خلاصة زيارة بوتين.. صفقات على الورق دون آليات تنفيذ
عمل نظام آل سعود على استغلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة لتضخيمها وكسر عزلته الدولية رغم أن الزيارة التي استمرت ساعات فقط لم تسفر إلا عن صفقات على الورقة دون آليات تنفيذ.
وسعى بوتين في زيارته للمملكة وهي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات للاستفادة من النفوذ المتنامي في المنطقة والبحث عن تعاون أكبر في مجال الطاقة مع نظام آل سعود.
لكن المفاوضات التي جرت تظهر أن قطاع النفط مؤجل، حيث تمخضت المباحثات عن 15 مذكرة تفاهم في العديد من القطاعات بين شركات المملكة والروسية، منها 9 مذكرات بين أرامكو وشركات روسية ليس بينها اتفاق نهائي، بينما جاء الاتفاقان الوحيدان في قطاع الكهرباء والطاقة.
في حين حصلت 4 شركات روسية على رخص استثمارية لمزاولة الأعمال في المملكة، في مجالات البناء والتطوير العقاري وتقنية المعلومات والاتصالات والاستشارات الإدارية والهندسة المعمارية.
وجرى التوقيع على مذكرات التفاهم خلال فعاليات المنتدى الروسي السعودي لرجال الأعمال، على هامش زيارة بوتين إلى الرياض، فيما جمع المنتدى أكثر من 300 مشارك، وضم مدراء ورؤساء كبريات الشركات من البلدين، وحضره أكبر وفد من رجال الأعمال الروس وأكثرهم تمثيلا في تاريخ العلاقات بين موسكو والرياض.
وتمت مناقشة مختلف مجالات التعاون، مثل الطاقة والاستثمار والتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي العالمي.
وجرى تنظيم المنتدى تحت إشراف صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، والهيئة السعودية العامة للاستثمار، والمركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية.
وفي حين توجهت الأنظار إلى إنتاج النفط في ظل المساعي السعودية الدؤوبة لحث المنتجين الكبار على خفض الإنتاج من أجل دفع الأسعار للصعود، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، إنه لا توجد محادثات حالية لتعديل الاتفاق العالمي لإنتاج النفط الذي تخفض بموجبه أوبك والمنتجون من خارجها الإنتاج لدعم الأسعار.
وأبلغ نوفاك الصحافيين أثناء زيارته للمملكة بأن موسكو ملتزمة بالكامل بالاتفاق، في حين قال وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان إن جنوب السودان ستعلن خلال الأيام المقبلة التزامها بتخفيض الإنتاج، وتقول الغابون أيضا إنها ستمتثل بالكامل، مضيفا أن الأسعار العادلة هي الأسعار المستقرة.
ويدعو الاتفاق بين أوبك وروسيا ومنتجين آخرين من خارج أوبك إلى خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا حتى مارس/ آذار 2020 وسط توقعات بفائض في الإمدادات العام المقبل.
ويبدو أن الاتفاق على خفض إنتاج النفط لن يكون سهلا، وفق محللين في قطاع الطاقة، حيث تبدي روسيا تحفظاً، فموسكو تحتاج إلى أسعار تراوح بين 45 و50 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها، بينما تحتاج الرياض إلى أكثر من 86 دولارا للبرميل.
ففي تقرير لإدارة البحوث في شركة الراجحي المالية السعودية، فإن موازنة المملكة للعام الجاري تحتاج أن يبلغ متوسط سعر النفط 84 دولاراً للبرميل لتحقق التوازن، بينما سجلت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت تسليم ديسمبر/ كانون الأول المقبل نحو 57.6 دولارا للبرميل، بينما دار خلال الفترة الماضية من هذا العام حول 60 دولاراً للبرميل في المتوسط.
وتوقع البنك الدولي في تقرير له مطلع العام الجاري، أن يبلغ متوسط أسعار النفط 67 دولارا للبرميل العام المقبل، 2020، متأثرا بتوقعات تراجع النمو العالمي في ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي يرجح اتساع نطاقها لتمتد إلى أوروبا أيضا.
ويساهم النفط بنحو 70 في المائة من إيرادات المالية العامة، وأكثر من 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وحوالي ما يقرب من 80 بالمائة من الصادرات.
وأضحى الوضع المالي للمملكة حرجاً، في ظل توقعات قوية بتزايد العجز المالي وارتفاع معدلات الاستدانة، خلال الأشهر المقبلة، من أجل تدبير احتياجاتها التمويلية، وذلك بعد الهجمات المتكررة على منشآت النفط، وآخرها هجوم الحوثيين في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي على منشأتين رئيسيتين في شرق المملكة، ما أدى إلى فقدان نحو نصف إنتاج النفط بواقع 5.7 ملايين برميل يومياً.
وفي تقرير لوزارة المالية اتضح أن الديون الحكومية قفزت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الخمس الأخيرة، لتصل بنهاية يونيو/ حزيران 2019 إلى 627.8 مليار ريال (167.4 مليار دولار)، مقابل 44.3 مليار ريال (11.8 مليار دولار) بنهاية عام 2014.
ووفق التقرير، فإن الدين المحلي بلغ خلال منتصف العام الجاري 344.7 مليار ريال، بينما سجل الدين الخارجي 283.1 مليار ريال (75.5 مليار دولار).
ولم يكن التراجع الحاد في أسعار النفط منذ نهاية 2014، هو السبب الوحيد في العجز المالي للمملكة ولجوئها إلى السحب بشراهة من احتياطي النقد الأجنبي والاستدانة، وإنما كانت لكلفة الحرب في اليمن المستمرة منذ 2015 وحصار قطر المفروض منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017، تداعيات أكثر إرهاقا للوضع المالي للمملكة، وفق المحللين الاقتصاديين.
ورغم التقارب الملفت بين موسكو والرياض، حليفة الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، حيث زار الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في زيارة كانت الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، إلا أن البلدين لم يشهدا صفقات ملفتة منذ ذلك الحين.
ووقعت روسيا والمملكة في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 اتفاقاً يمهد لشراء أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز إس-400، غير أن الصفقة لم تتم في نهاية المطاف، إذ اختارت المملكة شراء أنظمة صاروخية أميركية.
وبهذا الصدد كشف الكرملين أن بوتين بحث مع نظام آل سعود التعاون العسكري التقني، بما في ذلك توريد منظومات “إس-300” أو “إس-400” للمملكة جارية.
جاء ذلك في تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف نقلتها شبكة “روسيا اليوم” الإخبارية، تعليقاً على نتائج زيارة بوتين إلى المملكة.
ورداً على سؤال حول عقد صفقة “إس-300” و”إس-400″، قال إنه “تم بحث التعاون العسكري التقني”.
ولم يكشف بيسكوف أي تفاصيل حول المسألة، لكنه أضاف: “البحث جار، لكن لا شيء لذكره. هناك خطط، ونأمل في أن هذا الحوار سيستمر”.
وسبق أن عرض بوتين على المملكة، في أعقاب الهجوم على منشأتين حيويتين لشركة “أرامكو” السعودية يوم 14 سبتمبر/أيلول الماضي، شراء منظومات الصواريخ الروسية للدفاع الجوي من طراز “إس-300” أو “إس-400”.
وقال بوتين في حينه: “مستعدون لتقديم مساعدة مناسبة للسعودية، ويكفي بالنسبة إلى القيادة السياسية للسعودية أن تتخذ قراراً حكيماً على مستوى الدولة، مثلما قام بذلك وقتئذ زعماء إيران، حينما اشتروا منظومات إس-300، أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اقتنى منظومات إس-400 الحديثة”.
وسبق أن كشفت سلطات كلا البلدين، عن إجراء مفاوضات حول هذه المسألة، إلا أن موسكو ذكرت لاحقا أنها تواجه بعض الصعوبات.