غير مصنف

دراسة: انقلاب الترفيه في السعودية يهدد بآثار اجتماعية وخيمة

خلصت دراسة أصدرها مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات أن الانقلاب الذي تقوده هيئة الترفيه في السعودية يهدد بآثار اجتماعية وخيمة في ظل الرفض الشعبي الواسع له.

واستعرضت الدراسة قصور التأثير الاقتصادي الحاصل لهيئة الترفيه في المملكة على الرغم من إنفاق المليارات على أنشطتها ضمن رؤية 2030 التي يروج لها ولي العهد محمد بن سلمان.

وأبرزت الدراسة أن السعودية عرفت منذ نشأتها بخصائصها المحافظة، وقد أسست نظامًا للحكم وفق هذا التوجه العام، وهذا ما مكنَّ المؤسسة الدينية من لعب دور كبير في بناء الدولة، ودعم توسعها.

وخلال هذه الفترة، حافظت المؤسستان السياسية والدينية على رعاية مكاسب الحكم؛ وهو ما أدى إلى استمرار حضور الخصائص الدينية للمجتمع السعودي، وساهم في تميز المملكة عن غيرها من دول العالم؛ كونها حامية الإسلام، وتحتم عليها مركزيتها الدينية نشر القيم الإسلامية العامة للشعوب المسلمة.

وبعد ظهور النفط في المملكة بدأ تحول البلد إلى العالم الخارجي، وتوسعت علاقاته مع الشركات العالمية، وهو أمر كانت عليه بعض التحفظات من المؤسسة الدينية في السعودية.

بعد ذلك عاودت حكومة المملكة إجراء التحديثات مجددًا في فترة التسعينيات من القرن الماضي، وقد كانت الخطوات بطيئة ومحدودة؛ نظرًا لحرص ملوك المملكة على توازن القوى، وعدم خلق معارضة من قِبَلِ التيار الديني، الذي كان في تلك الفترة يواجه مطالب الإصلاح والتغيير والحقوق والحريات، واستمر الحال على عدد من التحديثات المحددة والمتناسبة مع واقع المملكة، إلى مرحلة قدوم الملك سلمان.

في هذه المرحلة شهدت المملكة تحديثات جديدة على يد محمد بن سلمان، في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث رفع شعارات الإصلاح والتغيير داخل المملكة، والخروج عن الأطر التي رسمت الصورة العامة للملكة وشعبها، واستبدالها بمفردات وسياسات جديدة.

وفي ظل التحديثات المتسارعة التي تقودها حكومة المملكة داخل المجتمع السعودي، تم الإعلان عن تصور الرؤية السعودية لعام 2030 في أبريل 2016.

إذ تم تسويقها بأنها “رزمة الإصلاح الاقتصادي الأكثر شمولًا في تاريخ المملكة”، وأُريد منها أيضًا إضافة إلى مجال الإصلاح الاقتصادي المعلن عنه، إحداث ثورة ثقافية واجتماعية داخل المجتمع السعودي، وتوجيه واقع الأفراد نحو قواعد اجتماعية جديدة ومتغيرة عن تلك التي اعتادوا عليها طوال سنوات عديدة.

وتعد الهيئة العامة للترفيه إحدى أهم مبادرات رؤية المملكة 2030، والتي تأسست بأمر ملكي في 7 مايو 2016، وتهدف إلى “تطوير وتنظيم قطاع الترفيه، ودعم بنيته التحتية”.

وقد تولى إدارة هيئة الترفيه عند تأسيسها أحمد بن عقيل الخطيب، إلا أنه أعفيَ من المنصب في 18 يونيو 2018، بُعيد ظهور لاعبات “سيرك روسي” في عرض ترفيهي في مدينة الرياض، واللاتي ظهرنَ بلبس غير ملائم لعادات المجتمع السعودي وثقافته، وتم تعيين تركي بن عبد المحسن آل الشيخ بعد ذلك رئيسًا للهيئة.

وقد رافق الإعلان عن الهيئة العامة للترفيه نية الحكومة السعودية ضخ مبلغ 64 مليار دولار في مجال الترفيه، صرح بها رئيس الهيئة العامة، أحمد الخطيب في تلك الفترة.

وفي سبتمبر 2017 أعلن صندوق الاستثمار السيادي في السعودية عن مساعيه للاستثمار في قطاع الترفيه، وأطلق برنامج صندوق الاستثمارات العامة بنسخته الأولى (2018-2020)؛ ليعمل ضمن منظومة متكاملة من البرامج الأخرى التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق رؤية 2030.

كما أسس صندوق الاستثمارات العامة أكثر من 30 شـــركة محليـــة، في 10 قطاعات حيويـــة؛ بهدف نمو أصول الصندوق، ومن أبرز الشركات والمشاريع التي انشأها في قطاع الترفيه:

عمدت هيئة الترفيه بالتنسيق مع صندوق الاستثمار إلى الإعداد لفتح دور السينما عام 2018 في المملكة بعد حظر استمر أكثر من 35 عاماً، “بالشراكة بيـن شـركة الترفيـه السـعودية “SEVEN” المملوكـة لصنـدوق الاستثمارات العامـة، وشـركة “AMC”.

وقـد تلاهـا افتتـاح 32 دار سـينما أخـرى فـي مختلـف مناطـق المملكـة، ليصـل العـدد إلـى 33 دار سـينما فـي 12 مدينـة ضمـن 6 مناطـق إداريـة فـي المملكـة، وجـرى ترخيـص 11 شـركة متخصصـة فـي تشـغيل دور السـينما، تسـعٌ منهـا شـركات دوليـة.

إطلاق مبادرة “مواسم السعودية ٢٠١٩”، لتضم 11 موسمًا سياحيًا تغطي معظم مناطق المملكة، ويُراد من المبادرة أن تسهم في تفعيل قطاع السياحة الداخلية، ورفع جاهزية البنى التحتية للقطاع لتوسعه مستقبلًا للزائرين من الخارج، ودعم مختلف القطاعات المرتبطة بالسياحة والترفيه.

في المقابل رافق إعلانَ المملكة عن هيئة الترفيه عدد من الإجراءات المقيدة لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كمنع أعضاء الهيئة من إيقاف الأشخاص أو طلب وثائقهم أو التحفظ عليهم أو ملاحقتهم، وتقليص عملهم على ساعات عمل رسمية، مع ضرورة إبراز هوياتهم عند الحديث مع أي شخص، وجعل دور أعضاء الهيئة يقتصر على إخبار أفراد الشرطة عن الاشتباه بشخص معين.

وقد ألغى التنظيم الجديد لهيئة الترفيه القرار الصادر في أبريل 2016 الصفة الضبطية القضائية التي كان يتمتع بها أعضاء الهيئة بناء على تنظيم الهيئة عام 2012، والذي مكنهم من ضبط مرتكبي المحرمات أو المشتبه بهم بمساندة رجال الشرطة.

فوفق التنظيم الجديد تم إلغاء تزويد الهيئة بعدد كاف من رجال الشرطة، وكذلك أُلغيَ حق الهيئة في مراقبة الممنوعات وإصدار أوامر ضبط بحق ممارسيها.

وبالتالي فإن رجال الهيئة لم يعد بمقدورهم ممارسة أي دور ميداني كما كان في السابق، فلن يتمكنوا من ممارسة الضبط والمطاردة والإحضار، ولن يتمتعوا بأي سلطة إجبارية على المواطنين، بعد أن انتزعت منهم لصالح رجال الشرطة ودوريات مكافحة المخدرات.

وعلى الرغم من توجهات السلطات السعودية بافتتاح عهد جديد لإدارة المملكة في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها لم تُفعِّل الخطوة ذاتها فيما يتعلق بالحريات العامة.

وقد أشارت عدد من التقارير الدولية إلى أن هناك فجوة بين الحريات العامة والحريات الخاصة؛ نتيجة التحولات الحالية، ومنها تقرير لمنظمة “هيومن راتيس واتش” الصادر في مايو 2018، والذي أشار إلى وجود حالات من الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز من دون محاكمة، وخضوع البعض لمحاكمات لا تراعي حقوق المدعى عليهم.

بموازاة ذلك قوبلت أنشطة هيئة الترفيه برفض شعبي واسع كونها تتنافى مع الروابط الدينية ولا تراعي القيم الدينية والمجتمعية.

وقد تصاعدت المعارك الكلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، والمقالات الصحفية والمواقع الإخبارية من قبل معارضي الهيئة تنديدًا بأدائها، وانتقادًا لأنشطتها.

وأطلق  العديد من السعوديين بعض الأوسمة على تويتر من بينها “هيئة الترفيه تسعى للتغريب” و”نبرأ لله من هيئة الترفيه” و”نحو ترفيه بناء” و”هيئة الترفيه تخالف الدستور”.

وذلك بهدف التعبير عن وجهة نظرهم التي ترى أن الأنشطة القائمة سببًا من أسباب نشر الرذيلة والفساد في المجتمع؛ كونها تقوم برعاية فعاليات غنائية وترفيهية مختلطة لم يعتد عليها المجتمع السعودي.

كما ظهر  على الجانب الآخر فريق من المؤيدين لأنشطة هيئة الترفيه بأوسمة مثل: “كلنا هيئة الترفيه” و”هيئة الترفيه تجمعنا” و”هيئة الترفيه تسعدنا”، والتي تعبر عن دعمهم للهيئة وتأييدهم لها.

وتُظِهر الأوسمة المتضادة حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع، الذي ظل متماسكًا على مدى العقود الماضية، ففي كل مرة تعلن فيها هيئة الترفيه عن مواسم ترفيهية أو مهرجات تفاعلية، تبرز ملامح الخلاف والغضب بين شرائح المجتمع السعودي على منصات التواصل الاجتماعي.

وفي حال لم يتم تدارك هذا الأمر، واستمر التباين على ما هو عليه، فإنه قد يُحدث اضطرابًا ثقافيًا واجتماعيًا، ينعكس سلبًا على الاستقرار داخل المملكة، خاصة إذا ما تداخل مع سوء الأحوال الاقتصادية.

وعند مراجعة فعاليات هيئة الترفيه نجد أن أغلبها يتركز في إقامة الحفلات الموسيقية والأمسيات الطربية المفتوحة، تلك التي لطالما وقف المجتمع السعودي ضدها، وأصبحت عنده من الممنوعات، نتيجة حالة الانسجام بينه وبين المؤسسة الدينية من جهة، وبين المؤسسة الدينية ومؤسسة الحكم من جهة أخرى.

الأهداف الاقتصادية لهيئة الترفيه

هناك مجموعة متشابكة من المصالح والأسباب دفعت حكومة السعودية إلى اتخاذ قرار إنشاء الهيئة العامة للترفيه في المملكة.

وقد تشابكت عدد من الأسباب الاقتصادية والسياسية التي وجهت القرار الحكومي في السعودية إلى إنشاء هيئة عامة للترفيه والترويح، ولعل أهم الأسباب الاقتصادية المنشئة للهيئة الآتي:

– استقطاب المستثمرين الأجانب

– جذب نفقات السعوديين السياحية في الخارج

– زيادة فرص العمل

لكن في مراجعة سريعة لإنجازات رؤية هيئة الترفيه، نجد أنها تعاني عددًا من أوجه القصور، فعلى الرغم من توسع أنشطة الهيئة منذ تأسيسها، وإحصاءات بياناتها الرسمية الصادرة عنها، إلا أن السعوديين لا يزالون يفضلون السياحة الخارجية ولا تزال أعدادهم قريبة من المستوى الذي كانوا عليه قبل إنشاء الهيئة.

ولم تستطع أنشطة الترفيه إلى الآن الحد من موجة السفر إلى الخارج، حيث بلغ عدد الزوار السعوديين إلى البحرين في النصف الأول من عام 2019 نحو 4.3 مليون زائر، مقارنة بـ4.2 مليون زائر في النصف الأول 2018، حسب ما صرح به أحد أعضاء هيئة البحرين للسياحة والمعارض “علي فولاذ”.

وبالحديث عن استبدال المملكة لمصادر دخلها النفطية بأخرى بديلة، فربما أنها بحاجة إلى وقت أطول، فعلى مدى ما يقرب 80 عامًا شكل النفط حوالي90 % من الموازنة العامة للمملكة، وتقريبًا كل عائدات الصادرات، وأكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي.

وبالتالي فإن الحديث عن خطة شاملة حول انتقال اقتصاد المملكة من الاعتماد الكلي على الصادرات النفطية إلى مصادر دخل أخرى، تبدو مهمة في غاية الصعوبة والتعقيد.

كما أن معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي قد انخفضت بشكل كبير، وهذا معناه بالتالي زيادة نسبة البطالة والفقر.

وقد انخفض معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي من 10لعام 2011 إلى -4,1 مليار ريال لعام 2020؛ وذلك نتيجة انخفاض نسبة مساهمة القطاع النفطي من50,71% عام 2011 إلى 23,15%عام 2020.

تحدي التأييد المجتمعي

التغيير الجاري في المملكة انطلق بشكل أساس بناء على رغبة نخبة سياسية معينة، وهو ما يجعل خطط التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومشاريع رؤية 2030 بمثابة خطط إصلاح فوقية على المجتمع.

وعندما سئل محمد بن سلمان عن أكبر تحد يواجهه في تطبيق رؤية 2030 خلال مقابلته في برنامج 60 دقيقة الأميركي عام 2019، ذكر “أن أكبر تحد هو أن يؤمن الناس بما نقوم به”.

وهذا يوحي بأن مسألة فرض التغيير ليست بالمهمة السهلة، وربما تنتج عواقب عكسية داخل المجتمع والمؤسسات الرسمية، خصوصًا أن بعض أفراد المجتمع يرون أن مقاومة التغيير، والقرارات المتعلقة بهيئة الترفيه مسألة ضرورية للحفاظ على العادات والسلوكيات التي نشأوا عليها، وهو ما يمكن وصفه بمرحلة التحدي.

التغيير في المملكة يجب أن ينبع من أفراد المجتمع أنفسهم حتى يسير في مساره الطبيعي، أما أن يشعر جزء كبير من المجتمع أنهم مهمشون وغير مرحب بهم لإبداء اعتراضهم على طريقة الترفيه المستحدثة، فإن ذلك قد ينتج آثارًا اجتماعية وخيمة.

إن إدارة التغيير بعيدًا عن المجتمع قد تنشئ رفضًا اجتماعيًا، قد لا يكون ظاهرًا في العلن؛ لكنه سيمتد شيئًا فشيئًا إلى أن يصبح كتلة يصعب التعامل معها.

وحينها قد يشكل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي، في حال لم يتم مراعاة مطالب الفئة الاجتماعية الرافضة لأنشطه هيئة الترفيه، التي ترى أن حصر الترفيه في الحفلات الغنائية وما جاورها فقط لا يلبي تطلعاتهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى