لماذا يتمسك محمد بن سلمان بصفقة نيوكاسل يونايتد المشبوهة؟
أثار إصرار ولى العهد محمد بن سلمان على الاستحواذ على نادي “نيوكاسل يونايتد” البريطاني لكرة القدم في صفقة مشبوهة عبر صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، العديد من التساؤلات في ظل الانتقادات الدولية للمملكة ورفض مشرعون بريطانيون إتمام الصفقة.
وبحسب مراقبين فإن ولى العهد يسعى إلى إتمام صفقة “نيوكاسل يونايتد” كونه يبحث عن صفقة ميسورة التكلفة في هذا الوقت من الانكماش الاقتصادي في بلاده وجائحة “كورونا”.
وبحث بن سلمان إمكانية شراء نادٍ آخر مثل “مانشستر يونايتد”، لكنه وجد أن فرصة “نيوكاسيل” أكثر جدوى وأسهل في الدفع.
وقال البروفيسور “أندرو هاموند” إن صندوق الثروة السيادي قام بمحاولة اصطياد الصفقات مؤخرًا، ليشتري حصصًا في الشركات الأوروبية الكبرى عندما يكون سعر سهمها منخفضًا.
ويسعى “mps” أيضًا إلى تقوية العلاقات الاقتصادية السعودية – البريطانية في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث توجه المملكة المتحدة تحديات مالية، فيما يعزز في الوقت نفسه تجارة الأسلحة بين الجانبين.
وبشكل أكثر تحديدًا، يبدو أن هذه محاولة لتحسين صورة المملكة وتغيير العديد من التصورات الغربية السلبية حول المملكة من خلال بناء سردية مختلفة تلقي بظلال إيجابية على سمعة المملكة.
وخلال السنوات الماضية، استخدم أعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات وقطر الترويج لأنفسهم عبر المجال الرياضي. وتحاول المملكة تقليد هذه الدول ومنافستها وجذب شريحة شابة متحمسة من المجتمع السعودي.
وذكر مراقبون أن الجانب الآخر من وراء صفقة النادي هو مخاطبة قاعدة جماهير مشجعي “نيوكاسل يونايتد” التي تشعر بخيبة أمل عميقة من الإنجازات الهزيلة للمالك الحالي بصفته راعي النادي.
ويعتقد العديد من مشجعي “نيوكاسل يونايتد” أن مالكًا جديدًا وثريًا مثل “بن سلمان” سيستثمر مبالغ ضخمة في تشكيل فريق أكثر نجاحًا يمكنه التنافس مع عمالقة حاليين آخرين مثل “مانشستر سيتي” و”تشيلسي” و”ارسنال”.
وبالطبع، يتطلب ذلك تخطيطًا وخبرة احترافية والتزامًا طويل الأمد من قبل المالك الجديد.
ويتهكم مشجعو “نيوكاسل يونايتد” من الانتقادات التي وجهت إلى أخلاقيات “mps” والإساءات التي ارتكبها وأشاروا إلى وجود العديد من ملّاك أندية الدوري الممتاز الذين لديهم خلفيات مشكوك فيها ومريبة.
وذكر المعلق السياسي “توم روجان” أن هناك العديد من مالكي أندية كرة القدم في الدوري الانجليزي الممتاز الذين ترتبط مصادر قوتهم بأنظمة استبدادية.
ومن الأمثلة على ذلك: مالك تشيلسي “رومان أبراموفيتش” (وهو صديق مقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين)؛ مالك أستون فيلا “ناصف ساويرس” (نجل أنسي ساويرس، الذي استمدت ثروته بشكل أساسي من وصول العائلة إلى صفقات فاسدة مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك)؛ ومالك ساوثهامبتون “جاو جيشنغ” (الملياردير الصيني، الذي خدم سابقًا في جيش التحرير الشعبي كمسؤول بالحزب الشيوعي الصيني).
وحاول نشطاء حقوقيون أيضًا رفع الوعي من خلال الإشارة إلى الإشكاليات الأخلاقية والمعنوية فيما يتعلق بشخصية المالك الجديد وأفعاله الطائشة، مشيرين إلى الحرب الكارثية لـ”بن سلمان” في اليمن، واعتقالات “ريتز كارلتون”، وقتل “جمال خاشقجي”.
وضعت هذه المخاوف مشجعي “نيوكاسل يونايتد” في موقف دفاعي لأنهم شعروا أنهم هدف للهجوم وعليهم اتخاذ موقف أخلاقي.
وبالرغم أن بعضهم تخبط إزاء ذلك، إلا إن البعض الآخر ببساطة لا يبالون، وكرة القدم قبليّة بشكل ما، وسوف يدافع العديد من المشجعين المتعصبين عن النادي وأصحابه (على أمل زيادة الاستثمارات)، فيما يمكن أن يكون بدوره مفيدًا للصورة العامة لـ”نيوكاسل يونايتد” كنادي، ولصورة “بن سلمان” أيضًا في نهاية المطاف كقائد.
وبالنظر إلى حقيقة أن ولي العهد السعودي هو رئيس صندوق الاستثمارات العامة، فإن ملكيته المحتملة لنيوكاسل يونايتد توفر صلة قانونية بين إنشاء “beoutQ” والمالكين المحتملين لنيوكاسل يونايتد، بالرغم أن السعوديين يواصلون إنكار هذا الاتصال.
وبالتالي؛ من الواضح أن قرار منظمة التجارة العالمية سيعقد احتمالات هذا الاستحواذ.
ورغم أن الصفقة تأتي في سياق تطوير القطاع الرياضي كجزء من “رؤية 2030″، وكذلك وسيلة لتعزيز القومية بدلاً من الدين كعنصر أساسي في الهوية السعودية الجديدة، إلا أن استقرار المملكة ومستقبل “بن سلمان” يعتمدان على المشاريع الاستثمارية وتنويع الاقتصاد، والتي من المفترض أن تخلق وظائف جديدة لـ6 ملايين شاب عاطل عن العمل.
إذن؛ كيف يمكن تبرير هذا الشراء في وقت تعاني فيه الميزانية من عجز تاريخي جراء انخفاض أسعار النفط؟ فستكون الحجة أن هذا استثمار على المدى الطويل، لتشجيع التنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
ولكن إذا كان الكثير من الناس يرون أن هذه الخطوة غير ضرورية وخاصة أنها تأتي بالتزامن يتم إخبارهم أنه يجب عليهم تحمل التقشف، فقد يؤدي ذلك إلى الكثير من التذمر الذي سيتعين على ولي العهد التعامل معه.
وفي نهاية المطاف، يعد الترويج الرياضي أداة ثبت نجاحها لتحسين سمعة الدول، ومع ذلك، فإن هذا المشروع ما يزال في مراحله الأولى وستستغرق المملكة سنوات لتحقيق مكانة مماثلة للإمارات وقطر، اللتان تعرضتا لشكاوى من منظمات حقوق الإنسان فيما يتعلق بمعاملة العمال المهاجرين رغم استحواذهما على “مانشستر سيتي” و”باريس سان جيرمان”.
وبالرغم أنه كان هناك دائمًا قدر من التدقيق بعد إعلان مستثمر أجنبي رغبته في شراء نادي، إلا أن حالة “نيوكاسل يونايتد” مختلفة حقًا. فقبل أن تقوم كل من الإمارات وقطر باستحواذهما؛ رسختا سمعة إيجابية كوجهات سياحية عبر شركات طيران وطنية راقية.
ومن غير الممكن إنكار أن المملكة ستواجه تحديات أكبر بكثير من أي دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بالتغلب على بعض مشاكل سمعتها التي ساءت في الدول الغربية منذ أن بدأ “بن سلمان” صعوده إلى السلطة.