سياسات بن سلمان تقوم على تكميم الأفواه وقمع المطالبين بالإصلاح
أبرزت قناة “الحرة” الأمريكية أن سياسات ولي العهد محمد بن سلمان تقوم على تكميم الأفواه وقمع المطالبين بالإصلاح وسجن خيرة أبناء الشعب وتحويل العلماء والمثقفين إلى منافقين بسبب خوفهم على أنفسهم من بطش السلطة.
وأكدت القناة على تنامي المواقف المعارضة للقمع الممنهج الذي يمارسه بن سلمان ضد المواطنين والأقليات المطالبين بحقوقهم السياسية والمدنية والدينية والظلم الفادح الذي يتعرض له المقيمون بما فيهم شريحة “المواليد”.
وأشارت إلى أنه منذ وصول بن سلمان إلى ولاية العهد منتصف عام 2017، تنامت ظاهرة التخوين ضد الأصوات التي تطرح آراء مختلفة وتنتقد سياسات الأمير الشاب الداخلية والخارجية.
وأصبح أنصار بن سلمان يستقوون بالسلطة ضد كل من يختلف معهم ويزايدون على مخالفيهم في حب الوطن متجاهلين خطورة غياب الأصوات المعارضة ومغبة التسليم التام لولي العهد والإيحاء له بأنه معصوم عن ارتكاب الأخطاء ومنزه من القصور والزلل.
وروج بن سلمان نفسه على أن عهده سيتضمن إصلاحات حقيقية تلبي مطالب الشعب وسيحرص على كسب ثقة وتأييد كل شرائح المجتمع “إلا أن ما يجري يشير إلى أن الأوضاع تسير في اتجاه معاكس تماما”.
لقد بدأ بن سلمان عهده بخلق عداءات مع رجال الدين والأمراء ورجال الأعمال والمثقفين والكتاب والحقوقيين والمعارضين فاعتقل ناشطين وناشطات وأصحاب الرأي وسلط “الذباب الإلكتروني” على المعارضين لسياساته المقيمين في المنافي وجرى استهداف هواتفهم وحواسيبهم ببرامج تجسسية.
أليس من الأجدى له أن يعمل على احتواء أبناء الوطن بمختلف انتماءاتهم من أجل بناء وطن يسع الجميع؟ وهل يعقل أن يجهل بن سلمان دروس التاريخ البعيد والحديث التي تؤكد أن القمع لن يزيد الشعوب إلا إصرارا على الحرية وأن انسداد آفاق التغيير يزيد حالة الاحتقان ويسرع عملية الانفجار؟
قد يقول قائل إن لدى السلطات رؤية تطمح من خلالها ـ بحسب الموقع الرسمي لرؤية 2030 ـ إلى “إنشاء مجتمع نابض بالحياة يستطيع فيه جميع المواطنين تحقيق أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم في اقتصاد وطني مزدهر” وبالتالي فإنها تسعى لتنفيذها بدلا من إضاعة الوقت وتبديد الجهد في مناقشة النقاد والمعارضين.
وقد يرى آخرون بأن التحديات التي تواجه البلاد تتطلب حكم البلاد بقبضة حديدية لقطع الطريق أمام القوى الإقليمية التي تسعى لزعزعة الأمن عبر تجنيد أبناء الوطن لخدمة أجنداتهم الخبيثة والعبث باستقرار البلاد.
ولكن بالنظر إلى النهج السياسي لمحمد بن سلمان الذي يتميز بالتسلط والانفراد بالسلطة واستهداف للمعارضين يتضح أن أعداد الحانقين على الأوضاع في السعودية في ازدياد، وأن صورة الإصلاحي التي حاول بن سلمان التسويق لها في الخارج قد بدأت في التلاشي بسبب رعونة سياساته الداخلية وفشل سياساته الخارجية بالإضافة إلى تبعات جريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي.
يبدو أن بن سلمان يسرف في مراهنته على علاقة بلاده مع حلفائها في واشنطن والعواصم الأوروبية، الذين وإن ازعجتهم انتهاكاته لحقوق الإنسان إلا أنه من المستبعد أن يتخلوا عنه بسببها، فالمصلحة المترتبة على التحالف مع السعودية في الشؤون الأمنية والاستراتيجية يحتل مرتبة أعلى في ميزان الأمن القومي الاستراتيجي لأولئك الحلفاء.
ويبدو كذلك أنه يستهين بقدرة الشعب السعودي على الرد على الاستبداد والظلم والفساد وسوء إدارة الموارد بالخروج في ثورة شعبية والمطالبة بإسقاطه. كما يبدو أيضا أنه يقلل من شأن المعارضة السعودية في الخارج على الرغم من اتساع قاعدتها في عهده وتمكنها خلال سنوات قليلة من تسليط الأضواء على الكثير من قضايا الظلم والفساد والتواصل مع المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات العالمية.
ومهما تكن دوافع بن سلمان والمبررات التي تجعله يمعن في القمع والظلم والاستبداد بالسلطة ويستمر في تنفيذ السياسات الكارثية، فإنه يخطئ إن اعتقد أن رهانه على علاقاته الدولية سيحميه من السقوط إن نفذ صبر الشعب وثار ضد الظلم والفساد مطالبا بحقوقه السياسية والمدنية والعدالة والمساواة.
يتمنى السعوديون مع حلول عام جديد أن يروا المملكة وطنا يتسع لجميع أبنائه ويحتويهم بمختلف انتماءاتهم وميولهم الفكرية والعقائدية ورؤاهم السياسية وذلك بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وعقد مؤتمر للحوار الوطني يشارك فيه جميع المهتمين بالشأن العام من كافة شرائح المجتمع لمناقشة القضايا التي تهم المواطنين والتحديات التي تواجه البلاد والخروج برؤية سياسية يكون الشعب هو حاميها والحريص على تنفيذها وخط الدفاع الأول لها.
لكن ذلك يتطلب من نظام آل سعود المراهنة على الشعب وتعزيز مفهوم المواطنة وتقوية الجبهة الداخلية وذلك بترسيخ مبدأ المساواة بين المواطنين واحترام حقوقهم إن أراد فعلا تحويل البلاد إلى “السعودية العظمى”، وذلك لأن الدول العظمى تستمد عظمتها من شعوبها ومن قوة أنظمتها السياسية والدور الذي يلعبه المواطنون في صناعة القرار فيها وليس عبر القمع والاستبداد والإقصاء والتخوين.