متفرقات سعودية

مشروع ذا لاين .. تساؤلات واقعية تثبت انعدام جدوى المدينة الوهمية

تساءل الكاتب هاني محمد حول جدوى مشروع ولي العهد محمد بن سلمان، “مدينة ذا لاين” المستوحاة من أفكار وأعمال فنية غربية.

وأشار محمد إلى أن رؤية السعودية 2030 تحاول تنوع مصادر الدخل السعودي عن طريق جذب الاستثمارات الخارجية وهو ما يروجه إليه الإعلام السعودي

وتطرق إلى أن أهم ما جاء في وليُّ العهد بشرحه بنفسه، أنّ المدينة مُخططة بطول ما بين 160 إلى 170 كيلومتر، وتنقسم إلى ثلاثةِ أدوار:

مستوى سطح الأرض: سيكون مُخصّصًا للمشي فقط، ولا مجالَ لاستخدام السيارات عليه.

الدور الأول تحت الأرض: سيكون مخصصًا للأنشطة التجارية، كالمحلاّت والشركات.

الدور الثاني تحت الأرض: سيكون بمثابةِ العمود الفقري للمدينة، ففيه خط المواصلات بين المدينة لنقل الناس والبضائع عبر الميترو بمدةٍ لا تتجاوز العشرين دقيقة.

وحسبِ الخُطة الموضوعة ستُشغّل المدينة بالطّاقة النظيفة (الهيدروجين، الطاقة الشمسية، الرياح، إلخ) بالإضافة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتسهيلِ حياة الناس.

تخطيط المدينة

لكن في الأمر تساؤلات من عدّة جوانب عن إمكانية تحقيق هذا المشروع وفقًا لما نراه حاليًّا:

فمن ناحية تخطيط المدينة، لا توجد فكرة أو تَصوُّر مُستقبلي للنمو الطبيعي للمدينة، وهل سوف تتمدد طولًا، أو ستتوسّعُ عرضًا بحيث تُناقض اسمها (ذا لاين) وتخطيطها الرئيس المبني على خطٍّ مستقيم؟

ومن ناحية أخرى مُخطّط المدينة يبدو نشازًا في طبيعة الأرض التي ستُبنى عليها، حيثُ يتحتّم عليه اختراق الجبال والتضاريس الواقعة في مخطط المدينة.

ويتجاهل بشكلٍ مُستغرب السواحل القريبة منها، فبدل أن تُبنى المدينة على الساحل ستكون في وسط الصحراء.

ومن ناحية التمويل والتكلفة، أُعلنَ عن قيمة تكلُفة هذا المشروع بما يقارب 500 مليار دولار، دون أن تُذكر أساليب التمويل.

ففي الوقت الذي ترتفع فيه البطالة وتتدهور الأوضاع المعيشية، تتجاهل المملكة الوضع الاقتصادي هذا وتقوم بمشاريع ضخمة دون التأكد من مردوديتها أو جدواها.

لا سيما وأن المملكة تمُرّ بأسوأ كارثة اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط وحرب اليمن وغير ذلك، وتراجع سُمعتها بسبب السياسات الداخلية والخارجية للسلطات وانتهاكات لحقوق الإنسان داخليًّا وخارجيًّا وعقوبات قد تطال ولي العهد نفسه.

فحملات اعتقال واسعة ابتدأت منذ عام 2017 مستهدفةً كل صوت ناقد ومعارض، بل وحتى أي رأي حتى الصامت عن سياسات المملكة الداخلية.

ومطاردة المعارضين في الخارج والفضيحة العالمية لاغتيال خاشقجي.

(الذي من الممكن أن يكون أحد أسباب اغتياله هو ظهوره في قناة الجزيرة الإنجليزية قُبيل اغتياله مخاطبًا العالم عن إمكانيّة أن تتعرض المملكة للإفلاس بسبب مشروع نيوم)،

ومصادرة أموال رجال الأعمال وحجزهم في الريتز، بالإضافة للتهجير القسري لأهالي المناطق الذين تتواجد قُراهم في محيط المدينة وقتل واعتقال كلّ رافضٍ للمشروع منهم.

بالإضافة لقتل المدنيين في اليمن والقضايا المرفوعة ضد المملكة في هذا المجال.

ومن ناحية سكّان المدينة، يتميز السعوديون بحياة اجتماعية مختلفة بشكل لا يتناسب مع المُعلن عنها في نيوم، فحياتهم الاجتماعية تمتاز بخصوصياتها.

ومع ازدياد مُعدل الفقر والبطالة فمن المستحيل أن يتّجهوا لمثلِ هذه المدن التي من المرجح أنها ستكون غالية جدًّا،

ومع العلم أيضًا أن الكثير من العائلة المالكة والمقربين منهم باشروا في بناء قصورهم هناك.

أهداف المدينة

فيبقى التساؤل هل سيقدر الشعب السعودي على تحمل نفقات العيش هناك، أم ستكون مدينة للسياحة؟

ومن ناحية القانون، النظام الضريبي والقضائي في السعودية ليس مُستقلًا وليس فيه شفافية، فهل سيكون في نيوم نظام دولة داخل الدولة

بشكل يشابه ما فعلته الإمارات عام 2006 عندما أنشأت محاكم خاصة باللغة الإنجليزية تحتكم للقوانين الدولية كي تضمنَ تحقيق المعايير العالمية في مركز دبي للتجارة؟

وعلى العموم، هذا النوع من المدن يسمى بالمُدن الخطّية ليست وليدة اللحظة، فقد بدأها المهندس الأسباني آرتورو ماتا في عام 1882.

وكانت فكرته أنّ الشكل الخطّي للمدينة سيُقلّل من تشابُك الطرق، بحيث يشكّل توازنًا يُسهّل الوصول للأراضي الزراعية والطبيعة من المدينة الصناعية.

كذلك المهندس الروسي نيكولاي أليكزاندروفيتش عند تأسيس الاتحاد السوفييتي كان قد وضع مُخطّطًا لمدنٍ بنفس الشكل.

لكن التنفيذ فشل في أسبانيا من قبل والاتحاد السوفييتي من بعد، ثم حاول البرازيليون تنفيذ المدينة الخطّية في خمسينيات القرن الماضي عندما حاولوا بناء عاصمة جديدة “برازيليا”.

لكنّ ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات جعلت الناس تسكن في عشوائيات حول المحْور المُعدّ للبناء لا سيما وأن المخطط غاب عنه التفكير المستقبلي للنمو.

وأخيرًا، يبدو المشروع أقرب للوهم منه للحقيقة، خاصة مع التفكير في أمورٍ لم يصل لها الإنسان بشكل نهائي كالسيارات الطائرة وغيرها.

ويبدو مشروعًا سياسيًا لكسبِ بروبغاندا في ظل تشوّه سمعة السعودية وولي عهدها خاصة مع القضايا المرفوعة عليه،

والهمّ الأكبر له هو شكل المدينة من الفضاء الخارجي، تمامًا كمشروع الجزر الصناعية والنخيل التي فشلت الإمارات في تحقيقها.

ولإسكات الشعب السعودي الذي يعاني الويلات من ارتفاع الأسعار والبطالة والمعيشة، خاصة وأن كثيرًا من المدن والهِجر السعودية تعاني من نقص في الخدمات الأساسية، وهذه المدينة (إن بُنيت) فلن تكون للشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى