السعودية تفرض معين عبدالملك لحكومة “الأصدقاء – الأعداء” في اليمن
نجحت السعودية في فرض معين عبدالملك، كرئيس توافقي للحكومة في اليمن التي ستجمع “الشرعية” المعترف بها دولياً، مع “المجلس الانتقالي” المدعوم إماراتياً بعد عام من الصراع بين الطرفين، وسلسلة تمردات في عدن وسقطرى.
ووفقاً لمراقبين، فإنّ السعودية تطمح لتجهيز عبدالملك لما هو أكبر من رئاسة الحكومة، وذلك من خلال الترتيب لزيارة غير مسبوقة، خلال الأيام الماضية، إلى مصر، فضلاً عن دفعه للعب أدوار أكبر، من قبيل الاطمئنان على صحة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وأصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فجر اليوم الأربعاء، قراراً جمهورياً، قضى بتكليف الدكتور معين عبدالملك سعيد، بتشكيل الحكومة الجديدة التي ستتألف من 24 حقيبة، مع استمرار الحكومة الحالية لتصريف الأعمال.
وسيتم تقاسم الحكومة المرتقبة بالمناصفة بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وذلك بناءً على صيغة توافقية رعتها السعودية ضمن ملحق جديد لاتفاق الرياض المتعثر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأكدت مصادر حكومية أنّ عبدالملك سيعكف خلال الأيام المقبلة على التشاور مع أطراف اتفاق الرياض الجديد، طيلة شهر كامل، لحسم الشخصيات التي ستتقلد الحقائب، بعد الاتفاق على توزيع الحصص، طيلة الأسابيع الماضية.
ولن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة، إلا بعد انسحاب القوات الانفصالية من عدن والقوات الحكومية من أبين، وفقاً للآلية التنفيذية الجديدة التي قدمتها السعودية، وقوبلت بترحيب من الشرعية و”الانتقالي الجنوبي”.
وذكرت المصادر أن “المجلس الانتقالي الجنوبي” سيحظى بـ 5 حقائب فقط من قوام 12 وزارة خاصة بالمحافظات الجنوبية، فيما ستؤول باقي الحقائب لمكونات حضرموت والمهرة وسقطرى وحقيبة، فضلاً عن الوزارات السيادية التي احتفظ بها الرئيس هادي لنفسه.
وكان موضوع تسمية رئيس حكومة، من أكثر التعقيدات التي لفّت مشاورات الرياض، منذ أواخر مايو/ أيار الماضي، نظراً للهوة الواسعة بين الشرعية والانفصاليين، فضلاً عن الشرخ الاجتماعي الحاصل في مسألة الحساسيات بين الشمال والجنوب.
وفضلاً عن الدعم السعودي الكبير، والرضا الإماراتي على شخص معين عبدالملك، استطاع رئيس الحكومة الحالية والمرتقبة، الحفاظ على نوع من التوازن بين جميع الأطراف خلال الأزمة الحادة التي شهدت طرد الانفصاليين للشرعية من عدن.
وتحاشى عبدالملك الظهور بمواقف رسمية حادة ضد الانفصاليين أو داعميهم، خلافاً لوزير الخارجية محمد الحضرمي، كما أنه يرتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من القيادات الانفصالية، وفقاً لمصادر مطلعة.
وفي مسعى منه لكسب الشارع الجنوبي، بعث عبدالملك، مساء الثلاثاء، برقية تعزية لعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي عبدالناصر الوالي، بوفاة شقيقه الدكتور أحمد سالم الوالي، وفقاً لوكالة “سبأ” الخاضعة للشرعية.
وعلى الرغم من بيانات سابقة للانفصاليين وصفت حكومة عبدالملك الحالية بـ”حكومة الفساد”، إلا أن “المجلس الانتقالي الجنوبي” استبق القرار، الاثنين، وأعلنت كلّ تشكيلاته العسكرية، تأييدها المطلق لأي اتفاق يتم توقيعه من قبل وفدهم المتواجد في الرياض، من دون شروط أو قيود، على الرغم من أن الاتفاق لا يلبي سقف طموحاتهم التي كانت قد بدأت تكبر بـ”الإدارة الذاتية”، قبل أن يتم التخلّي عنها ببيان رسمي، فجر اليوم الأربعاء.
ولا يمتلك معين عبدالملك، الذي يقترب من منتصف العقد الرابع، سجلاً سياسياً حافلاً، فقبل تعيينه السابق لرئاسة الحكومة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كان المتخصص بالهندسة المعمارية وزيراً ونائباً لوزارة الأشغال العامة والطرق، فقط، فضلاً عن تقلده لرئاسة العديد من اللجان في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد خلال العام 2013.
ويقف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وراء دعم المملكة الواسع لعبدالملك، حيث عمل الأخير نائباً لرئيس البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن عقب الحرب، والذي يرأسه السفير آل جابر، ومن خلال ذلك البرنامج، تمكن أيضاً من توطيد علاقاته مع القيادات الإماراتية العسكرية التي تعاقبت في عدن.
وتعقدت علاقة عبدالملك مع مؤسسة الرئاسة اليمنية، حيث كانت النسخة الأولى من اتفاق الرياض، قد شهدت تغييراً من الرئيس هادي، لأحد البنود التي تنص على تشكيل حكومة شراكة جديدة برئاسته.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإنّ نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد صالح العيسي، وجلال عبدربه منصور هادي، نجل الرئيس، كانا يدفعان بقوة للإطاحة به، وانضم إليهما في ذلك، وزيرا الداخلية أحمد الميسري، والنقل صالح الجبواني.
وانعكس ذلك التوتر، شرخاً داخل حكومة عبدالملك، حيث أعلن صالح الجبواني ونبيل الفقيه استقالتهما من وزارتي النقل والخدمة المدنية والتأمينات، واتهما رئيس مجلس الوزراء بالعمل ضد الشرعية.
كما قوبل الفرض السعودي لشخص معين عبدالملك رئيساً للحكومة الجديدة، بامتعاض من نائب رئيس البرلمان والمستشار الرئاسي، عبدالعزيز جباري، الذي غادر الرياض منتصف يوليو/تموز الجاري إلى مأرب، كنوع من الاحتجاج. وكان جباري، يفضّل أن تؤول الحكومة لشخصية وطنية من إقليم حضرموت، يتم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة، من دون الإفصاح عن هويتها.
وكتب جباري، على “تويتر”، مطلع يوليو/ تموز الحالي: “فرض شخصية من قبل جهة غير يمنية يعني أن الشرعية بكل مكوناتها أصبحت لا حول لها ولا قوة، وعلى الشعب اليمني أن يدرك هذه الحقيقة”، في إشارة إلى الضغوط السعودية لفرض عبدالملك.
وخلافاً لتوليفة من الفرقاء الذين قد يتربصون ببعض، تواجه حكومة عبدالملك جملة من العراقيل، أبرزها الانهيار الاقتصادي المتردي خلافاً لفترته السابقة، حيث وصل الريال اليمني أمام الدولار الأميركي الواحد خلال الأيام الماضية إلى 750، فضلاً عن استمرار التوتر بالمحافظات الجنوبية، في ظل انفتاح شهية الانفصاليين للسلطة وخصوصاً بعد استحواذهم على موارد الدولة منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي.
ويبدو أنّ المحاصصة التي حصلت في تقاسم حقائب المحافظات الجنوبية، قد فتحت شهية مكونات أخرى تطمح للشراكة بالحكومة المرتقبة، حيث دعا وجهاء قبليون بمحافظة أبين، يقودهم الشيخ وليد الفضلي، لما وصفوه بـ”الاجتماع الهام”، اليوم الأربعاء في منطقة “شقرة “، في مؤشر على تذمر قبلي لاستبعادهم من التمثيل بالحكومة، في وقت تم احتواء مكونات قبلية مماثلة بحضرموت والمهرة.