سعودية بن سلمان .. مملكة هشة دون مؤسسات مدنية فاعلة
يتعمد نظام آل سعود إقصاء مؤسسات المجتمع المدني وتغيب الأصوات المدنية والحقوقية التي تنادي بالديمقراطية والحريات العامة.
وتصاعدت أساليب بن سلمان في محاربة المجتمع المدني عبر الملاحقة والاعتقال وتوجيه مزاعم الإرهاب عدا عن تشكيل مؤسسات مدنية تحت غطاء حكومي.
ونتج عن ذلك، مملكة سعودية بقيادة الحاكم الشاب لكن دون مؤسسات حقيقية وفاعلة.
فالدولة الحضارية تتكون من ثلاث كيانات أساسية تتكامل لبناء مجتمع منتج واقتصاد قوي ودولة متميزة تراعى فيها الحقوق وتعرف الواجبات.
والكيانات هي: القطاع الحكومي، القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني أو ما يعرف بالقطاع الثالث على اعتبار أن القطاع الأول والثالث هما الحكومي والخاص
ويقصد بمؤسسات المجتمع المدني في العموم الجمعيات التي ينشئها أشخاص وتعمل لنصرة قضية مشتركة.
وهي تشمل المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية والمنظمات الخيرية والمنظمات الدينية والنقابات المهنية ومؤسسات العمل الخيري.
والميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني كافة على شدة تنوعها، هي استقلالها عن الحكومة والقطاع الخاص أقله من حيث المبدأ.
ومن هذا التعريف أو التوصيف يمكن القول إن وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة تؤدي دورا رقابيا وتسعى لتحقيق مطالب للفئات التي تمثله وهو أمر بالغ الأهمية.
فهي المعبر عن مطالب الفئات الأوسع من المجتمع ومصالحها. وإن وجود المجتمع المدني ليس أمرًا اختياريًّا فهو ينشأ في أي مجتمع؛ لأن طبيعة المجتمعات البشرية تقتضي ذلك. ولكن فاعليته وواقعه هي الأهم.
واقع مؤسسات المجتمع
فوجود مؤسسات مجتمع مدني لها دور فعال وواقعي وقانوني هو المحك الحقيقي لأي بلد.
وبقدر أهمية القطاعين الأولين ووضوح أدوارهما وحدود نفوذهما يكون القطاع الثالث محجما أو مفقودا في بلد مثل المملكة العربية السعودية.
فرغم الدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني لأي أمة إلا أنها في السعودية تكاد تكون معدومة في شقها المتعلق بالمطالب أو التكتلات فضلا عن الأحزاب والنقابات.
فكل الموجود من مؤسسات المجتمع المدني والتي تخرج من رحم التصاريح الحكومية والبيروقراطية العتيقة لا تعدو كونها جهات يشرف عليها القطاع الحكومي وتقوم بأدوار محددة تصب في صالح القطاع الأول.
وعمدت سلطات آل سعود في الآونة الأخيرة إلى تحجيم دور هذا القطاعات المدنية في محاولة حثيثة للقضاء عليه والتخلص منه.
وفي العهد الجديد للملك سلمان وابنه تم إقفال عدد من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدعوية التي تعتبر أحد أنواع منظمات المجتمع المدني وتم التضييق على أخرى فضلا عن عدد ليس بالقليل أصبح محسوبا على القطاع الأول.
وعدا عن ذلك خلق مفهوم جديد من القطاع الثالث ينادي بمطالب الحكومة ويلمع صورتها بدلا من أن يكون عنصر الاصلاح الذي يستخدمه المجتمع.
وعلى سبيل المثال في جمعية مسك الخيرية – التابعة لابن سلمان – وما يتبعها من برامج أصبحت جزءً من القطاع الأول وداعمة له، مخالفة بذلك كل أهداف مؤسسات المجتمع المدني في العالم.
لكن السؤال المهم لماذا تحارب السعودية منظمات المجتمع المدني؟ وللتاريخ فقد أجاب عن هذا السؤال المؤرخ ابن خلدون ولا تزال إجابته حاضرة صحيحة حتى اليوم
فقال: إن كل الدول المستبدة “تسعى إلى تحقيق الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع لمصلحة الطبقة أو النخبة الحاكمة. فالدولة المتسلطة باختصار تريد أن تكون كل شيء وتحتكر كل شيء.
وفي كل الدول التسلطية تتكرر ظاهرة قمع هذه المؤسسات بسبل مختلفة، منها مثلا التضييق عليها في الحصول على التراخيص، المنع من النشر، الإغلاق، الاعتقال، المنع من السفر، التجسس، الاختراق، التهديد… إلخ.
لكن مؤسسات المجتمع المدني لم توجد أصلا بصورتها الفاعلة في السعودية ولم تسمح لها السطات ابتداء أن تكون حتى نقول أنه يضيق عليها في ظل حكم تسلطي لا يريد أن يسمع إلى صدى صوته.
إذن وبكل وضوح فمحاربتها لقيام مؤسسات مجتمع مدني إنما هو امتداد لتسلطها وتعبيرا عن سطوتها واستمرار في القمع والحرب على الحريات.
وخوفها من يقظة المجتمع للمطالبة بحقوقه والتكتل للتعبير عن رأيه، فلا يمكن السماح بأي منبر يمثل الأحرار أو تكتل يجمع المطالب فضلا عن التعددية السياسية أو المشاركة المجتمعية.
ويعد أحد انعكاسات عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني في السعودية هو الوضع المزرى الذي نرى عليه مجلس الشورى فهو مجلس بلا صلاحيات
وبدل أن يكون صوت الشعب الحقيقي والمطالب بحقوقه والمدافع عن قضاياه نجده صوت الحكومة البارز ويدها الطولى إذا أرادت تنفيذ عكس رغبات الشعب وما سوى ذلك فهو لا يعدو كونه منصب فخري لا أثر لأعضائه في أي قضية
ولو وجدت مؤسسات ونقابات وتكتلات مدنية ومجتمعية لكان هناك تمثيل حقيقي للشعب وأصبح هو صوته الفعلي.
وقبل مجلس الشورى كان هناك المسرحية الهزلية لانتخابات المجالس البلدية التي لا تمثل إلا نفسها.
ويكمن الحل بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني القائمة والتوسع في بناء جمعيات ونقابات جديدة ترتكز على المطالب المشتركة دون وصاية القطاع الحكومي ورقابته.