فضائح السعودية

فساد المال والاستثمارات في قلب النظام السعودي: دور تركي بن سلمان وشركة ثروات

تسلط التطورات الأخيرة في السعودية الضوء على آليات إدارة الثروات الضخمة لأسرة الملك سلمان، خاصة من خلال شخصية تركي بن سلمان، شقيق ولي العهد محمد بن سلمان من والدتهما فهدة بنت حثلين، والذي بات يشكل حجر الزاوية في شبكة الاستثمار المالي للمملكة.

فقد نشأ تركي ومحمد بن سلمان معًا في سن متقاربة، ما أكسبه مكانة خاصة لدى ولي العهد، إذ يعد الأقرب إليه من بين الأشقاء، ويكاد يكون امتدادًا لشخصيته في إدارة المال والسياسة الاقتصادية.

وتتجلى ثقة محمد بن سلمان في شقيقه تركي في رمزية اللوحة التي وُضعت في قصر اليمامة، حيث يظهر الملك سلمان في الوسط، ومحمد على يمينه، وتركي على يساره، في دلالة واضحة على مكانة تركي ومركزه الحساس داخل الأسرة الحاكمة.

لكن هذه الثقة ليست مجرد رمزية؛ فقد أوكل محمد بن سلمان إلى تركي إدارة ثرواته الشخصية وأصول الأسرة، بالإضافة إلى المحافظ العقارية الخاصة بالملك سلمان، ما جعله المسؤول الأول عن “الكنز المالي” للعائلة.

وأبرز أدوات هذا التحكم المالي هو شركة ثروات القابضة Al-Tharawat Holding Company، التي تأسست عام 2008 ولكن انطلاقتها الفعلية كانت في 2016، حين تم دمجها ضمن برنامج التحول الوطني المرتبط بـ “رؤية 2030”.

وتعتبر ثروات القابضة، وفقًا للمقربين من محمد بن سلمان، “ملاذه الآمن” لإدارة أموال الأسرة، إذ تشرف على أصول تقدر بحوالي 250 مليار دولار، وتتحكم في بوابة دخول أي شركة أجنبية للسوق السعودي، ما يمنحها نفوذًا هائلًا في الاقتصاد المحلي.

وتحت إدارة تركي، أصبحت الشركة تكتلًا استثماريًا متشعبًا يغطي العقار والبناء والزراعة والطب والتقنية، كما توسعت لتشمل صناعة الطيران واستيراد السلاح، ما يعكس امتدادًا واسعًا للمصالح المالية للعائلة الحاكمة، بل وتحويل الشركة إلى أداة للهيمنة الاقتصادية والسياسية.

ويتجلى هذا التوسع بوضوح في الصفقة الشهيرة عام 2014، حين استحوذت ثروات على حصة الأغلبية في أحد البنوك الصغيرة في دبي، ونجح تركي في إدارة عملية شراء 50 طائرة من إيرباص بقيمة 100 مليون دولار لصالح الخطوط الجوية السعودية، ضمن ما عُرف بـ “صندوق تأجير الطائرات”.

وما يثير القلق ليس مجرد حجم الأصول والسيطرة المالية، بل الطريقة التي يستخدم بها النظام هذه الشركات لضمان استمرار النفوذ والثروة خارج حدود المملكة. فقد صارت ثروات القابضة قناة لإخفاء وتوجيه أموال الأسرة إلى الخارج، في تحرك يذكّر بما فعله نظام بشار الأسد في سوريا، حيث تم تهريب الأموال الوطنية إلى الخارج تحسبًا لتغيرات سياسية.

ويعتبر محمد بن سلمان هذه الشركة الملاذ الآمن لأمواله الشخصية، ويستثمر من خلالها لإرساء إمبراطورية مالية قد تظل خارج رقابة الدولة التقليدية، وتؤمن له مصدر ثروة مستقل عن المملكة نفسها.

ويبين هذا الهيكل المالي مركزية الفساد داخل النظام السعودي، إذ يتم التحكم بالاقتصاد والمشاريع الكبرى من خلال شبكة مغلقة من الأقارب والمقربين، مع وجود نفوذ شبه مطلق لشخصيات مثل تركي بن سلمان.

كما أن السيطرة على الاستثمارات الكبرى، بما في ذلك البنوك والشركات الأجنبية، تمنح الأسرة القدرة على استخدام المال كأداة للسيطرة الاقتصادية والسياسية، سواء داخل المملكة أو في الخارج.

في النهاية، يظهر من هذه المعلومات أن الفساد المالي في السعودية لا يقتصر على استغلال الموارد العامة، بل يمتد إلى خلق إمبراطوريات استثمارية خاصة للأسرة الحاكمة، حيث تُدار الثروات بعيدًا عن الشفافية والمساءلة.

لتصيح شركة ثروات القابضة مثالا واضحا على كيفية دمج النفوذ العائلي بالسيطرة الاقتصادية، وتحويل الأموال الوطنية إلى أدوات لإدامة السلطة والثروة خارج نطاق الرقابة القانونية والدستورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى