لماذا يحرض الإعلام السعودي على التجربة الديمقراطية في الكويت؟
تشكل التجربة الديمقراطية في الكويت المتمثلة بانتخابات مجلس الأمة، كابوسا يقض مضاجع الإعلام السعودي بأذرعه المختلفة الذي يعمد على ممارسة التحريض المكشوف ضدها.
وقد تنوعت حملة الإعلام السعودية على انتخابات الكويت التي جرت مؤخرا، بين همز ولمز وطعن واستهزاء، وبين محاولة تشويه وتزييف للحقائق، وانتقاص من المرشحين وبرامجهم.
ويبرز مراقبون أنه كان يمكن للمملكة أن تكون رائدة أول تجربة انتخابية، بعدما أعلنت إذاعة مكة عام 1960 عن موافقة مجلس الوزراء بتشكيل أول “مجلس شورى منتخب” وذلك قبل عامين من انطلاق أول انتخابات في الكويت عام 1962.
ولكنّ الفكرة وُئدَت في مهدها، لتبقى الكويت هي الاستثناء الخليجي الوحيد، فيما تبقى السعودية أقل الدولة الخليجية من ناحية التعددية السياسية والممارسة الانتخابية.
ولمعرفة أسباب خوف الإعلام السعودي من انتخابات الكويت، يتوجب إجراء مقارنة سريعة بين مجلس الأمة الكويتي ومجلس الشورى السعودي
– الأول منتخب يمثل الشعب والثاني معين يمثل الحكومة
– الأول تشريعي رقابي والثاني شكلي يقدّم توصيات
– الأول بصلاحيات واسعة (لحد استجواب الوزراء) والثاني منزوع الصلاحيات.
ويعد مجلس الأمة الكويتي واحدًا من أنشط البرلمانات في العالم العربي، إذ يتمتع بسلطات تشريعية واسعة كإقرار القوانين، واستجواب رئيس الحكومة أو وزراءه وحجب الثقة عن أي مسؤول رفيع المستوى!
وهذه الصلاحيات الواسعة جعلته يدخل في صراعات مع الحكومة أو الأسرة الحاكمة أدّت لحله عدة مرات.
ومرجعية مجلس الأمة الشعبية جعلته يصطف مع الشعب ويطالب بحقوقه كزيادة الرواتب والتقاعد وزيادة بدل الإيجار ومكافآت الطلبة الشهرية وغيرها.
ويُحسب للمجلس وقوفه مع المواطن ضد الحكومة في أمور عدة أهمها ضريبة القيمة المضافة المُصادق عليها من مجلس التعاون الخليجي وغير المطبقة في الكويت.
على الرغم من الخلافات الكثيرة التي شابت العلاقة بين المجلس والحكومة في فترات متباينة، إلا أنه لم يطالب يومًا بتغيير نظام الحكم والدعوة للخروج على الأسرة الحاكمة وإنما كان دوره رقابيًا ضد الفساد تشريعيًا لصالح المواطن.
ويُمكن عزو الخوف السعودي من مجلس الأمة لسببين:
الأول: طبيعة المجلس وصلاحياته
الثاني: توجّهاته الحالية
فيما يخصّ طبيعة المجلس، حاول الإعلام السعودي تشويه المجلس والتقليل من دوره عبر عقود، بل اتهمت العربية المجلس بأنه وراء هدر المليارات وتعطيل العديد من المشاريع الاستثمارية.
وهذه الاتهامات أثارت حفيظة الكويتيين ومعهم عدد من النواب للدفاع عن مجلسهم الذي يمثل صوتهم ومطالبهم وآمالهم.
ردود النواب أكّدت دور المجلس، ما بين استجواب رئيس الحكومة بسبب فساده، ودور الشعب في اتخاذ القرار.
فيما أكّد نائب آخر أن إعلامنا يعجز عن نقد أي حدث في المملكة ولو همسًا.
الرد الأبرز كان للنائب السابق فيصل اليحيى الذي قال إن كان النظام الفردي في بعض الدول قد حقق بعض التقدم والتنمية.
وأضاف أن المواطن أصبح لا يمتلك حتى حرية الصمت، في إشارة واضحة للمملكة في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد.
وقد عجز الإعلام الحكومي السعودي عن مقارعة التجربة الكويتية فلجأ للاستهزاء ولتتبّع عثراتها حينًا آخر.
ولم يخل الغمز من حماقات وسذاجة كما فعل يوسف أبا الخيل الكاتب بجريدة الوطن الذي قسّم بنفسه نتائج انتخابات مجلس الأمة تقسيمات عرقية وقبلية ومذهبية ثم لام الكويتيين على عنصريتهم التي ابتدعها!
السبب الثاني لتكثيف سهام الطعن ضد المجلس هو توجهاته الحالية، إذا شهدت الانتخابات الأخيرة تغيرات كثيرة على مستوى التعديلات الانتخابية التي قللت التزوير وشراء الأصوات، وكذلك على مستوى التوجهات والتي شهدت مشاركة معظم المعارضة والتي حازت 60% من المقاعد لتتغيّر تركيبة المجلس 54%.
وتغيير تركيبة المجلس أرعبت النظام السعودي وإعلامه الذي يسير بالمملكة للتغريب والانفتاح، إذ قال شعب الكويت كلمته بوضوح وأكد انتماءه العربي والإسلامي فحقّق الإسلاميّون وحلفائهم 10 من أصل 50، فيما مُني التيار الليبرالي بخسارة وكذلك تراجع عدد نواب القبائل في دلالة على وعي الناخب.
ما يؤكد استهداف التيار الإسلامي أن الإندبندنت عربية لم تجد سوى مرشّح مغمور لتحاوره بسبب برنامجه الذي يدعو للزواج المدني والمساواة بين الرجل والمرأة والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وحقوق 200 بهائي في الكويت، وتسمية الإخوان بالتنظيم المتطرف، ولكنّه حصل على 129 صوتًا فقط.
الأمر الآخر الذي أرعب وسائل الإعلام السعودية هو إطلاق ما عٌرف بـ “وثيقة القيم”.
ورغم أن الوثيقة تدعو للعودة لقيم الإسلام وأخلاق العرب كمنع الحفلات الهابطة والمسابح المختلطة والتشبّه بالجنس الآخر إلا أنها ادّعت أنها أثارت ضجة واسعة وتبنّت موقف وزير الإعلام السابق الذي وصفها بـ “الداعــشية”، علما أن وثيقة القيم” التي هاجمها الإعلام السعودي هاجمها الإعلام الإسرائيلي كذلك.
ولكن شعب الكويت قال كلمته وفاز 17 مرشحًا ممن وقّع على الوثيقة بعضوية المجلس.
كما فاز جميع “نواب المنصة”، وهم النواب الذين صعدوا لمنصة المجلس عام 2021 رافضين تمرير الحكومة استجوابات الفساد وعدم التحقيق فيها.
وفيما لا تخلو التجربة الكويتية من أخطاء وسلبيات ولكن الشواهد أكّدت دور المجلس في استحصال حقوق شعب الكويت ومقارعة فساد الحكومة وكذلك تطوّر مسارها وتزايد وعي ناخبيها.
وبحسب مراقبين يعلم محمد بن سلمان (كغيره من المستبدين) أن هبوب رياح الانتخابات سيبدأ باقتلاع جذور الطغاة والمستبدين وأن الشعب متى نال حقّه في اختيار ممثليه منع سرقة الثروات ونهب موارد البلاد.
فضلًا أن انتخابات الكويت أكدت هوية المجتمع العربية والإسلامية، التي يحاول بن سلمان سلخها في المملكة، فيما يبقي أن من يعيش في ظل الاستبداد، لا يحق له أن ينتقد الديمقراطية.