تصعيد غير اعتيادي في القمع المتواصل لحرية التعبير في السعودية
يشكل حكم الإعدام الصادر في السعودية ضد المدرس المتقاعد محمد الغامدي لمجرد نشاطه السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي تصعيدًا جديدًا غير اعتيادي في القمع المتواصل لحرية التعبير في المملكة، سواء على شبكة الإنترنت أو على أرض الواقع.
وقالت 16 منظمة حقوقية في بيان مشترك تلقى “سعودي ليكس” نسخة منه، إن الحكم بإعدام الغامدي جاء بعد سلسلة من الأحكام بالسجن لعقود بحق نشطاء سلميين على الإنترنت خلال السنة الماضية.
ووجهت المنظمات نداءً عاجلًا إلى السلطات السعودية لإلغاء الحكم الصادر ضد الغامدي وإنهاء هجومها الشرس على حرية التعبير، والإفراج عن كل المحتجزين على خلفية ممارسة حرياتهم الأساسية.
وطالبت منصة إكس للتواصل الاجتماعي، المعروفة سابقا باسم تويتر، بتعزيز مسؤولياتها اتجاه حقوق الإنسان وضمان سلامة مستخدميها من رقابة الدولة ومراقبتها.
وفي 10 يوليو 2023، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية حكما بالإعدام على محمد الغامدي، وهو شقيق المعارض السعودي البارز سعيد الغامدي، لمجرد نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشملت التهم المنسوبة إليه بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله القمعي في المملكة “وصف الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة” و”نشر أخبار كاذبة بقصد تنفيذ جريمة إرهابية”.
وأشارت الأدلة الوحيدة الموجهة ضده إلى تعليقات على متابعيه القلائل على تويتر (المسماة حاليا إكس) ويوتيوب.
ومع أن الإنترنت كان يُنظر إليه في السابق على نطاق واسع بكونه فضاءً يمكن فيه للناس في السعودية أن يتبادلوا بأمان الآراء التي لم يجرؤوا قط على التعبير عنها في العالم الواقعي.
إلا أنه أصبح من الواضح مع مرور السنوات أن السلطات السعودية لن تتسامح مع حرية التعبير على الإنترنت.
وجرت مقاضاة العديد من النشطاء بموجب قوانين الجرائم المعلوماتية ومكافحة الإرهاب القمعية على خلفية نشر تغريدات منتقدة للسلطات السعودية.
ونتيجةً لذلك، يلجأ عدد متزايد من السعوديين سواء إلى الرقابة الذاتية أو التغريد دون الإفصاح عن هويتهم باستخدام أسماء مستعارة، ولكن تشير الأدلة إلى أنهم قد لا يكونون آمنين حتى في تلك الحالة.
وفي نوفمبر 2019، وُجهت في الولايات المتحدة لموظفَين سابقَين لدى تويتر تهمةُ التجسس لصالح السلطات السعودية بوصولهما إلى البيانات الخاصة بمعارضين سعوديين باستخدام المنصة.
ويُعتقد أن هذا الانتهاك أفضى إلى اعتقال الناشط في المجال الإنساني عبد الرحمان السدحان وغيره.
ويقضي حاليا السدحان عقوبته الحبسية المحددة في 20 عامًا بعد اتهامه بإدارة حساب ساخر على تويتر.
ورفعت شقيقته، أريج السدحان، دعوى مدنية أمريكية ضد تويتر، واتهمت المنصة بأنها أصبحت “أداة للقمع العابر للحدود”.
وبعد استحواذ إيلون ماسك على المنصة، أصبحت على نحو متزايد فضاءً غير آمن للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن تويتر الخاصة بها، امتثلت الشركة لمعظم طلبات الحكومات المتعلقة بالرقابة أو المراقبة.
وتعد السعودية من أكثر مستخدمي عقوبة الإعدام بكثرة في العالم، في ظل إعدام 196 شخصا العام الماضي، وهو أعلى معدل سنوي يسجَّل في تاريخ السعودية الحديث، وإعدام 105 أشخاص على الأقل حتى الآن في عام 2023.
وتستخدم السلطات أحيانا نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الفضفاض في صياغته لإدانة المعارضين السياسيين والمنشقين والحكم عليهم بالإعدام، بعد إجراء محاكمات جائرة للغاية تُقبل فيها الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل في المحكمة.
وفي العام الماضي، حُكم أيضا على خمسة نشطاء من أبناء قبيلة الحويطات بالإعدام على إثر مقاومتهم الإخلاء القسري من منازلهم لإفساح الطريق أمام مشروع مدينة نيوم العملاقة المستقبلية.
وتعد قضية الغامدي أول حكم بالإعدام معروف يصدر في السعودية لمجرد النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس شن حملة قمعية مكثفة في الآونة الأخيرة على حرية التعبير على شبكة الإنترنت.
وأدانت المحاكم السعودية في الشهور الأخيرة العديد من الأفراد وأصدرت ضدهم أحكاما بالسجن لمدد طويلة على خلفية نشاطهم السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما عبد الله جيلان (10 سنوات)، وسلمى الشهاب (27 عامًا)، وفاطمة الشواربي (30 عامًا)، وسكينة العيثان (40 عامًا)، ونورة القحطاني (45 عامًا).
وتأكيدًا لتصميم السلطات على قمع حرية التعبير على شبكة الإنترنت، بثت هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية المملوكة للدولة مؤخرا مقابلة مع رجل مسجون بسبب تغريدة على تويتر “لم يكن يتوقع” أن تقوده إلى السجن، لتنقل بكل جرأة رسالة مفزعة مفادها أن لا أحد آمن على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية.
ونظرا إلى أن السلطات السعودية تملك سجلا حافلا في استخدام منصة إكس كأداةٍ للمراقبة ووسيلةٍ لقمع حرية التعبير، ينبغي أن يتخذ مالك المنصة الجديد إيلون ماسك، الذي يدعي أنه مؤيّدٌ قويٌّ لحرية التعبير غير المقيَّدة، كلَّ التدابير الممكنة لحماية مستخدمي المنصة عن طريق تعزيز الخصوصية وتدابير الأمان على المنصة، فضلا عن الامتناع عن تسليم معلومات المستخدمين الشخصية إلى السلطات السعودية.
وتخاطر حجج ماسك المتكررة الرافضة لإخفاء الهوية على المنصة بوضع المعارضين تحت رحمة الدول القمعية في جميع أنحاء العالم.
وعليه، دعت المنظمات منصة إكس إلى الوفاء بمسؤولياتها المؤسسية، بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية، والتخفيف من أي آثار سلبية ضارة بحقوق الإنسان متصلة بخدمات المنصة ومنتجاتها، بما في ذلك حماية سلامة المستخدمين وأرواحهم أيضا، والحق في عدم الكشف عن هويتهم.
وعلقت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط لينا الهذلول قائلة: “لا يمكن أن تشكل تغريدة الغامدي تهديدا محتملا على الملك أو ولي العهد، ناهيك عن الدين الإسلامي”.
وتابعت “تُظهر قضية الغامدي بصورة أكثر وضوحا من ذي قبل لماذا يضطر النشطاء السلميون السعوديون إلى ممارسة الرقابة الذاتية، خوفًا من التعرض لأحكام جائرة بالسجن لسنوات أو حتى الإعدام حاليا”.
وعلقت مروة فطافطة، التي تدير عمل منظمة أكسس ناو في مجال الحقوق الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلة: “لم يكن لحسابات محمد الغامدي المجهولة أكثر من 10 متابعين”.
وقالت “يشكل إزهاق روح شخص ما بسبب التعبير السلمي عن الرأي على شبكة الإنترنت مستوى جديدا يتسم بالفحش ويثير الرعب من مستويات قمع الدولة وأعمالها الانتقامية في السعودية”.
وتابعت “صارت تويتر، المسماة حاليا إكس، على نحو متزايد فضاءً غير آمن للنشطاء والمعارضين، ومع ذلك لايزال الكثيرون يعتمدون عليها”.
وأكدت أنه يجب أن يفهم إيلون ماسك، الذي يزعم أنه مدافعٌ عن حرية التعبير، التداعيات المحتملة لقراراته وسياساته على حياة الناس، ويتخذ خطوات عاجلة لضمان خصوصية الناس وسلامتهم على المنصة.