فضائح السعودية

السعودية تدفع نحو التطبيع العلني مع إسرائيل: دمشق بوابة خلفية

صفقة تُطبخ على حساب فلسطين

تتابع السلطات السعودية عن كثب التحولات المتسارعة في مسار العلاقات بين النظام السوري الجديد وإسرائيل، وترى فيها مدخلًا محتملاً لإتمام التطبيع العلني الخاص بها مع تل أبيب، وفقًا لما كشفته قناة “كان” الإسرائيلية.

هذه الخطوة، التي تأتي في توقيت حساس إقليميًا، تثير قلقًا واسعًا من أن الرياض تحوّل البوصلة الإقليمية نحو تحالف أمني ثلاثي ترعاه واشنطن، يتجاهل جوهر القضية الفلسطينية ويقصي أي تمثيل لقوى المقاومة، وتحديدًا حركة حماس.

دمشق… ممرٌ للرياض إلى تل أبيب

بحسب مصدر سعودي رفيع من العائلة المالكة تحدّث لـ”كان”، فإن الرياض تعتبر المحادثات غير المباشرة الجارية بين تل أبيب ودمشق بوابة استراتيجية لتطبيع سعودي إسرائيلي مدروس، خصوصًا في ضوء التسهيلات التي تقدمها الولايات المتحدة والضغوط السياسية الممارسة على الفلسطينيين للقبول بتسوية مفروضة.

وأكد المصدر أن السعودية “تراقب بعناية” الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، معوّلة على “الانفتاح السوري” باعتباره مدخلًا لصياغة ترتيبات إقليمية جديدة تشمل السلطة الفلسطينية، ولكن “دون حماس”.

يأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه سوريا تحولات دراماتيكية. فمنذ أن سيطرت “هيئة تحرير الشام” على العاصمة دمشق في ديسمبر 2024، وأطاحت بالرئيس بشار الأسد، تبنّت السلطات السورية المؤقتة خطابًا سياسيًا أكثر براغماتية، شمل استعدادًا لمحادثات مباشرة مع إسرائيل برعاية إماراتية وأمريكية وسعودية.

السعودية تتخلى عن مركزية القضية الفلسطينية

هذا النهج السعودي الجديد يُظهر انفكاكًا متسارعًا عن المبادرة العربية للسلام ومبدأ الأرض مقابل السلام، ويبدو أنه يراهن على تمرير تطبيع عربي واسع النطاق، يتجاوز الملف الفلسطيني، ويُقزم القضية إلى “تفصيل إداري” ضمن تفاهمات أمنية واقتصادية ترعاها واشنطن.

وبحسب تقارير إعلامية، فقد التقى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في 7 يوليو الجاري مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث ناقشا مسودة أولية لاتفاق أمني يتضمن ترتيبات لوقف التصعيد، وربما انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من جنوب سوريا، دون الحديث عن مرتفعات الجولان.

ويُقال إن السعودية كانت جزءًا من جهود الوساطة في هذا اللقاء، الذي يعتبره مراقبون “التمهيد الفعلي” لإطلاق موجة تطبيع جديدة في المنطقة، تبدأ من دمشق، مرورًا بالرياض، وربما تشمل دولًا أخرى لاحقًا.

غطاء أمريكي وخطط إماراتية

تتخذ الإدارة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، موقفًا داعمًا بشدة لهذه الترتيبات. فقد ألغت واشنطن رسميًا تصنيف “هيئة تحرير الشام” — التي قادت الهجوم ضد الأسد — كمنظمة إرهابية، وبدأت بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا منذ أكثر من أربعة عقود.

هذا الانفتاح الأمريكي يُنظر إليه على نطاق واسع كمكافأة سياسية للقيادة السورية الجديدة مقابل استعدادها للتطبيع مع إسرائيل. كما يُعتبر بمثابة جسر بين تل أبيب والرياض، من خلال دعم ترتيبات أمنية مشتركة، يجري حاليًا التفاوض عليها في الغرف الخلفية، بمباركة إماراتية.

خنق غزة لإجبار الفلسطينيين

وتترافق هذه الترتيبات مع محاولات محمومة لإجبار الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حماس، على القبول بوقف طويل لإطلاق النار مع إسرائيل، بشروط مجحفة.

ويرى مراقبون أن الهدف الأساسي من الصفقة السورية الإسرائيلية ليس فقط “تطبيع العلاقات”، بل تأمين غطاء عربي لدفع نتنياهو إلى التوقيع على اتفاق في غزة يكرّس انفصالها عن المسار السياسي الفلسطيني العام.

وفي هذا السياق، يلاحظ أن جميع الأطراف المفاوضة تتجاهل تمثيل المقاومة، وتكتفي بإشراك السلطة الفلسطينية في صيغة شكلية تقتصر على الجانب الإداري.

وتشير التسريبات إلى أن اتفاقًا أمنيًا ثلاثيًا بين الولايات المتحدة، إسرائيل، وسوريا قد يتم توقيعه في البيت الأبيض في سبتمبر المقبل، يُمهّد لتطبيع سعودي لاحق، وربما يشمل ترتيبات اقتصادية إقليمية أوسع.

إدانات وتحذيرات فلسطينية

من جانبها، حذّرت فصائل فلسطينية من أن التحركات السعودية تمثل “خيانة للقضية الفلسطينية”، وتمهد لتحالف إقليمي قائم على العداء لإيران وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني. واعتبرت أن إشراك السلطة الفلسطينية في هذه التفاهمات دون العودة إلى الإجماع الوطني يمثل رضوخًا للابتزاز السياسي الأمريكي.

وقال مصدر في حركة حماس لموقع “ذا كاردل” إن “محاولة الرياض استغلال الملف السوري للتمهيد لتطبيع علني مع إسرائيل هي خطوة بالغة الخطورة، وتكشف أن السعودية باتت ترى في المقاومة الفلسطينية عبئًا لا بد من تحييده”.

وأضاف أن “التطبيع مع دمشق لن يكون سوى بوابة خلفية لتصفية القضية الفلسطينية، واستبدالها بما يسمى مشاريع إعادة الإعمار أو المناطق الآمنة، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلًا”.

وبحسب مراقبين فإن ما يجري في المنطقة ليس سوى هندسة سياسية معقدة تعيد رسم التحالفات، وتُعيد ترتيب الأعداء والحلفاء. والسعودية، التي طالما تباهت بمكانتها كحامية للمقدسات الإسلامية والداعم المركزي للقضية الفلسطينية، تبدو الآن على وشك التخلي عن هذا الدور التاريخي، مقابل موقع متقدم في المحور الإسرائيلي – الأمريكي.

وإذا ما اكتملت الصفقة السورية – الإسرائيلية، فإن الطريق أمام الرياض نحو تطبيع رسمي مع تل أبيب سيكون أقصر من أي وقت مضى، وإن كان الثمن هذه المرة — كما في كل مرة — هو فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى