فضائح السعودية

عشرات الآلاف يعانون في سجون السعودية رغم مزاعم الإصلاح

أبرزت صحيفة التلغراف البريطانية أن عشرات الآلاف لا يزالون يعانون في سجون ومراكز الاحتجاز السعودية رغم مزاعم الإصلاح الحكومية المتكررة.

وذكرت الصحيفة أنه بعد أربع سنوات من تحقيق أجرته وكشف عن انتهاكات واسعة النطاق في السعودية وسجونها لتكريس قمع الحريات والحقوق العامة، تشير لقطات جديدة إلى أن شيئًا لم يتغير.

وبحسب الصحيفة تتعرض عشرات الآلاف من الأشخاص في السعودية لظروف مزرية في مراكز الاحتجاز، على الرغم من وعد المملكة بإصلاح معاملة العمال المهاجرين.

قبل أربع سنوات، كشفت تحقيقات التلغراف للأمن الصحي العالمي عن أدلة أولية على انتهاكات واسعة في هذه المرافق، مما أثار موجة من الانتقادات الدولية ووعدًا من الرياض باتخاذ إجراءات.

لكن لقطات جديدة تم تهريبها من داخل مراكز احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون الترحيل تشير إلى أن شيئًا لم يتغير.

تعد اللقطات جزءًا من فيلم وثائقي جديد سيُبث على ITV يوم الأحد ويكشف عن الحياة الحقيقية في المملكة تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان.

وتظهر الفيديوهات مئات الأشخاص مجبرين على النوم على الأرض في غرفة واحدة، مستخدمين أكياس القمامة كأغطية.

وفي مقطع آخر، تبدو الحمامات مكتظة والأرضيات مغطاة بالأوساخ، مما يعكس الظروف غير الصحية والمزدحمة التي يعيشها المحتجزون.

يقول زارو جبري، معتقل إثيوبي، والذي قام بتهريب لقطات من مركز احتجاز في جازان بجنوب غرب السعودية قرب الحدود مع اليمن: “الوضع هنا قذر، لا توجد حمامات كافية”.

ويضيف في فيديو أرسله في مارس من هذا العام، مصورًا من تحت قطعة بلاستيك لإخفاء نفسه عن كاميرات الأمن: “نحن جميعًا في غرفة واحدة تسمى ‘العنبر’. هناك 600 شخص هنا – نرتدي أكياسًا بلاستيكية وننام في أكياس قمامة سوداء”.

ويتابع: “الأعمار بين 15 و20 عامًا يعانون من صدمة نفسية شديدة”.

تُظهر لقطات أخرى من داخل مركز احتجاز النساء في الرياض أفراد الأمن يكافحون للتدخل عندما تهاجم معتقلة تعاني من اضطراب عقلي زميلةً لها، وتظهر لقطات لاحقة جثة الضحية ممتدة على الأرضية المبلطة.

لطالما اعتمدت السعودية على طبقة عاملة من العمال الأجانب من أفريقيا وآسيا، الذين يشكلون حوالي خمس سكان البلاد.

ويقبع العديد من هؤلاء في مراكز الاحتجاز بسبب قواعد الهجرة الصارمة، خاصة بعد أن فرض ولي العهد سياسة توظيف نسبة معينة من السعوديين في الشركات الخاصة.

منذ أن تولى محمد بن سلمان السيطرة الفعلية على المملكة في 2017، تم اعتقال نحو ثمانية ملايين شخص في حملة قمع ضد الهجرة غير الشرعية ومخالفات الهجرة.

الإثيوبيون مثل جبري، الذين فروا من الحرب والفقر في بلادهم بحثًا عن حياة أفضل في الخليج، يشكلون نسبة كبيرة من المحتجزين في السعودية.

قدر جبري أن عدد المحتجزين في مركز جازان وحده يتراوح بين أربعين وخمسين ألف شخص.

قضى جبري تسعة أشهر في مركز جازان قبل أن يتم إطلاق سراحه وترحيله إلى إثيوبيا.

ويقول: “لا أبالغ إذا قلت إن هذا المكان كان جحيمًا على الأرض. لم يسمحوا لنا بالخروج طوال فترة بقائي التي استمرت تسعة أشهر. لم يُسمح لأي شخص برؤية الهواء الطلق أو ضوء الشمس”.

ويضيف: “رأيت مرضى يحاولون الانتحار، وكان على أصدقائهم أن يقيدوهم – قابلت أشخاصًا أصيبوا بالجنون تمامًا”، مرددًا شهادة معتقلين قدموها للتلغراف خلال تحقيق الصحيفة الأول.

وأشار جبري إلى تعرضه للضرب بكابل كهربائي أسود طويل. ويقول: “ضربوني مرة بعد مرة بعد مرة – لن أنسى آخر مرة ضُربت فيها”.

يأتي هذا الدليل الجديد على انتهاكات حقوق الإنسان السعودية في وقت تشن فيه المملكة حملة علاقات عامة ضخمة – بما في ذلك الاستثمار في رياضات مثل كرة القدم والجولف والملاكمة – يُنظر إليها على أنها وسيلة لتعزيز سمعتها الدولية.

السعودية هي المرشح الوحيد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، ومن المتوقع أن يتم تأكيد ذلك رسميًا في وقت لاحق من هذا العام.

لكن دخول المملكة إلى عالم كرة القدم يخضع لتدقيق شديد. كشفت رسائل واتساب مسربة اطلعت عليها التلغراف أن ولي العهد ووزراء بريطانيين كانوا متورطين بشكل وثيق في استحواذ صندوق الثروة السيادية السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد، رغم نفي الحكومة البريطانية وجود أي تدخل في الصفقة.

تنفق المملكة مليارات الدولارات لتحويل صورتها العالمية لتصبح مركزًا للسياحة والترفيه ضمن خطة “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد لتقليل الاعتماد على النفط.

لكن الحملة تعرضت لضربة في وقت سابق من هذا الشهر عندما فشلت في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعد أربع سنوات من رفض طلبها لعام 2020.

بعد تحقيق التلغراف في 2020، قالت الحكومة السعودية للصحيفة إن الصور التي تظهر الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز “مروعة وغير مقبولة بالنسبة لنا كدولة”.

وأضافت في بيان صادر عن سفارتها في لندن: “إذا تبين أن المرافق غير كافية، سيتم معالجة احتياجاتها بالشكل المناسب”.

بعد أربع سنوات، لم يرَ النشطاء الحقوقيون أي دليل على تحسين ظروف المحتجزين.

وتقول نادية هاردمان، باحثة حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “الاستجابة الوحيدة التي رأيتها في الواقع هي حظر الهواتف، مما يبدو أنه محاولة لمنع تسرب المزيد من الأدلة على هذه الانتهاكات المروعة”.

وتضيف: “إذا كان هناك أي شيء، فإن الوضع يزداد سوءًا”. وتقول إنها انتقلت من توثيق الانتهاكات المروعة في مراكز الاحتجاز إلى توثيق الوفيات على الحدود، في إشارة إلى تقرير يزعم أن حرس الحدود السعودي أطلقوا قذائف آر بي جي على مهاجرين يعبرون من اليمن.

وقد تم جمع معظم المواد التي تشكل الوثائقي الجديد “المملكة المكشوفة” سرًا وبمخاطر شخصية كبيرة.

ويقول المشاركون في الفيلم إنهم كانوا مدفوعين بالكشف عن التناقض الصارخ بين السعودية التي تصورها حملة العلاقات العامة، وواقع الحياة داخل المملكة.

ويقول سام كولينز، مخرج الفيلم: “اكتشاف تحقيق التلغراف كان صدمة لي وجعلني أفكر في الفارق الكبير بين ما نراه من حيث الدعاية حول رؤية 2030 والإصلاحات في السعودية، وبين احتمال حدوث انتهاكات جسيمة داخل البلاد في نفس الوقت”.

وأضاف: “أعتقد أنه من الصعب جدًا الاحتفاظ بهاتين الفكرتين معًا؛ من ناحية، قد تكون المملكة بلدًا متقدمًا ومصلحًا، لكن من ناحية أخرى، هذه اللقطات تشير إلى اتساع الفجوة بين الصورة والواقع”.

وقد واجه صانعو الفيلم أيضًا الحكومة البريطانية، التي وقعت في عام 2014 اتفاقًا لمساعدة السعودية على تحديث وزارة الداخلية التي تدير مراكز الاحتجاز.

لكن الحكومة رفضت الكشف عن أي معلومات حول البرنامج، مشيرة إلى أن ذلك قد يضر بالعلاقات بين بريطانيا والمملكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى