أبرز تقرير نشرته صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية واقع تصاعد فرض دول عربية ضرائب شاملة، معتبرة أن تلك الدول ومنها المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط تمص دماء فقرائها لصالح الأثرياء فيها.
وبحسب التقرير الذي نشره المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، تجْمعُ بعض الحكومات العربية أكثر من نصف عائداتها الضريبية من الضرائب التنازلية، مشيرة إلى حدة فرض ضرائب أكثر على الفقراء.
وذكر التقرير أن دول الخليج المصدِّرة للنفط لا تفرض ضرائب على الدخل خشية أن تزعج مواطنيها وتجعل بلدانها أقل جاذبية للمهاجرين، وتعد معدلات ضرائب الشركات منخفضة، وتتراوح من صفر إلى 15%.
وعوضًا عن ذلك، يعتمدون أيضًا على الضرائب الاستهلاكية، وأدخلت السعودية ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في عام 2018، ثم ضاعفتها ثلاث مرات في عام 2020 (وهي الخطوة التي حذر منها صندوق النقد الدولي)، وستُشكل 79% من عائدات الضرائب هذا العام.
وسيكون السعوديون الأكثر فقرًا هم الأكثر تضررًا، ويميل الأثرياء إلى الإنفاق على مشترياتهم الباهظة الثمن خارج المملكة.
وأشار التقرير إلى أن تكلفة المعيشة في مصر ترتفع كل شهر، مستشهدةً بالمواطن المصري محمود، مطوِّر برمجيات كان يجلس في مقهى في شارع مظلل، والذي ألقى نظرة سريعة على الضرائب والرسوم الجديدة التي يدفعها.
فقد فُرضت ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% في عام 2016، ثم ارتفعت إلى 14%. وقبل بضع سنوات أضافت الحكومة ضريبة قدرها 10 جنيهات (0.55 دولار) على فاتورة هاتفه الشهرية.
وترتفع أسعار السجائر التي يدخنها جنيهًا أو اثنين كلما احتاجت خزانة الدولة إلى نفثة نقود إضافية. وبلغت تكلفة استخراجه رخصة قيادة جديدة مؤخرًا 15 ضعف التكلفة سابقًا.
ومن المثير للتعجب أن الضريبة الوحيدة التي لم ترتفع هي تلك المفروضة على استثماره الأقْيَم، وهو عقار إيجاري اشتراه في عام 2016. ويقول إن العقار قُدِّر بـ100 ألف دولار أو نحو ذلك، بزيادة قدرها 25%. ولكن فاتورة ضريبة الأملاك السنوية ظلت ثابتة تقريبًا، عند أقل من 1% من قيمة الشقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدول العربية تباطأت منذ مدة طويلة في تحصيل الضرائب، وفي عام 2015، قدَّر صندوق النقد الدولي أن الدول العربية جمعت ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، مقارنةً بـ17% في الأسواق الناشئة الأخرى.
وقالت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي آنذاك، أمام الحضور في أبوظبي عام 2016 إنه يتعين على الدول العربية “إعادة تصميم أنظمتها الضريبية” وزيادة الإيرادات.
وقالت الصحيفة إن الحكومات العربية فهمت الرسالة إلى حد ما. ومنذ عام 2016، أدخلت خمس دول عربية ضريبة القيمة المضافة، وفرضت الحكومات سلسلة من الرسوم الأخرى على كل شيء بدءًا من الهواتف المحمولة حتى تذاكر السينما، وسعَت للحصول على إيرادات غير ضريبية من خلال زيادة الرسوم.
وبحسب الصحيفة، إذا كانت تلك الحكومات تتحسن في فرض الضرائب على مواطنيها، فإنها غالبًا ما تفرض الضرائب على الأشخاص الخطأ، وتفرض عبئًا كبيرًا على أولئك الذين لا يستطيعون تحمُّل تكاليفها.
وتعد الضرائب الاستهلاكية (أو غير المباشرة)، مثل ضريبة القيمة المضافة، عالية الكفاءة ولكنها ضرائب تنازلية عمومًا.
وتفرض تلك الحكومات ضرائب على ما ينفقه الناس؛ إذ ينفق الفقراء من دخلهم أكثر من الأغنياء. وفي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو نادٍ من البلدان الغنية في الغالب، تمثل الضرائب غير المباشرة نحو ثلث الإيرادات الضريبية، وفي العقود الأخيرة انخفضت هذه النسبة.
وأوضحت الصحيفة أن الدول العربية تسير في الاتجاه المعاكس. فقد جمعت مصر 46% من عائدات الضرائب من السلع والخدمات في السنة المالية 2020-2021، ما يمثل زيادة تقدر بـ40% عما كان قبل ست سنوات.
وتشكل الضرائب غير المباشرة أكثر من نصف الضرائب في تونس، وثلاثة أرباعها في الأردن، حيث تضيف ما يصل إلى 12-13% للناتج المحلي الإجمالي.
ولفتت الصحيفة إلى أن سبب جاذبية الضرائب غير المباشرة بسيط، ذلك أن ضرائب القيمة المضافة تجمع كثيرًا من الأموال دون تشويه الاقتصادات كثيرًا (وهذا هو سبب حب دول الرفاهية الأوروبية لها)، وليس لدى معظم الدول العربية، خارج منطقة الخليج، صورة مكتملة عن الأعمال التي يمارسها مواطنوها ومقدار ما يكسبونه، وهو ما يجعل من الصعب تحصيل الضرائب المباشرة.
ويعمل نحو ثلثي المصريين في وظائف غير رسمية لا تُسجِّل ما يتقاضونه، ولا يملك أكثر من نصف التونسيين حسابات مصرفية.
وآخر مرة أجْرَت فيها دولة لبنان إحصاءً سكانيًّا كانت في ثلاثينيات القرن الماضي، وغالبًا ما يعمل مفتشو الضرائب فوق طاقتهم ويعتمدون على الكتابة التقليدية بدلًا من قواعد البيانات.
وكذلك التهرب الضريبي شائع، والذي قدَّر تقرير في 2018 صادر عن بنك عودة، وهو بنك لبناني، أن التهرب الضريبي يُكلف خزانة الدولة 5 مليارات دولار سنويًّا (10% من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت).
ونوهت الصحيفة إلى أن السلطات غالبًا ما تلوم، على نحو خاطئ، القطاع غير الرسمي، مشيرةً إلى أن معظم المصريين العاملين في السوق السوداء ليس عليهم سوى دفع ضريبة دخل أو معدل هامشي بحد أقصى 2.5% فقط.
وحتى لو عثر رجال الضرائب على هؤلاء العاملين جميعًا، فإن الإيرادات الإضافية ستكون هزيلة. وتكمن المشكلة الأكبر في النظام الضريبي الذي يميل نحو الأغنياء.
وآية ذلك أن معدل الضريبة على الشركات في مصر البالغ 22.5% أقل بخمس نقاط من المتوسط الأفريقي، في حين أن شريحة ضريبة الدخل الأعلى بنسبة 25% تُصنَّف على أنها واحدة من أدنى المعدلات في القارة، كما أنه ليس لديها ضريبة الإرث.
ويفضل عديد من العرب الأثرياء والطبقة المتوسطة شراء العقارات على الأسهم، إذ يرون أنها أكثر أمانًا وربحًا. ومع ذلك، فإن الحكومات تجمع القليل من الضرائب العقارية.
وتقدر وزارة المالية الأردنية أنها جمعت 115 مليون دينار (162 مليون دولار) من الضرائب العقارية العام الماضي؛ أي 1% فقط من عائدات الضرائب.
وتُقيِّم بعض البلدان ضريبة الأملاك على معدلات الإيجار بدلًا من قيمة المبنى، مما يؤدي إلى دفع فواتير باهظة، وتحتسب مصر تلك الضرائب مرةً واحدة فقط كل خمس سنوات، مع تحديد الزيادات بنسبة 30% لكل تقييم، على الرغم من ارتفاع قيمة العقارات في بعض أجزاء القاهرة بنسبة تصل إلى 25% سنويًّا.
ويخضع الأغنياء المصريون الذين يضاربون في البورصة لضريبة أرباح رأس المال بنسبة 10%. ولكن إذا استثمروا هذه الأموال في العقارات، يمكن أن ينخفض معدل الضريبة إلى أقل من 1%.
وبدلًا من تبني الأنظمة الضريبية الأكثر تقدمًا، تبحث الدول العربية عن طرق ميؤوس منها أكثر من أي وقت مضى لزيادة الإيرادات، ومن ذلك أن لجنة برلمانية في مصر وافقت العام الماضي على ضريبة بنسبة 3% على المشتريات في المتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية (والتي قد تحتاج إلى اسم جديد).
وتتقاضى تونس الآن 100 مليم (3 سنتات) مقابل الإيصالات الورقية في المتاجر، وهذا هو المعادل المالي للنظر أسفل وسائد الأريكة بحثًا عن بعض الفكة.
وتختم الصحيفة بالقول إن مثل هذه الإجراءات لن تؤدِّي إلى إحداث تأثير كبير في أوجه العجز التي تواجهها ميزانية تلك الحكومات، لكنها قد تثير غضب المواطنين.