العربي، وتزايد الفقر والقمع يمكن أن يفرض تغيير النظام في المجتمعات القبلية التي تحكمها العائلات في الخليج.
لم يحدث الانهيار المتوقع بسبب قمع النظام، والاعتقالات الجماعية، والأجهزة الأمنية المُسيطرة، والمحسوبية الاقتصادية، إذ لا تزال هذه الملكيات قائمة حتى اليوم، وإن كانت أكثر وحشية واستبدادية.
وبسبب عائدات المملكة الضخمة من النفط وعائلتها الحاكمة الكبيرة المتماسكة، لم يعتبرها الخبراء في ذلك الوقت مرشحة لانهيار النظام.
ولكن، من المرجح أن يحكم المؤرخون المستقبليون بأن أفعال وسياسات بن سلمان القائمة على عدم الخبرة والمعرفة الضعيفة بتكوينات القوى الإقليمية والدولية، قد قوضت وحدة عائلة آل سعود وتماسكها، وقلبت عملية خلافة العرش، كما تخلت عن صيغة الإجماع والبيعة، واستبعدت السياسة الخارجية الهادئة، وقوضت المحركات الرئيسية للاستقرار المحلي.
لقد أدى صعود بن سلمان إلى السلطة في الواقع إلى زعزعة استقرار بلاده وبالتالي سيطرة آل سعود.
أدت حرب بن سلمان المستمرة في اليمن منذ 5 سنوات والتي لا يمكن الفوز بها، ومواجهاته مع جيرانه -خاصة قطر- وحربه النفطية مع الدول الأخرى المنتجة للنفط من “أوبك” وخارج “أوبك”، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتجاهله لتقاليد الأسرة الحاكمة، إلى جعله منبوذا داخل عائلته.
كما أن القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول قبل عام ونصف -والذي تم تدبيره وتنفيذه تحت إشرافه- قد لطخ مكانته الدولية.
ومن المفارقات، أن ما توقعه البروفيسور ديفيدسون وآخرون قبل بضع سنوات حول انهيار ممالك الخليج قد يتحقق إثر السنوات الخمس المقبلة بسبب تصرفات “بن سلمان” في المقام الأول، وليس بسبب الاحتجاجات الجماعية والاضطرابات.
إذا أدركت الأسرة الحاكمة الخطر الذي يشكله بن سلمان على البلاد وعلى نظام آل سعود، فقد تضغط على مجلس الأسرة للإطاحة به من السلطة وتعيين ملك آخر في مكانه.
يمكن أن ينقذ مثل هذا الإجراء -على الرغم من أنه غير محتمل في الوقت الحالي- مملكة آل سعود ويحافظ على حكمها.
كتب بن هوبارد مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في الشرق الأوسط، في كتابه “الأمير الذي لا يرحم” عام 2020، أن معرفة بن سلمان العميقة بالمجتمع السعودي والديناميكيات القبلية (أدى دراسته كلها داخل السعودية ولم يتلق أي تعليم بعد الثانوية في الخارج، على عكس إخوانه وأبناء عمومته) ساعدته على أن يصبح الابن المفضل لوالده وفي النهاية وريثه.
لم يتسامح بن سلمان مع أي معارضة ولا يتردد في اعتقال أي سعودي -عادي أو من العائلة المالكة- لدفع أجندته للاستيلاء على السلطة.
ولا يزال الآلاف من ناشطي حقوق الإنسان السلميين في سجون آل سعود، كما استخدم بن سلمان عملاءه الوحشيين في المخابرات والتقنيات المتقدمة التي اشتراها من موردين أجانب، لا سيما (إسرائيل)، لتتبع المعارضين السعوديين في كندا وأوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى.
إذا لجأ بن سلمان إلى ترامب وكوشنر لإنقاذه، في مواجهة التهديدات الوشيكة لحكمه، فلا ينبغي للولايات المتحدة أن تهبّ لإنقاذه.
وقد يدفع الواقع الجيوسياسي الإقليمي والاقتصادي المتغير للشرق الأوسط والأهمية المتناقصة للمنطقة في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، واشنطن إلى التردد في إنقاذ عرشه.