فضائح السعودية

تجسس بن سلمان على معارضين عبر تويتر يشوه صورة السعودية

تصدرت قضية فضيحة تجسس ولي العهد محمد بن سلمان على معارضين عبر تويتر تقارير وسائل الإعلام الدولية ما أضاف المزيد من التشويه لصورة المملكة العربية السعودية.

وكما عادة بن سلمان فإن قضية التجسس هو مواطنون سعوديون، وليس مركز بحوث نووية أو مركز تطوير صناعاتٍ عسكرية تجند المملكة قواها وقدراتها لسرقة معلومات منه، ومعرفة أحدث الاختراعات التي أنجزها من أجل الإفادة منها لتطوير صناعاتها في تلك المجالات.

وقد انشغلت وسائل الإعلام على مدار الأسابيع الماضية بفضيحة التجسس السعودي على تويتر، ولكن على أرض الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من المخاطر والتبعات.

ومع اقتراب موعد بدء جلسات محاكمة المتورّطين في قضية تجسُّس السلطات السعودية هذه على “تويتر” أمام إحدى محاكم سان فرانسيسكو، في 2 سبتمبر/ أيلول المقبل، عادت هذه القضية إلى التفاعل بعد كشف وكالة بلومبيرغ الأميركية، قبل أيام، أن التجسّس السعودي على “تويتر” قاد السلطات السعودية إلى اعتقال الناشط الحقوقي عبد الرحمن السدحان ومواطنين سعوديين آخرين.

وجرى الكلام، قبلاً، عن معلومات مقرصنةٍ، لكن الأمر تطور وتفاعل مع بروز معلومات جديدة تفيد بتجنيد السعودية موظفين يعملون في “تويتر”، ويستغلون مواقعهم لكشف هويات المغرّدين الذين يستخدمون حسابات وهمية بغرض توجيه انتقادات للسلطات السعودية أو أفراد في العائلة الحاكمة، واستخدام المعلومات لقمع المعارضين وزجّهم في السجن.

وسيمثل المتورّطان أحمد أبو عمو وعلي آل زبارة، وهما موظفان سابقان في “تويتر”، تتهمهما السلطات الأميركية باستغلال منصبيهما منذ عام 2015، للتجسس على مغردين سعوديين وكشف هوياتهم الحقيقية، على الرغم من استخدامهم حساباتٍ تحت أسماء وهمية، وتسليم هذه المعلومات للسلطات السعودية، وهو ما أدّى إلى اعتقال عددٍ منهم.

كما سيمثل أحمد المطيري، وهو مساعد بدر العساكر، مدير مكتب محمد بن سلمان، إذ كان وسيطاً بين أبو عمو وآل زبارة وبين بدر العساكر الذي أسس شركةً تعمل واجهة لنقل المعلومات المسلّمة إليه إلى السلطات السعودية، وهو ما كان السبب في اعتقال هؤلاء المغرّدين والتنكيل بالمعارضين.

ومن المتوقع أن توجه الاتهامات إلى بدر العساكر الذي رجحت وسائل إعلام أميركية أن يكون المسؤول الذي لمّحت المحكمة إلى إمكان اتهامه.

قبل هذه الفضيحة، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، أواخر مارس/ آذار الماضي، أن السلطات السعودية استغلت ثغرةً في شبكة الهواتف المحمولة، مكّنتها من إرسال أكثر من مليوني طلب تتبع لهواتف مواطنيها في الداخل والخارج من أجل تتبعهم ورصد تحرّكاتهم والتجسُّس على حياتهم الشخصية وعلى كل نشاطاتهم.

ولفتت الصحيفة إلى أن المواطنين، ضحايا حملة التجسُّس هذه، ليسوا المنشقين عنها فحسب، بل أولئك الذين تخاف أن ينشقّوا لدى خروجهم من المملكة، أو حتى من يساورها القلق من مدى عمق ولائهم لعرش المملكة وولي عهدها. وقد استخدمت السلطات ثلاث شركات هواتف سعودية كبرى للقيام بهذه الخطوة.

يضاف إلى كل ذلك فضيحة تورط محمد بن سلمان في اختراق الهاتف الجوال الخاص بجيف بيزوس الذي يملك صحيفة واشنطن بوست وشركة أمازون، والتي ظهرت، في مارس/ آذار 2019.

وتناقلت وسائل الإعلام أن الاختراق جرى عبر إيصال رسالة إلى بيزوس عن طريق تطبيق “واتس أب” من هاتف بن سلمان نفسه، حملت الرسالة ملفاً تجسُّسياً مكّن السلطات السعودية من اخترق هاتفه والتجسس عليه.

والدافع إلى ذلك أن الصحيفة التي يملكها بيزوس، والتي خصصت عموداً أسبوعياً كان يكتبه الصحافي الراحل، جمال خاشقجي، قد واظبت على تغطية التحقيقات الجارية للكشف عن الظروف التي قتل بها، ومعرفة المتورّطين بعملية القتل.

وجدير بالذكر أن كل قضايا التجسس تتمحور حول حصر الانتقادات التي تتناول شخص محمد بن سلمان، وسياساته، والوقوف على أي تهديد لصورته، حتى لو أتى هذا التهديد من مواطن ضعيف، يغلق على نفسه الأبواب ويُطفئ الأنوار، متّخذاً اسماً مستعاراً كي لا يلاحظ عليه أحدٌ وُلوْجه إلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي لكتابة كلماتٍ تحمل انتقاداً لإحدى سياسات هذا الأمير، أو تصرّفات أحد أفراد بطانته، أو أحد أفراد الأسرة الحاكمة.

ولا تعكس هذه السياسة سوى عدم ثقة محمد بن سلمان بنفسه بدايةً، ثم بقدراته على تبوؤ المنصب الذي حجزه له والده تالياً، خصوصاً بعد الأخذ بالاعتبار واقعة تجريد ابن عمه، محمد بن نايف، من ذلك المنصب وتعيينه فيه.

كذلك يعكس ثقة بن سلمان بعدم أحقيته بموقع ولي العهد، وقناعته بأحقية ابن عمه به، لكن إصراره على اقتناصه واستعداده لفعل أي شيء للاستمرار به.

من جهة أخرى، وهو الأهم، تعكس هذه التصرّفات مدى خوف آل سعود من الكلمة، الخوف الذي يعطي انطباعاً عن هشاشةِ كيانٍ تقلقه كلمةٌ تخرج من فم رجلٍ مغمورٍ يقيم على أطراف المملكة في مجاهل مدن الفقر فيها، أو في غرفته الجامعية في إحدى جامعات العالم المتقدّم، فيحسبون أن هذه الكلمة ستجعل كيانهم يتداعى.

ولا يأتي خوفهم من هذه الكلمة سوى بسبب معرفتهم التداعيات المحتملة لما تقترفه أياديهم من قمعٍ للحريات وتجويع للبشر وقتل آخرين وتقطيع أجسادهم بالمنشار.

وهم يلاحقون الكلمة، بدلاً من ملاحقة من استهدف منشآتهم النفطية بالصواريخ، وهشَّم صورتهم أمام العالم، ومرّر رسالة تقول لهم إنه يستطيع استهدافهم في غرف نومهم، كما استهدف شركة نفطهم ودرّة تاجهم.

يبرز السؤال: كيف تجرأت سلطات آل سعود على القيام بعمل تجسُّسيٍّ في أميركا، ومن دون حسبان النتائج المترتبة على عملٍ كهذا؟ لا بد أنهم اكتسبوا تلك الجرأة بعدما لمسوا الجهد الكبير الذي بذله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتغطية جريمة اغتيال جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول.

كذلك جهد ترامب لتغطية جرائم الحرب التي يقترفونها في اليمن بحق أبناء هذا البلد المنكوب بعاصفة حزمهم التي توقعوا تحقيق أهدافها بعد أسبوعين من شنّها، وأظهرت فشلهم خمس سنوات.

ولا يفعل ترامب ذلك سوى لأنه اتخذ من سقطات بن سلمان سبيلاً لابتزازه من أجل الدفع له، وهو سيبقى يدفع طالما طالبه ترامب بذلك، وسيبقى ترامب يطالبه بذلك طالما هو قد أدمن اقتراف الأخطاء والوقوع في فضيحة جديدة، ما إن يخرج من التي سبقتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى