الحقوق الأساسية لا يمكن مقايضتها بالترفيه في السعودية
من الطبيعي والواجب أن يتمتع المواطنون والمقيمون في المملكة بالترفيه الفني الرياضي، لكن لا أن يكون ذلك على حساب حرمانهم من حقوقهم الأساسية وفي مقدمة ذلك حرية التعبير والتجمع السلمي.
من غير الممكن قبول فعاليات الترفيه كبديل عن الحقوق الأساسية والترويج لاستراتيجية الإنفاق ببذخ بأنها دليل على الحداثة والانفتاح في وقت تتصاعد فيه سياسات القمع والبطش وتغليط أحكام السجن بعد المحاكمة على مجرد تغريدة أو رأى علني.
في الوقت ذاته فإن سياسة الحكومة السعودية القائمة منذ سنوات على خطة غسيل السمعة من خلال الفعاليات الترفيهية والرياضية لا يمكن أن يكتب لها النجاح من دون ضمان الحقوق والحريات.
أطلقت السلطات السعودية خططا غير مسبوقة للاستثمار في الأحداث الترفيهية والثقافية والرياضية الكبرى ضمن “رؤية 2030″، بهدف معلن هو خلق المزيد من خيارات الترفيه والتسلية من أجل خلق “صورة إيجابية للمملكة على الصعيد الدولي”.
لكن يظهر بجلاء أن تمرير هذه الخطة المثيرة للجدل ظل يجابه بإخفاقات هائلة. أحد أبرز تجليات هذا الإخفاق التنديد المستمر من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسياسية تبييض السمعة، والتذكير في كل مناسبة بالانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان في المملكة.
ظل نجوم هوليوود والغناء والرياضيين الدوليين وغيرهم من المشاهير العالميين ممن تلقوا أموالا حكومية ضخمة وبأرقام قياسية لأداء عروضهم في السعودية، تحت الضغط للحديث عن السجل الحقوقي المروع في السعودية.
بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن مثل هذه الأحداث يمكن أن تُستخدم لمواجهة التدقيق المنتقد لانتهاكات الحكومة السعودية لحقوق الإنسان، بما فيها قتل الصحفي جمال خاشقجي واعتقال نشطاء الرأي، وتقويض الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين السعوديين.
لجأ النظام السعودي في أيار/مايو 2016، إلى إعلان الخطة “الهيئة العامة للترفيه” بخطط لاستثمار 64 مليار دولار في الموسيقى، والترفيه، والرياضة، والفن، والسينما، من بين أمور أخرى.
شمل ذلك استضافة المملكة بطولة السوبر الإسباني، و”رالي داكار” وبطولة الغولف السعودية للمدعوّين، وعروض مدفوعة لـ “مؤسسة مصارعة المحترفين الترفيهية” (WWE). و”فورمولا 1″ وغيرها من الأحداث.
لنتخيل أن سلطات المملكة صرف مبلغ مليار دولار في السنوات الأخيرة على استضافة مباريات للمصارعة الحرة، في وقت يعرض صندوق الاستثمارات العامة مبلغ 6.5 مليار دولار لشراء شركة wwe مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية.
مؤخرا وصل اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى الرياض، بعد توقيع صفقة مع نادي النصر لكرة القدم، والتي تُقدّر وسائل الإعلام قيمتها بأكثر من 200 مليون يورو، فضلا عن امتيازات معيشية ضخمة منها قصر ضخم خاص وعدة فيلل راقية للاعب البالغ 38 عاما.
يضاف إلى ذلك سلسلة من الأحداث الفنية يراد منها بوضوح إغراق مواطني المملكة بفعاليات الترفيه على حساب حقوقهم الأساسية وتلميع صورة السلطات مثل مهرجان جدة العالمي، ومواسم الرياض والدرعية ومهرجان شتاء طنطورة ومهرجان مدل بيست للرقص والموسيقى.
وإلى جانب استضافة الفعاليات الترفيهية والرياضية المحلية، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي ملايين الدولارات في مشاريع ذات صلة خارج المملكة بهدف تلميع السمعة أكثر منه الاستثمار الاقتصادي الحقيقي، ومن ذلك شراء نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي.
الهدف من هذه الاستراتيجية مرتبطة بسياسة غسيل السمعة بحيث أن محركات البحث، على سبيل المثال، تظهر المملكة ما في نتائج البحث الكثيرة الأولى للفعاليات الفنية والرياضية الكبرى على حساب الدفع بنتائج انتهاكات حقوق الأنسان إلى آخر قوائم نتائج البحث.
رغم ذلك فإن استراتيجية تلميع الانتهاكات والحكم القمعي في المملكة ثبت فشلها ولم تنجح بتسويق ولي العهد محمد بن سلمان وفريقه الحاكم في المحافل الدولية، ولم تحد من التقارير الإعلامية والحقوقية الدولية المنتقدة للمملكة.
كما أن استخدام بريق الرياضة كأداة علاقات عامة لتحسين صورة المملكة الدولية قد يفيد في تعزيز السياحة أو المنتجات المحلية، لكنه لن ينجح في تلميع السجل الحقوقي الأسود للمملكة وإفلات المسئولين الانتهاكات الحاصلة من المحاسبة.
في الوقت نفسه فإن الأجدر بسلطات المملكة الاهتمام بمشاكل المواطنين والقضاء على معدلات الفقر والبطالة المتزايدة وإلغاء الضرائب الحكومية وحل أزمات الإسكان والبني التحتية المهمشة كأولوية أكبر من صرف المليارات على الترفيه.
وإن أفضل حملة علاقات عامة إنما تأتي من احترام حقوق الإنسان وصون الحريات العامة وضمان المشاركة السياسية، فيما استراتيجية توسيع خيارات الترفيه للمواطنين السعوديين وزيادة التسامح تجاه أنواع مختلفة من التعبير الفني، لا يمكن لها تعويض تدهور الحقوق المدنية والسياسية، أو تغييب الحملات المطالبة بتلك الحقوق.