آل سعود يعادون قبائل المملكة وينظرون لهم كعبء
يعادي آل سعود قبائل المملكة وينظرون إليهم على أنهم عبئا لذلك يعمدون إلى تهميشهم وعدم منحهم المواطنة وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
ويلعب إعلام آل سعود منذ سنوات دورا مشبوها في التحريض على قبائل المملكة ووصفها بأنها عبئاً وهي من تعرقل عملية تقدّم المجتمع.
ويزعم إعلام آل سعود أن العمل بالأعراف العشائرية يعطّل العمل بالقانون ويربك آلية عمل مؤسسات الدولة، رغم أن الأعراف العشائرية بمثابة قوانين تعبّر عن القيم العربية الأصيلة ويجب المحافظة عليها.
جاءت هذه الأفكار المتعارضة في مقالين لكاتبين سعوديين هما “سلوم القبايل آفة” لعبده خال في صحيفة “عكاظ” الذي ينتقد فيه الأعراف القبلية ويصفها بأنها “أخطر قضية تمسّ الكيان الاجتماعي”، ويقول: “عندما يكون العرف أعلى صوتاً من السلطة يكون ضرره فادحاً”.
فيما يدافع صالح الشيحي في مقاله “سلوم القبايل” في صحيفة “الوطن” عن هذه الأعراف ويقول إنّها لم تقيّد المجتمع ويؤكّد: “حتى مع إشراقة نور الإسلام لم يقم نبينا – عليه الصلاة والسلام – بطمس عادات قبائل العرب، أو السخرية منها، بل قال ‘إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق’”. ولا يعتبر هذا النقاش بين الكتاب السعوديين جديداً، إذ لطالما اختلفوا حول موضوع أهمية القبائل ودورها.
وكانت مناسبة هذين المقالين اللذين نُشرا في نوفمبر الماضي، صدور قرار رسمي من أمير منطقة مكة المكرمة، خالد الفيصل، بـ”منع التحاكم بالمعاديل والأعراف القديمة بين شيوخ القبائل والمعروفين في المنطقة، في حلّ ما يقع بينهم من خلافات ونزاعات، والعودة للاحتكام للشرع والنظام”.
وبعد أيام قليلة من هذا القرار، نُسب تصريح تداوله مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي لوكيل وزارة الداخلية للأحوال المدنية، ناصر العبدالوهاب، عن وجود إجراءات مشدّدة على أبناء قبيلتين عند مراجعة فروع الأحوال المدنية، نفته وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية لاحقاً، وأكّدت أن كل تلك التصريحات المنسوبة إلى وكيلها عارية عن الصحة، وقالت: “نؤكد أنّ الأستاذ ناصر العبدالوهاب وجميع منسوبي الأحوال المدنية كافة يكنون كل الاحترام والتقدير لجميع القبائل وكل مكونات المجتمع”.
وفي وقتٍ لاحق من الشهر نفسه، حظرت وزارة الداخلية السعودية نشر أسماء قبائل المُدانين في قضايا أخلاقية.
فمن حكم عليه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، ينشر اسمه ولكن لا تنشر اسم عائلته أو اسم القبيلة التي ينتمي إليها.
وهذا ما يؤكّد أهمّية القبائل في المجتمع السعودي، فهي لا تزال تعتبر هوية واضحة للأشخاص، يمكن التعرّف إليهم وعلى عاداتهم وأخلاقهم من خلالها، وتمّ إصدار هذا القرار حفاظاً على سمعة القبائل وتفادياً لأي مشكلات ذات ردود فعل كارثية.
وفي العودة إلى العام 2003، أجرت صحيفة “الحياة” مقابلة مع سعيد الحداوي الغامدي، أبرز أعيان قبيلة غامد، إحدى أكبر القبائل السعودية، وشيخ قبيلة بني حدة والناطق شبه الرسمي باسمها، عقب تورّط عدد من شبان القبيلة في اعتداءات 11 أيلول في الولايات المتحدة، وكانت غالبية الأسماء التي وردت في “قائمة الـ19” الإرهابية التي أعلنتها السعودية في مايو 2003، تنتمي إلى هذه القبيلة، وقد شارك الكثير من الأفراد المنتمين لها في مجموعة من الاعتداءات الإرهابية داخل المملكة.
وأكّد الحداوي الغامدي في المقابلة أنّ الفراغ والبطالة ساعدا في نشوء فكر التطرف لدى بعض شبان القبيلة.
يعتبر النقاش حول وجود القبائل في السعودية جدلياً، لا يمكن التوصل من خلاله إلى نتيجة أو حلّ جذري، وسيكون الحديث عن هذه القبائل أصعب بكثير في السنوات المقبلة، مع “رؤية السعودية 2030” التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان آل سعود، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية للبلاد، في مايو الماضي، والتي تعتبر رؤية اقتصادية تنموية بامتياز، ستغيّر طريقة عمل المملكة وأهدافها المستقبلية.
وقد نشط على موقع تويتر في السعودية هاشتاغ #قبيلة_قلبك_يحبها، المؤيد للقبائل، وحاز أكثر من 82 ألف تغريدة.
ولا تزال القبائل في السعودية من مكوّنات المجتمع التي يتعذر تجاهلها، ويمكن لمتابعي الشأن السعودي ملاحظة محاولات المملكة الدائمة لمراعاتها.
في المملكة، حوالى 72 قبيلة أبرزها عتيبة، قحطان، عنزة، حرب، زهران، الدواسر، مطير، شمر، وكنانة. ولا ينحصر وجود هذه القبائل في السعودية فحسب، بل تتوزّع على دول عربية عدّة أخرى.
واختار الكثير من المشاركين في الهاشتاغ قبيلتهم أو قبائلهم المفضلة، وكان لعدد كبير منهم وجهات نظر مختلفة، أبرزها أنّ في كلّ قبيلة من القبائل أشخاصاً جيدين وآخرين سيئين.
الفاصلة بين القبائل السعودية والعائلة المالكة لم تكن أبعد منها اليوم من أي وقت مضى، والفاصلة الذهنية والإجتماعية كبيرة للغاية، كما أن العلاقة اتخذت شكلاً يمكن وصفه بأنه (استعلائي) منذ زمن بعيد، أو من زاوية معاكسة اتخذت صفة (استجدائية) من جهة القبائل نفسها.
بمعنى أن الرابطة تقلّصت جداً وانحصرت بموضوع العطايا والشرهات وما أشبه، وحتى هذه الرابطة التي كانت تؤمن شيئاً من الهدوء بين رجال القبائل ضمرت وربما يكون لها في المستقبل آثار كارثية على العائلة المالكة.
وأقيم النظام القبلي في السعودية كما هو معروف بحد السيف، بحيث تم تطهير كافة جيوب المعارضة لحكم آل سعود المتحالفين مع الوهابية الدينية منذ عام 1744 عندما أقسم المحمدان (بن سعود وبن عبد الوهاب) أن يعملا معا لإقامة دولة مبنية على الشريعة والمبادئ الإسلامية. أعطيت الدولة الجديدة اسم القبيلة التي أنشأتها وقامت فيها العلاقات الداخلية ليس على أساس المواطنة والولاء للدولة، بل الطاعة والانصياع لشيخ القبيلة، الذي يملك كل القرارات الصغيرة منهاوالكبيرة.
وصيغت العلاقة مع بقية القبائل المكونة للبلاد على أساس الولاء (خاصة عن طريق المصاهرة) مقابل بعض الامتيازات لشيوخ القبائل، بما في ذلك بعض الوزارات الهامشية. الشعب هم رعايا يرتبطون بشيخ القبيلة على أساس تقديم العطايا والمنح والهبات، فهو صاحب البلاد والعباد والمال. كما يتصرف على أساس أبوي، فهو الوالد الذي يتوقع من أولاده الطاعة المطلقة، ويتم تأديب كل من يخرج على الطاعة.
“الحكومة تريد وئاماً، هدوءاً، سلاماً اجتماعياً, وهي تعرف أن هناك تحت السطح غلياناً من التعصب الديني والعصبية القبلية ومشاعر مريرة لا تجد لها متنفساً في الحاضر المحروس بعيون ساهرة”.. أما طريقة الحكومة في تفادي المشاكل فهي السماح لمن تأمنهم بنشر بعض التراث القبلي الحسّاس خارج المملكة وليس داخلها، ولربما حاولت في بعض الأحيان بإثارة نزعات قبليّة لأهداف سياسية.