آل سعود وإسرائيل.. تطبيع يستند لتحالف استراتيجي
ليست مجرد علاقات تقارب تلك التي تجمع نظام آل سعود الحاكم حاليا في السعودية مع إسرائيل، إنما هي تتعدى بوضوح إلى مرحلة تحالف استراتيجي.
هذا التحالف المخزي عربيا وإسلاميا يأتي على حساب بيع القضية الفلسطينية والتورط بتصفيتها في مؤامرة يدبرها محمد بن سلمان وفريقه منذ وصوله للحكم.
وبتقاربه المعلن مع الإسرائيليين فإن النظام السعودي ، بات يحقق أبعد أماني دولة الاحتلال حتى أن صحفها عنوان “حلم أم علم؟”، في سياق حديثها عن التقارب بين السعودية وإسرائيل على مستوى أكثر خطورة، وهو التقارب الاستخباراتي.
مؤخرا صرحت مواقع عبرية أن الطائرة الخاصة التي اقلت وزير خارجية الاحتلال الاسرائيلي قد مرت من فوق الاجواء السعودية وهي في طريقها إلى الإمارات العربية المتحدة.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنها ليست المرة الأولى التي تسمح فيها السعودية لطائرات إسرائيلية بالمرور في أجوائها, فمنذ مارس الماضي, تمر من فوق الأجواء السعودية, الرحلات المدنية لشركة الملاحة الهندية “اير إنديا” التي تسير رحلات أسبوعية من إسرائيل إلى الهند, عبر الأجواء السعودية.
ولفت موقع “يديعوت أحرنوت”، إلى أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، برفقة رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” يوسي كوهين لسلطنة عمان، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مرت هي الأخرى في المجال الجوّي السعودي.
وشارك وزير الخارجية الإسرائيلي, الأسبوع الماضي, في مؤتمر لشؤون البيئة في الإمارات, حيث التقى أيضا بكبار المسؤولين الإماراتيين, وبحث معهم “العلاقات الثنائية”.
وتتذرع إسرائيل في هذه اللقاءات، ببحث الخطر المشترك والتهديدات التي تمثلها إيران لدولة الاحتلال ودول الخليج العربي ولا سيما في مجال الذرّة. كما بحث كاتس النشاط المشترك لتحسين العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات، في مجالات التكنولوجيا والزراعة والطاقة والمياه.
وفي وقت سابق فقد شاركت السعودية في مؤتمر البحرين الاقتصادي وذلك بعد ان اعلنت المملكة عن مشاركة وزير الاقتصاد السعودي والوفد المرافق له, وقد كانت دولة الاحتلال الاسرائيلي قد شاركت بمؤتمر البحرين بعد دعوة من الولايات المتحدة الامريكية لها للمشاركة بالمؤتمر.
تطبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
اعتبر باحث إسرائيلي أن ظاهرة الرسائل السعودية لإسرائيل عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي ليست وليدة حرية التعبير, وإنما بمصادقة جهاز السلطة في السعودية, وأنها تدخل في باب التطبيع غير الرسمي.
وفي مقالة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت”, أشار الباحث آدم هوفمان, إلى تغريدة نشرها سعودي يدعى محمد القحطاني, يعزي فيها “الشعب الإسرائيلي”, بمقتل المجندة أوري أنسباخر, ويصف قاتلها بالإرهابي الفلسطيني, حيث كتب “نيابة عن الشعب السعودي نعزي الشعب الإسرائيلي في مقتل الشابة أوري من قبل ارهابي فلسطيني وندعو الله أن يرحمها, ونحمد الله على سرعة القبض على الارهابي من قبل القوة الاسرائيلية شاباك والشرطة الخاصة, وقد حصلت هذه التغريدة على عدد كبير من الإعجابات وإعادة النشر بين السعوديين.
وكتب في تغريدة أخرى “نعيش بسلام مع اصدقائنا الإسرائيليين”.
وبحسبه, فإن هذه الرسائل على شبكات التواصل الاجتماعي تنشر من قبل مواطنين وليس من قبل جهات رسمية ولكن يمكن اعتبارها بمثابة “رسائل غير مباشرة من النظام السعودي الى الجهور الإسرائيلي”.
