أخبار

صفعة قوية لوجه محمد بن سلمان: احتجاجات في واشنطن وتساؤلات حول اتفاقياته مع ترامب

تواجه سياسات ولي العهد محمد بن سلمان تحديًا متناميًا على الساحة الدولية، ليس فقط من الداخل، ولكن أيضًا بين أبناء الجالية السعودية في الخارج في ظل مواجهته احتجاجات غير مسبوقة خلال زيارته واشنطن.

فقد شهدت شوارع واشنطن احتجاجات حاشدة من قبل سعوديين ومناصرين للعدالة، مطالبين بمحاكمة ابن سلمان على جرائمه العديدة، وعلى رأسها جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، التي شكلت نقطة تحول في الرأي العام العالمي تجاه المملكة وسياساتها القمعية.

وجاءت الاحتجاجات في واشنطن في وقت حساس، بالتزامن مع اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد، الذي أُعلن عنه في البيت الأبيض على أنه محطة لتعزيز العلاقات الثنائية، بما في ذلك اتفاقيات استثمارية وعسكرية وأمنية واسعة.

لكن خلف البهرجة الإعلامية والتصريحات الرسمية، يبرز سؤال محوري: ما مدى صلابة هذه الاتفاقيات وعمقها الحقيقي؟

وعلق خافيير بلاس، كاتب عمود في بلومبيرغ، على نتائج اللقاء قائلاً: “أصدر البيت الأبيض الآن ‘ورقة حقائق’ تفصّل الصفقات المبرمة مع السعودية. معظمها يشير إلى ‘الالتزام’، و’مذكرة التفاهم’، و’التسليمات المستقبلية’… وعود كثيرة، وتفاصيل قليلة”.

وتلخص هذه الملاحظة مدى التناقض بين التصريحات الرسمية والواقع العملي، إذ تبدو الاتفاقيات في كثير من الأحيان بمثابة وعود رمزية أكثر من كونها خططًا قابلة للتنفيذ على الأرض.

وقد أصدر البيت الأبيض بيانا رسميا يوضح ما وصفه بـ”حقائق مخرجات اللقاء”، وتضمن البيان أبرز الاتفاقيات التالية:

تعهد سعودي باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة: أعلن ولي العهد أن السعودية ستزيد التزاماتها الاستثمارية في أمريكا إلى ما يقرب من تريليون دولار. ورغم الرقم الضخم، إلا أن التفاصيل حول القطاعات المستهدفة أو الآليات التنفيذية لم تُكشف بعد، ما يترك الكثير من التساؤلات حول جدوى هذه الوعود على المدى الطويل.

التعاون في الطاقة النووية المدنية: وقعت واشنطن والرياض إعلانًا مشتركًا لاستكمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية، وهو ما يضع الأساس القانوني لشراكة سعودية أمريكية في هذا القطاع الاستراتيجي. إلا أن هذا الإعلان لم يوضح الجدول الزمني أو نطاق المشاريع التي سيتم تطويرها، ما يطرح تساؤلات حول التوقيت والأهداف العملية.

إطار عمل للمعادن الأساسية: تم توقيع اتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون في استثمارات المعادن الأساسية، وهو مجال حيوي للمملكة في خططها التنموية، ولكنه في الوقت ذاته قطاع حساس استراتيجيًا للولايات المتحدة، ما قد يحد من حرية التنفيذ.

مذكرة تفاهم في الذكاء الاصطناعي: توصلت الرياض وواشنطن إلى مذكرة تفاهم تاريخية تتيح للسعودية الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مع الحفاظ على حماية التكنولوجيا الأمريكية. هذه الخطوة تعكس رغبة السعودية في تطوير قطاعها التقني، لكنها تثير مخاوف حول التفوق التكنولوجي الأمريكي وحقوق الملكية الفكرية.

اتفاقية الدفاع الاستراتيجي: وقع الرئيس ترامب وولي العهد على اتفاقية دفاعية تتيح لشركات الدفاع الأمريكية العمل بحرية أكبر في السعودية، مع ضمان أموال جديدة لتقاسم الأعباء الدفاعية. وهذا يشير إلى استمرار اعتمادية المملكة على الأسلحة الأمريكية ودعمها للقطاع الدفاعي الأمريكي، لكنها تبقى اتفاقية قائمة على الثقة أكثر من كونها ملزمة على الأرض.

حزمة مبيعات دفاعية كبرى: وافق ترامب على تسليمات مستقبلية لطائرات F-35، ضمن اتفاقية عسكرية واسعة، لتعزيز القدرات الدفاعية السعودية ودعم الصناعة الدفاعية الأمريكية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تأتي في ظل جدل حول سجل السعودية في النزاعات الإقليمية، خصوصًا في اليمن، مما يجعل مسألة توسيع التسليح محل انتقاد واسع.

من جهة أخرى، يرى محللون أن هذه الاتفاقيات، رغم حجمها الإعلامي، قد تكون بمثابة “صفعة رمزية” لابن سلمان، لأنها جاءت في وقت يواجه فيه ضغوطًا متصاعدة على مستوى حقوق الإنسان والعدالة الدولية.

فالاحتجاجات في واشنطن تؤكد أن الصورة المثالية التي يحاول تقديمها ولي العهد أمام العالم تتناقض مع الواقع الميداني، وأن الكثيرين من السعوديين يرفضون سياساته ويطالبون بمحاسبته على جرائم القمع وقتل المعارضين، بما في ذلك خاشقجي.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل هذه الاتفاقيات مجرد واجهة إعلامية لتجميل صورة ابن سلمان، أم أنها ستترجم إلى شراكات حقيقية على الأرض؟ في ظل احتجاجات السعوديين في أمريكا وغياب التفاصيل العملية في اتفاقيات البيت الأبيض، يبدو أن الصفعة الحقيقية لولي العهد هي الانتباه إلى أن السلطة والمال لن يغطيان دائمًا سجلًا حافلًا بالانتهاكات، وأن الرأي العام، حتى خارج المملكة، قادر على توجيه رسائل قوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى