عقد القمع الكامل: عشر سنوات من حكم الملك سلمان وولي عهده

على امتداد عشر سنوات من حكم الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد محمد بن سلمان، لم تشهد السعودية “مرحلة إصلاح” كما تُسوَّق دعائيًا، بل دخلت طورًا جديدًا من إعادة تشكيل الدولة على أساس القمع الشامل: سلطة مركّزة، مجتمع مُراقَب، معارضة مُستأصَلة، وحقوق إنسان تُسحق بلا مواربة.
ذلك هو الاستنتاج المركزي الذي خرج به مؤتمر حقوقي دولي استعرض، على مدار يومين، سجل الانتهاكات المتفاقمة التي وسمت هذا العقد بوصفه الأكثر دموية وتضييقًا في تاريخ المملكة الحديث.
فقد شكّل العقد الأخير محطة مفصلية أُعيدت فيها صياغة علاقة السلطة بالمجتمع بالقوة الغاشمة: توسّعت الرقابة، تَغوّل الجهاز الأمني، تحوّل القضاء والإعلام إلى أدوات طيّعة، وتضاعفت أعداد الضحايا.
ولم تكن الانتهاكات “أخطاء” أو “تجاوزات”، بل سياسات ممنهجة استهدفت المجتمع المدني، والمدافعين عن الحقوق، والصحافة، والنساء، والعمال المهاجرين، والأقليات، وحتى الحجاج.
ماكينة القمع تعمل بكامل طاقتها
افتُتح المؤتمر بإدارة المحامية الدولية ياسمين عمر، واستُهل بكلمة علي الدبيسي، مدير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، الذي وضع الإطار العام للعشرية السوداء: الضحايا ليسوا حالات فردية، بل نتاج نظام قرر سحق أي صوت مستقل.
وقدّمت الأكاديمية مضاوي الرشيد تشريحًا صارمًا لتحولات الحكم: تركّز السلطة في دائرة ضيقة، ضبط المجالين الديني والسياسي، وتفريغ المؤسسات من معناها. ما جرى، تؤكد الرشيد، ليس إصلاحًا بل “هندسة سلطوية” تنتج شرعية شكلية لتبرير القمع.
أما المعارض عباس الصادق فكشف الوجه العمراني للقمع: إزالات وتهجير قسري باسم “التطوير”، حيث تحوّلت المدن إلى مشاريع استثمارية، والسكان إلى فائض يمكن ترحيله دون إنصاف أو تعويض عادل.
وفي ملف الإعدامات، عرضت مايا فاو (Reprieve) أرقامًا صادمة: 1910 إعدامات منذ تولّي الملك الحكم، مع احتمالات أعلى بسبب السرية. إعدامات بلا محاكمات عادلة، وقضايا رأي، وقاصرون، واعترافات انتُزعت تحت التعذيب—سياسة ترهيب لا قضاء.
بدوره، وثّق خالد إبراهيم مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، أوسع حملات اعتقال للنشطاء، وأحكامًا قاسية، ووفيات داخل السجون، ومنعًا من السفر، وتجسسًا رقميًا—بيئة تُجرِّم العمل الحقوقي ذاته.
فيما فضحت بيسان فقيه (العفو الدولية) زيف “إصلاحات” منع إعدام القاصرين: أُعدم قاصران في 2025، وبلغ العدد منذ 2015 خمسة عشر طفلًا على الأقل. النصوص القانونية تحوّلت إلى ديكور، لا حماية.
بموازاة ذلك كشفت شهادات العائلات—كما نقلتها الناشطة خلود العنزي—الخوف والصمت القسري.
بينما بيّنت الناشطة مريم الدوسري أن “تمكين المرأة” واجهة، فيما تُعتقل الناشطات ويستمر التمييز.
وفضح الناشط ديلمار ضيو إعدام 39 صوماليًا في عام واحد بقضايا مخدرات، بلا تمثيل قانوني فعّال. واختتمت إيلاف القصّاب (OMCT) بتأكيد أن التعذيب في السعودية ممارسة ثابتة بلا مساءلة.
القمع السعودي يتجاوز الحدود
شرح الناشط سعيد الشهابي كيف تُصدّر السعودية نموذجها الأمني إلى الخليج، خصوصًا البحرين، وتُحارب أي تحول ديمقراطي.
فيما كشف المعارض السعودي محمد العمري تسييس الحج: منعٌ سياسي، اعتقالات، وفيات، وتحويل المناسك إلى أداة ولاء.
وربطت الناشطة جوان سعادة بين اغتيال جمال خاشقجي وواقع إعلام بلا استقلال—نظام خوف داخل البلاد وخارجها. وعرّفت بسمة مصطفى القمع العابر للحدود: تشهير، انتربول، تهديد العائلات—مع مخاوف متزايدة بعد افتتاح مركز للانتربول في الرياض.
بينما قدّم عبد الرحمن الخالدي شهادة لجوء تُظهر نفوذ المال السعودي في قرارات دول أوروبية.
وكشفت كاتريونا فرايزر انتهاكات جسيمة بحق العمال في مشاريع “خضراء” تُسوَّق كحداثة بينما تُدار بعقلية الاستغلال. وروى محمد القديمي جحيم نظام الكفالة: اقتحامات، تهديد الأطفال، احتجاز، وترحيل قسري خلّف آثارًا نفسية مدمّرة.
وفي اليمن، وثّق الناشط محمد النعماني استمرار القصف، والانتهاكات، والسجون السرية، ومنع اليمنيين من الحج—حرب تتجاوز الجبهات إلى حياة المدنيين.
وقد اختُتم المؤتمر برسالة واضحة: السعودية تستثمر في الدعاية لإخفاء القمع، لكن الوقائع تتراكم. عشر سنوات من حكم الملك سلمان وابنه لم تُنتج دولة قانون، بل دولة أمن. ورغم ذلك، فإن توثيق الانتهاكات، وتضامن الضحايا، وتكامل العمل الحقوقي والإعلامي، هي الطريق الوحيد لكسر الحصانة المصطنعة—ومحاسبة من أعادوا هندسة المملكة على حساب الإنسان.