وأضاف أيضا أن للسعودية وخاصة في السنوات الأخيرة, مصلحة مشتركة في التقرب من إسرائيل وذلك على خلفية التهديد الإيراني, وهي ترى في التقارب مع إسرائيل خطوة مطلوبة, ولكن غياب الحل للقضية الفلسطينية لا يسمح لها بالتقدم المكشوف في الاتصالات مع إسرائيل, كما أن المركب المركزي في مبادرة السلام العربية هو الحاجة لاتفاق فلسطيني_ اسرائيلي كشرط لتطبيع العلاقات مع العالم العربي.
وفي وقت سابق فقد زار اللواء أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات السعودية اسرائيل سراً نيابة عن ولي العهد محمد بن سلمان, ودور فعال أيضا قام به المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من أجل التقارب بين السعودية وإسرائيل, لكن الأمر تعرض لضربة قوية عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ووفقا لأشخاص مطلعين, أدى المساعدان, المستشار السابق للديوان الملكي سعود القحطاني ونائب رئيس المخابرات احمد عسيري, أدواراً هامة في التواصل السري مع إسرائيل, مع أن السعودية لا تعترف رسمياً بإسرائيل حسب زعمها.
وأصدر القحطاني, بصفته مستشاراً إعلامياً, توجيهات للصحافة السعودية للمساعدة في تجميل صورة تل ابيب في المملكة, حيث كانت تصور منذ فترة طويلة على أنها العدو الصهيوني.
وشارك أيضا في شراء المملكة تكنولوجيا مراقبة متطورة من شركات اسرائيلية, كما يقول مسؤولون سعوديون.
ووفقا لما ذكره عدد من الأشخاص المطلعين, سافر اللواء عسيري, وهو يعمل تحت إمرة القحطاني, سراً إلى إسرائيل في مناسبات عديدة, مما جعله أكبر مسؤول سعودي معروف وطئت قدماه إسرائيل, وقد ركزت رحلاته على كيفية استفادة المملكة من تكنولوجيا المراقبة الحديثة في إسرائيل, كما قال بعض الاشخاص.
ولكن دورهما في قتل خاشقجي, والضجة الدولية التي أعقبت الاغتيال, وفي إثرها أقبل الرجلان, قد تسببت في تعطيل التواصل السري بين السعودية وإسرائيل, لكنه في حالة خرج ذلك للعلن سيكون بمثابة ضربة كبيرة لسمعة الرياض التي تعتبر اسرائيل عدواً ولا تقيم علاقات دبلوماسية معها.
وقال مسؤول حكومي سعودي بارز: “هدأت الأمور بالتأكيد بعد مقتل خاشقجي مباشرة, وآخر شيء تريده المملكة هو أن يخرج هذا التواصل إلى العلن الآن, ويؤدي إلى رد فعل حاد آخر”.
ولقد تقاربت السعودية وإسرائيل على الرغم من المخاطر السياسية الكبيرة التي ستنجم في المملكة عن رؤيتها إلى دولة مكروهة بشدة في العالم العربي, بسبب احتلالها الاراضي الفلسطينية, وحرمان الفلسطينيين من إقامة دولة لهم.
وحرص القادة السعوديون على إبقاء علاقاتهم مع إسرائيل سرية, قلقين من التبعات السياسية لعلاقة أكثر علانية مع إسرائيل.
ومن جانب إسرائيل, فقد التقى مدير الموساد يوسي كوهين مع مسؤولين سعوديين عدة مرات في عام 2017, كما يقول الاشخاص المطلعون, بما في ذلك اجتماع في يونيو/حزيران الماضي من عام 2017 مع مسؤولين سعوديين بارزين, توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتبادل إسرائيل والسعودية معلومات حول التهديدات المشتركة بانتظام, ومعظمها عن النقل عبر البحر الأحمر, وأمور أخرى متعلقة بإيران, وفقاً لأشخاص مطلعين.
وقد بدأت السعودية سراً في إصدار إعفاء خاص لرجال الاعمال الإسرائيليين, يسمح لهم بالسفر إلى المملكة بوثائق خاصة, حسبما قال أشخاص مطلعون, وتسمح الوثائق التي قدمتها الحكومة السعودية, والتي تهدف إلى تسهيل الأعمال التجارية بين البلدين, للإسرائيليين بدخول المملكة, دون إظهار جوزات السفر الإسرائيلية.
ومن بين تلك الأعمال التكنولوجيا التي يستخدمها السعوديون لمراقبة منتقديهم.
ومؤخرا أوردت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية أن إعلان التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي السعودي ضد إيران، أكده عدة خبراء إسرائيليين من الداخل، أبرزهم رام بن باراك نائب رئيس الموساد والمدير العام السابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية.
بن باراك وصف التعاون الاستخباراتي بين السعودية وإيران بأنه “ليس مفاجئًا”، ما دان هنالك تطابق لوجهات نظر الطرفين في هذا الملف.
تعاون استخباراتي في ظل علاقات “دافئة”
وفي سياق وصف طبيعة التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والسعودية، قال رام بن باراك إن الأمر لم يصل بعد لدرجة إعطاء الضوء الأخضر للطيران الإسرائيلي بالمرور من خلال الأجواء السعودية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكنه أيضًا لم يستبعد حدوث ذلك في المستقبل، “عندما تكون العلاقات أكثر دفئًا بمرور الوقت”.
ياكوف أميدور، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أكد من جهته العلاقات الاستخباراتية، التي انتقلت من مرحلة التمهيد لعلاقات أصلًا بين السعودية وإسرائيل، إلى مرحلة أُخرى وهي تبادل المعلومات الاستخباراتية لأغراض عسكرية.
في مبادرة هي الأولى من نوعها، وتحمل الكثير من الدلالات، أجرت صحيفة إيلاف السعودية مقابلة صحفية مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت.
فضلًا عن أن المقابلة الصحفية في حد ذاتها مُؤشر قوي على التعامل مع فكرة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل باعتبارها مُسلمة تسعى السعودية للظهور بها إلى العلن؛ فمضمون الحوار أيضًا يُؤكد على مستوى آخر من العلاقات، ذلك الذي يخص التعاون الاسخباراتي.
غادي إيزنكوت أكّد أن وجهات النظر بين الرياض وتل ابيب “متوافقة إلى حد بعيد”، وخصص في مساحة التوافق، قضية تحجيم التوسع الإيراني ودور حزب الله كقوة سياسية وعسكرية في المنطقة.
في المقابلة الصحفية التي أجرتها الصحيفة السعودية، التي وصفتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية بـ”صوت إسرائيل في العالم العربي”؛ أرجع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي غادي إيزنكوت أسباب تهديد الأمن الإسرائيلي جميعها إلى إيران، منطلقًا من نفس السردية السعودية الخاصة بالتهديد الإيراني، ومنها يُفهم مستوى التقارب بين الرياض وتل أبيب، بعد أن أصبح للإسرائيليين أصدقاء جدد في المنطقة يشاركونها القلق المبالغ فيه من إيران.
وتكتمل الصورة أكثر، بالإشارة إلى تقييمات جنرالات في الجيش الإسرائيلي للموقف السعودي، حين قالوا إن السعودية “لديها المال، لكن ليس لديها القوة الفعلية”، لافتين لما حدث في اليمن: “فشلوا فشلًا ذريعًا هناك”. إذن قد تكون صفقة التطبيع متضمّنة الجمع بين المال السعودي والقوة العسكرية الإسرائيلية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
لكن مع ذلك، يستبعد محللون إسرائيليون أن تحدث مواجهة عسكرية إسرائيلية ضد حزب الله أو إيران بالنيابة عن السعودية، على الأقل في المنظور القريب.
هذا لا يعني بأي شكل إلا أن التقارب السعودي الإسرائيلي قد دخل مرحلة غير مسبوقة، وربما لم تكن تحلم بها إسرائيل في يومٍ من الأيام، للدرجة التي دفعت أحد المحللين ليصف إسرائيل بهذا التقارب بـ”الدولة السنية المعتدلة”. صحيح أنّه وصف ساخر في النهاية، لكن من ورائها إشارات تكشف طبيعة الخارطة السياسية المتشكلة في المنطقة.
مع هذا، تبقى الأمور غير واضحة فيما يخص احتمالات اندلاع حرب في المنطقة، أطرافها من جانب هم إسرائيل والسعودية وحلفاؤهما غير المحددين بوضوح، وعلى الجانب الآخر إيران وحلفاؤها الأكثر وضوحًا، على الأقل من جهة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. ورغم النفي الإسرائيلي على عدة مستويات أن تكون تل أبيب وكيلة عن السعودية في حرب قريبة، لكن أغلب الاحتمالات تُرجّح أنّه إذا ما اندلعت هذه الحرب، فستلعب السعودية دور الممول، بينما ستكون إسرائيل صاحبة دور عسكري في هذه الحرب، التي يُحتمل أن تكون أكثر الحروب تهديدًا لوجود إسرائيل.