نظام آل سعود يلجأ لمزيد من الاقتراض مع اشتداد أمة المملكة
يعتزم نظام آل سعود إلى الاقتراض مجددا مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في المملكة ومواجهتها خطر الإفلاس التدريجي بفعل تصاعد التدهور الذي فاقمه انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا المستجد.
وأعلن وزير المالية في نظام آل سعود محمد الجدعان أنّ المملكة ستزيد مستوى الاقتراض، على خليفة إجراءات مكافحة فيروس كورونا الجديد، وآخرها تعليق رحلات الطيران الداخلية والحافلات وسيارات الأجرة والقطارات.
وقال الجدعان إن النظام لا يريد السحب من الاحتياطات أكثر مما هو مقرر وستقوم بزيادة نسبة الاقتراض من 30% من الناتج المحلي (785 مليار دولار) إلى 50%.
وذكر أنّ عجز الموازنة، هذا العام، قد يزيد ليصل إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، من نحو 6.4% في التوقع السابق، بسبب تهاوي أسعار النفط وأثر تفشي فيروس كورونا. وقال إنّ لدى الحكومة خطة طوارئ وتملك المرونة من خلال مزيج من تخفيضات الإنفاق والاقتراض والسحب من الاحتياطيات.
كان البنك المركزي السعودي قال الأسبوع الماضي، إنه أعدّ حزمة حجمها 50 مليار ريال (13.32 مليار دولار) لمساعدة البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة على التكيّف مع العواقب الاقتصادية للفيروس.
وقال الجدعان إنّ الحكومة لا تتوقّع أن يتجاوز الاقتراض 50% حتى 2022، وإن اقتراض العام الحالي لن يزيد على 100 مليار ريال وقد يكون أقل.
وكانت المملكة أعلنت، هذا الأسبوع، عن تقليص الميزانية نحو 5%، بما يصل إلى 50 مليار ريال، وقالت إنه سيعاد النظر في النفقات في ظل تدني أسعار الخام وتفشي فيروس كورونا اللذين يهددان النمو.
وتعاني المملكة من عجز مالي منذ انحدار أسعار النفط عام 2014، وقد أعلنت عن موازنة حجمها 1.02 تريليون ريال لعام 2020 قال محللون إنها تقوم على افتراض أنّ سعر النفط سيبلغ نحو 60 دولاراً، في حين أنّ سعر البرميل لا يزال دون 30 دولاراً، في معاملات أمس الجمعة.
وقبل يومين قال تقرير للكاتب سايمون واتكينز نشره موقع “أويل برايس” الأميركي إن السعوديين وأعضاء منظمة أوبك الآخرين على حد السواء نسوا -على ما يبدو- كيف أن محاولة قادتها الرياض لتدمير صناعة النفط الصخري الأميركي من 2014 إلى 2016 كانت كارثية.
ورغم أن العواقب -كما يضيف الكاتب- كانت شنيعة في المرة الأخيرة بالنسبة للسعوديين وحلفائهم الأكثر فقرا، فمن المرجح أن تكون العواقب هذه المرة أسوأ بكثير.
في المرة الأخيرة التي جرب فيها السعوديون الإستراتيجية نفسها عام 2014، كانت لديهم فرصة أكبر للنجاح من الآن، حسب الكاتب.
ويقول الكاتب إنه في ذلك الوقت كان يُعتقد أن منتجي النفط الصخري الأميركي غير قادرين على إنتاج النفط على أساس مستدام بسعر مساوٍ أو أقل من نحو سبعين دولارا لبرميل البرنت.
كما سجلت المملكة أيضًا احتياطات قياسية من الأصول الأجنبية التي بلغت 737 مليار دولار أميركي في أغسطس/آب 2014، مما أتاح لها المناورة، خاصة من حيث تغطية عجز الميزانية الضخم الذي قد ينجم عن انخفاض أسعار النفط بسبب الإفراط في الإنتاج.
في المقابل، كانت روسيا في تلك المرحلة مهتمة بالأمر فقط، كما يشير الكاتب.
وأوضح أن المملكة كانت واثقة من خطتها، مشيرا إلى أنها كانت تمتلك هدفين واضحين في ما يتعلق بمتابعة إستراتيجيتها لزيادة إنتاج النفط وتراجع أسعاره.
تمثلت أول هذه الأهداف في تدمير -أو على الأقل إبطاء- تطور صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، في حين يتمثل الهدف الثاني في الضغط على أعضاء المنظمة الآخرين للمساهمة في ضبط الإمدادات.
وأفاد التقرير بأنه في غضون بضعة أشهر فقط من الشروع في إستراتيجية تدمير الصخر الزيتي هذه، أصبح من الواضح للغاية للسعوديين أنهم ارتكبوا خطأ فادحًا في التقليل من قدرة هذا القطاع على إعادة تنظيم نفسه في عملية أكثر صرامة مما كانوا يعتقدون.
فقد تمكن منتجو النفط الصخري -كما يقول التقرير- وعبر توظيف التقدم التكنولوجي من حفر مساحات أطول وإدارة مراحل التصديع المائي عن قرب.
وحسب الكاتب، فقد سمح هذا الأمر بإصلاح الآبار المحفورة، وبالحفر بطريقة أسرع، والأهم من ذلك، سمح الازدهار المستمر لقطاع الصخر الزيتي في الولايات المتحدة لهذه البلاد بتقليص اعتمادها على مصادر الطاقة السعودية، وتوسيع نطاق نفوذها الجيوسياسي أكثر، من خلال تحولها للمنتج الأول للنفط في العالم.
وأورد تقرير الكاتب أنه بالنظر إلى هذه التطورات، وخلال العامين فقط التي استمرت فيهما هذه الإاستراتيجية السعودية؛ خسرت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط 450 مليار دولار أميركي من عائدات النفط؛ نظرا للأسعار المنخفضة، وما زالوا يتعاملون مع محاولة سد الثغرات في احتياطاتهم من العملات الأجنبية والميزانيات المستحقة، في حين انخفضت أسعار النفط من أكثر من مئة دولار أميركي لبرميل برنت إلى أقل من ثلاثين دولارًا أميركيا.
وأشار إلى أن المملكة نفسها انتقلت من فائض في الميزانية إلى عجز قياسي مرتفع في عام 2015 بلغ 98 مليار دولار، كما أنفقت ما لا يقل عن 250 مليار دولار أميركي من احتياطاتها من العملات الأجنبية خلال تلك الفترة.
ولفت إلى أنه حتى قبل شن حرب أسعار النفط الجديدة هذه، كانت السعودية تواجه عجزًا كبيرًا في الميزانية كل عام، وربما حتى عام 2028، وذلك حسب معظم التوقعات.
الكاتب أضاف أيضا أنه إذا استمرت السعودية في الإفراط في الإنتاج لتخفيض أسعار النفط، كما تفعل الآن -مرة أخرى- ستفلس في غضون ثلاثة إلى أربعة أعوام.
في المقابل، فإنه بالنسبة للولايات المتحدة هناك فوائد اقتصادية ستؤدي إلى فوائد سياسية كبيرة أيضًا، بسبب انخفاض أسعار النفط، خاصة في هذه السنة التي سيتسبب فيها فيروس كورونا بآثار اقتصادية سلبية.
وقال الكاتب إن التقديرات تشير إلى أن كل تغيير في سعر النفط الخام بقدر عشرة دولارات أميركية للبرميل الواحد سيؤدي إلى تغيير بنسبة 25 إلى 30% في سعر غالون البنزين، ولكل انخفاض بنسبة سنت واحد في متوسط سعر غالون البنزين، سيقع تحرير أكثر من مليار دولار سنويًا من الإنفاق الاستهلاكي الإضافي.
أما على الصعيد السياسي -يضيف الكاتب- فقد يُخلّف هذا الأمر عواقب هائلة بالنسبة للرئيس الحالي الذي يسعى إلى إعادة انتخابه.
في الواقع -يتابع الكاتب- فإن فكرة أن أي رئيس أميركي سيسمح لقطاع الصخر الزيتي ذي الأهمية الجيوسياسية في البلاد بأن يتضرر بشكل خطير بأي شكل من الأشكال تبقى أمرا صعبا، وخلال الأيام القليلة الماضية صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن هناك مجموعة من الإجراءات الجديدة لدعم القطاع.
ووفق تقرير أويل برايس، فإن كل هذا يأتي في وقت يواجه فيه الحاكم الفعلي الحالي للمملكة ولي العهد محمد بن سلمان أخطر أزمة، وهو ما جرى تأكيده قبل بضعة أيام حين وردت تقارير تفيد بأن محمد بن سلمان أمر باعتقال خصومه البارزين، بما في ذلك الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، وهو ابن شقيق الملك وولي العهد السابق.
في حين تشير تقارير عديدة إلى أن الوضع الصحي للملك الحالي سلمان بن عبد العزيز (84 عامًا) متدهور، الأمر الذي دفع الكثير من أفراد الأسرة المالكة للسعي وراء الخلافة، خاصة أن محمد بن سلمان لم يكن دوما الخليفة الطبيعي للملك الحالي.
ويقول الكاتب “مع ذلك، فإن الأسباب التي دفعت محمد بن سلمان إلى إفلاس بلاده وإنفاق ما تبقى من احتياطاتها المتضائلة من الأصول الأجنبيّة، واحتمال إبعاد حليفتها المهمة الوحيدة في العالم تبقى لغزا. ولكن مهما كان السبب، فإن كلا من الولايات المتحدة وروسيا ستشعران بالسعادة وهما تراقبان ما يحصل لمحمد بن سلمان”.