أخبار

دلالات ومخاطر نقل 8% من أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة

نددت أوساط المعارضة السعودية بإعلان ولي العهد محمد بن سلمان مؤخرا نقل 8% من إجمالي الأسهم المصدرة لشركة “أرامكو” من ملكية الدولة إلى محافظ شركات مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، لتصبح بذلك نسبة الأسهم المملوكة للدولة بعد عملية النقل 82.186% من إجمالي أسهم الشركة.

وادعى بن سلمان أن نقل ملكية جزء من أسهم الدولة في شركة أرامكو السعودية يأتي مواصلة لمبادرات المملكة الهادفة لتعزيز الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، وتنويع موارده، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

وزعم بن سلمان أن عملية النقل تسهم في تعظيم أصول صندوق الاستثمارات العامة وزيادة عوائده الاستثمارية.

لكن عضو حزب التجمع الوطني ناصر العربي، أكد أن هذا التطور خطير على المستوى الاقتصادي والمالي محليا، ويعني أن بن سلمان كلما احتاج إلى سيولة مالية “كاش” استولى على رأسمال أحد الشركات أو القطاعات الوطنية، مثل أرامكو، سابك، ويبيع هذه الحصة للحصول على كاش عبر صندوق الاستثمار، دون أن يعرف أحد الآلية التي تم بها البيع ولا التحصيل فضلاً عن أوجه الصرف.

وقال العربي إن الإعلان يعني أيضا أن بن سلمان كلما احتاج إلى سيولة يجبر عدداً من الشركات المحلية على الاندماج في شركة واحدة مثل سامبا والأهلي، ثم يستحوذ عليها صندوق الاستثمار الخاضع لسيطرة ولي العهد.

وأضاف أنها مخاطرة اقتصادية لهذه القطاعات، وسطو على ملكيتها دون معلومات عن كيفية وأسباب الدمج، ورأي ملاك المؤسسات في هذه الخطوة.

وأوضح العربي، أن في حالة أرامكوا، وبيع قطاعات الحكومة الأساسية، فهذا نمط من أشكال عجز الدولة عن توفير سيولة مالية لتمويل الإنفاق الحكومي الضخم.

وقال إن بن سلمان ينظر إلى أرامكو كأنها كنز مالي، حاول في بداية عام ٢٠١٧ بيعها في السوق العالمية، لكن فشل المشروع.

وأرجع فشل مشروع بيع أرامكو، إلى أن المشتري والمستثمر يود معرفة دقيقة بأصول الشركة وأملاكها، ولأنها مؤسسة ضخمة وأغلب بياناتها المالية لا يتم الإفصاح عنها، حتى مؤسسة النقد لا تعلم الكثير عنها إلا فقط العائدات المالية والسندات التي تشاركها مع المؤسسات الحكومية كوزارة المالية.

ورأى العربي، أن أخطر ما في إعلان بن سلمان، أن النمط الذي يتكرر، وهو البحث عن السيولة المالية بغض النظر عن توابع هذه الخطوة، ساخرا بالقول: “اليوم جزء من أرامكو، غذا المطارات، والقطاعات الحيوية، وهذه حيلة الدولة الفاشلة التي لديها صرف عالي، لكن ليس لديها تصنع ولا انتاج ولا اقتصاد مستدام من الداخل”.

وتوقع تكرار نفس الخطوة في المستقبل، وخصوصاً فور نزول أسعار النفط، وزيادة حماس بن سلمان لإطلاق مشاريع كبرى ككأس العالم، وغيرها من الفاعليات التي تحتاج إلى تمويل عالي ومستمر.

وكانت دراسة بحثية أكدت أن سياسة محمد بن سلمان في تحويل أسهم شركة أرامكو النفطية قد يساعد على نمو صندوق الاستثمارات العامة، لكنه يضر بموازنة الحكومة السعودية ويترك ثغرة في ميزانية المملكة لعام 2024.

وأشارت الدراسة الصادرة عن “معهد دول الخليج العربية في واشنطن” إلى إعلان محمد بن سلمان في 7 آذار/مارس أنه تم تحويل 8% إضافية من أسهم شركة أرامكو السعودية إلى صندوق الاستثمارات العامة.

ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة الآن 16% من أسهم أرامكو والحكومة 82.2%، مع الاحتفاظ بالباقي علنًا بعد الطرح العام الأولي للشركة في عام 2019.

وقالت الدراسة إن هذا التحويل الأخير للأسهم ليس مفاجئاً نظراً للهدف الطموح الذي تم تحديده لتنمية أصول صندوق الاستثمارات العامة الخاضعة للإدارة.

ومع تحويل الأسهم بقيمة تبلغ حوالي 615 مليار ريال (164 مليار دولار)، فمن المرجح الآن أن تتجاوز الأصول الخاضعة للإدارة لصندوق الاستثمارات العامة 3.3 تريليون ريال (890 مليار دولار) وتقترب بسرعة من هدف 2025 البالغ 4 تريليون ريال (1.1 تريليون دولار).

وإلى جانب تعزيز الأصول الخاضعة للإدارة، فإن تحويل الأسهم له آثار مهمة على تمويل استثمارات صندوق الاستثمارات العامة وميزانية الحكومة المركزية.

وذكرت الدراسة أن الأرباح التي سيحصل عليها صندوق الاستثمارات العامة من أرامكو ستقطع شوطا طويلا في تلبية احتياجاته التمويلية في عام 2024.

وفي حين أن الحجم الدقيق لهذه الحاجة غير معروف، إلا أن محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، قال مؤخرا إن الصندوق يستثمر ما بين 40 مليار دولار إلى 50 مليار دولار (150 مليار ريال إلى 190 مليار ريال) سنويا، وتعتزم رفع هذا الاستثمار إلى 70 مليار دولار سنويا بين عامي 2025 و2030.

وبعد تحويل الأسهم، من المتوقع أن يحصل صندوق الاستثمارات العامة على حوالي 70 مليار ريال (19 مليار دولار) من أرباح أرامكو في عام 2024 (على افتراض احتفاظ الشركة بأرباحها عند مستوى الربعين الثالث والرابع من عام 2023).

بالإضافة إلى ذلك، سيستمر صندوق الاستثمارات العامة في تلقي توزيعات الأرباح من أسهمه الأخرى.

ويمكن أن يصل إجمالي هذه السندات إلى حوالي 19 مليار ريال (5 مليارات دولار) في عام 2024. كما أصدر صندوق الاستثمارات العامة أيضًا سندات وصكوك دولية بقيمة 26 مليار ريال (7 مليارات دولار) حتى الآن هذا العام.

ويشير هذا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة سيحتاج إلى تمويل إضافي يتراوح بين 35 مليار ريال إلى 75 مليار ريال (من 9 مليارات إلى 20 مليار دولار) هذا العام.

ويمكن أن يأتي ذلك من خمسة مصادر: المزيد من تحويلات الأصول من الحكومة؛ إصدار ديون إضافية؛ والانهيار المستمر للأصول في صندوق خزانة صندوق الاستثمارات العامة، والذي بلغ 82 مليار ريال (22 مليار دولار) في نهاية سبتمبر 2023؛ وبيع عام آخر لأسهم أرامكو؛ وبيع استثمارات صندوق الاستثمارات العامة الأخرى لتحرير رأس المال للاستثمار في مشاريع جديدة.

وقالت الدراسة إن تحويل أسهم أرامكو من الحكومة إلى صندوق الاستثمارات العامة هو لعبة محصلتها صفر – فما يكسبه صندوق الاستثمارات العامة تخسره ميزانية الحكومة المركزية.

وبالتالي، سيكون هناك فجوة قدرها 35 مليار ريال (الأرباح الإضافية على تحويل 8٪) في موازنة الحكومة المركزية لعام 2024 ما لم يتم أخذ هذه الصفقة في الاعتبار في أرقام الميزانية المنشورة أصلاً، وهو ما يبدو غير مرجح.

وتوقع بيان الميزانية المنشور في ديسمبر 2023 عجزا ماليا قدره 79 مليار ريال في 2024، أو 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع.

وإذا لم يتغير أي شيء آخر، فإن خسارة الأرباح الناجمة عن التحويل من شأنها أن تؤدي إلى زيادة حجم العجز المالي للحكومة. وهناك أيضًا ضغوط أخرى على عائدات النفط السعودي هذا العام.

ومع إعلان تحالف أوبك+ مؤخرًا عن تمديد تخفيضات الإنتاج حتى نهاية الربع الثاني، فإن الضرائب التي تحصل عليها الميزانية من أرامكو قد تكون أيضًا أقل مما هو مدرج في الميزانية، على الرغم من أنه لا يمكن قول ذلك على وجه اليقين نظرًا لتوقعات إيرادات النفط التي تكمن وراء التخفيضات. لا يتم نشر الموازنة من قبل وزارة المالية.

ومع انخفاض الإيرادات من توزيعات أرباح أرامكو، ستحتاج الحكومة إما إلى تمويل عجز أعلى أو تقليل حجم العجز من خلال اتخاذ تدابير لتعزيز الإيرادات الأخرى أو خفض الإنفاق.

وأكدت الدراسة أنه لا ينبغي أن يكون حدوث عجز مالي أكبر على المدى القصير مشكلة نظرًا لانخفاض مستوى الدين للحكومة السعودية، بل وأكثر من ذلك إذا بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تخفيف سياسته النقدية في وقت لاحق من هذا العام وانخفضت تكاليف الاقتراض.

إذا قررت الحكومة الالتزام بهدف العجز الذي حددته في موازنة 2024، فمن المرجح أن تضطر إلى خفض الإنفاق، وخاصة الإنفاق الرأسمالي.

ويبدو أن التدابير الرامية إلى زيادة الإيرادات غير النفطية غير محتملة في هذه المرحلة، على الرغم من أن زيادة أخرى في توزيعات أرباح أرامكو أمر محتمل نظرا لصافي دخلها المرتفع الذي لا يزال مرتفعا وممتلكاتها النقدية والأصول السائلة الكبيرة.

ومن شأن توزيعات الأرباح الأعلى أن تساعد صندوق الاستثمارات العامة والحكومة وتزيد من جاذبية الأسهم للمستثمرين قبل البيع العام المحتمل.

وإن نقل أسهم أرامكو والأرباح الإضافية التي يجلبها يعني أنه سيكون هناك تمويل أكثر من كافٍ للأنشطة المخططة لصندوق الاستثمارات العامة هذا العام.

وفي حين أن تحويل حقوق الملكية قد يؤدي إلى عجز مالي حكومي أعلى من المتوقع في الميزانية، فمن غير المرجح أن يسبب هذا أي مشاكل على المدى القصير نظرا لانخفاض مستوى الدين الحكومي.

ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى حجم متزايد من التمويل لتحقيق هدف صندوق الاستثمارات العامة المتمثل في زيادة استثماراته السنوية على المدى المتوسط.

وقد تصبح موازنة الاحتياجات التمويلية لصندوق الاستثمار العام والحكومة المركزية وأجزاء أخرى من القطاع العام تحديًا متزايدًا ما لم تكن هناك زيادة في عائدات النفط وقد تتطلب قبول درجة أعلى من المخاطر الاقتصادية والمالية عما كان عليه الحال في العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى