أخبار

السعودية ومساعي الاعتراف بدولة فلسطينية: دافع إنساني أم تكتيك سياسي؟

في ضوء التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، تزايدت التساؤلات حول دوافع السلطات السعودية وراء تصدرها الجهود الرامية إلى الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقلة.

منذ سبتمبر 2024، بادرت الرياض، بالتعاون مع النرويج، إلى إطلاق “التحالف العالمي لتطبيق حل الدولتين”، والذي يهدف إلى حشد الدعم الدولي لإقامة دولة فلسطينية، مع الترويج لحقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، تطرح العديد من الأسئلة حول دوافع السعودية: هل هي خطوة إنسانية تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية لخدمة مصالح الرياض الإقليمية والدولية؟

التوجه السعودي: بين الدعم والمصالح

نشر موقع DW الألماني تقريرًا يسلط الضوء على الدور السعودي في تعزيز حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية، حيث طرح التقرير وجهتي نظر متناقضتين.

من جهة، هنالك من يصف المواقف السعودية الأخيرة بأنها “درس في الدبلوماسية” ويرون فيها عملاً إنسانيًا يتماشى مع سياسة المملكة العربية السعودية في دعم حقوق الفلسطينيين.

ومن جهة أخرى، هناك من يرى أن هذا الدعم ليس سوى خطوة دعائية تهدف إلى تحسين صورة المملكة دوليًا، في إطار سعيها لتقوية علاقتها مع الغرب وتعزيز نفوذها في الساحة الدولية.

المواقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية

إن السعي السعودي لتحقيق حل الدولتين لم يطرأ حديثًا مع التصعيد الأخير في القضية الفلسطينية.

فقد بدأت المملكة السعودية في دفع الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل عام، وتحديدًا في سبتمبر 2024، عندما أطلقت “التحالف العالمي لتطبيق حل الدولتين” بالشراكة مع النرويج، لتنظيم سلسلة من الاجتماعات التي عُقدت أولًا في الرياض.

لكن هذا السعي يعود إلى عقود مضت، حيث تعود المبادرة السعودية تجاه القضية الفلسطينية إلى أواخر الستينيات، مع إشارة المحلل السعودي عزيز الغشيان إلى أن الاستعداد السعودي للتطبيع مع إسرائيل كان موجودًا منذ سنوات طويلة، وليس أمرًا جديدًا كما يعتقد البعض.

وقد نشأت المبادرة الأشهر، “مبادرة السلام العربية”، في عام 2002 تحت رعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت، حيث نصت على اعتراف جميع الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها شريطة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية.

رغم توافق الدول العربية على المبادرة في حينه، إلا أن الفشل في تطبيقها كان نتيجة لعدة عوامل أبرزها الخلافات حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتغيرات الإقليمية مثل الربيع العربي، ثم ظهور اتفاقيات إبراهيم التي أدت إلى تطبيع علاقات عدة دول عربية مع إسرائيل.

التحديات الإقليمية: بين التطبيع والمصالح الوطنية

لكن التحديات التي تواجه المملكة في سياق سعيها لإقامة دولة فلسطينية تكمن في التوازن بين دعم القضية الفلسطينية وتعزيز مصالحها الإقليمية والدولية.

المملكة كما يرى التقرير، قد تكون مستفيدة من التطبيع مع إسرائيل، ليس فقط في دعم الحل الفلسطيني ولكن أيضًا في تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، حيث تسعى إلى تقليل اعتمادها على النفط وتعزيز العلاقات مع الغرب، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأمن.

لكن هذا السعي يواجه معارضة شديدة من بعض الأطراف الإسرائيلية والأمريكية، حيث ترى هذه الأطراف أن الدفع السعودي نحو حل الدولتين يتعارض مع استراتيجيات إسرائيل في المنطقة.

ولا يقتصر الأمر على معارضة حكومية، بل يشمل أيضًا مقاومة جماعات ضغط في الولايات المتحدة، التي ترفض أي مبادرات يمكن أن تضع ضغوطًا على إسرائيل.

الآفاق المستقبلية: دبلوماسية أم مصالح؟

على الرغم من المعارضة الداخلية والخارجية، فإن السعودية، من خلال إصرارها على تحقيق السلام في المنطقة، تحاول تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.

ويسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى بناء صورة دولية أكثر توازناً، من خلال الانخراط في سياسات إقليمية تؤكد على دور السعودية كداعم رئيسي للسلام في الشرق الأوسط.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن هذه الجهود تأتي في إطار مصالح السعودية الخاصة. إذ أن المملكة ترغب في تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في استقرار الشرق الأوسط وفي إعادة تشكيل علاقاتها الإقليمية مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

كما أن الحل السياسي الذي تروج له الرياض يهدف أيضًا إلى تعزيز استقرار المملكة داخليًا، وتجنب الصراعات التي قد تهدد وحدتها واستقرارها، خاصة في ظل التوترات الحالية في المنطقة.

بين الدعم الفعلي والدعاية السياسية

يبقى السؤال حول نوايا المملكة العربية السعودية في الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية قائمًا: هل هي خطوة إنسانية، أم أنها جزء من استراتيجيتها السياسية التي تخدم مصالحها الإقليمية والدولية؟.

ورغم أن الدعم السعودي للقضية الفلسطينية يبدو في الظاهر خطوة إيجابية، إلا أن أهداف الرياض السياسية قد تلعب دورًا أكبر في تلك الجهود، حيث يسعى المسؤولون السعوديون إلى تحقيق توازن بين دعم الحقوق الفلسطينية وتعزيز مصالحهم الشخصية في المنطقة والعالم.

الواقع أن التحركات السعودية الحالية، رغم إشادتها في الأوساط الدولية، قد لا تكون بعيدة عن محركات سياسية تهدف إلى تحسين صورة المملكة ورفع مكانتها بين الحلفاء.

وقد تكون هذه الجهود ذات طابع إنساني في ظاهرها، ولكن في العمق، هي جزء من استراتيجية شاملة تؤكد على دور المملكة كقوة إقليمية تسعى لتوسيع نفوذها على الساحة الدولية وخدمة أجندات خاصة لمحمد بن سلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى