الانهيار الوشيك لاتفاق الرياض عنوان أخر لفشل آل سعود في اليمن
روج نظام آل سعود عن التوقيع على اتفاق الرياض الشهر الماضي للحل السياسي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن على أنه إنجاز سيتم البناء عليه لاحقا.
غير أن التطورات على الأرض وعدم المضي في التنفيذ الفعلي لاتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية في اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي أصبح يشكل عنوانا أخر لفشل آل سعود في اليمن.
قبل أيام صرح المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث أن اتفاق الرياض لا يسير على ما يرام محذرا من أن الاتفاق “إذا انهار، أعتقد أنها ستكون ضربة مدمرة لليمن”.
ففبعد أكثر من 40 يوماً على اتفاق الرياض، بات واضحاً أنّ هناك جهات متضررة منه، تدفع به إلى الزاوية التي حذّر منها مبعوث الأمم المتحدة، بالحديث عن الانهيار.
وليس خافياً على أحد أنّ “المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي ومن خلفه داعميه الإماراتيين، يواصلون التصرّف في عدن كما لو أنّ الاتفاق كُتب بلغة أخرى، وليس وفق بنود وخطوات واضحة المعالم.
يؤكد اليمنيون أنه يجب أخذ تحذير غريفيث من انهيار الاتفاق على محمل الجدّ، والعمل للحيلولة دون تحوله إلى أرشيف المرجعيات والاتفاقيات الموقعة مع وقف التنفيذ، خصوصاً أنّ التعثّر سيلقي بظلاله على أكثر من صعيد وحتى على إمكانية نجاح دور السعودية من عدمه في عدن.
وبهذا الصدد قال الكاتب اليمني ياسين التميمي إن كل ما حصدته السلطة الشرعية من اتفاق الرياض هو المرارة التي عبر عنها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي خلال لقائه مع قادة أحزاب تشكل أهم تحالف وطني في البلاد، لكنه يضاف إلى التشكيلات الضعيفة وعديمة الفعالية جراء سياسة الاستهداف التي تتبناها السعودية ضد حلفائها في اليمن.
وبإزاء انهيار وشيك لهذا الاتفاق، حذرت الأمم المتحدة على لسان مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث من ضربة مدمرة للبلاد قد تحصل إن حدث هذا الانهيار.
وفي الآن ذاته، بادر الرئيس هادي (في أحدث تحرك ينطلق من شعور بالمرارة تجاه تعثر الاتفاق الذي ترعاها السعودية) إلى التأكيد على أن تنفيذ الاتفاق بشكل كامل يعد المدخل الأساسي لعودة الدولة وتثبيت سلطاتها وتعزيز الوحدة الوطنية، قبل أن يرهن ضمان تنفيذه بحرص السعودية على هذا التنفيذ.
لم يتمكن الرئيس اليمني من العودة إلى عدن حتى الآن، ولم يُعلن عن تشكيل حكومة الكفاءات المكونة من 24 وزيرا، كما لم يتم تعيين المحافظين ومديري الشرطة في المحافظات الجنوبية وفقاً لما ينص عليه اتفاق الرياض، لأن كل هذه الاستحقاقات مرهونة أصلاً بعودة الرئيس التي تقتضي أن يجري قبلها؛ تموضع قوات الحماية الرئاسية في المقرات السيادية بالعاصمة السياسية المؤقتة عدن، ومن بينها قصر المعاشيق، وفقاً لما ينص عليه الاتفاق المتعثر.
من المفارقات التي تحضر إلى الذهن حيال تصريحات التحذير الصادرة عن المبعوث الاممي؛ أنها أُطلقت بمناسبة مرور عام كامل على اتفاق استوكهولم الذي يخص وقف الحرب في الحديدة وإنهاء حصار تعز، وتبادل الأسرى والمعتقلين، وهو اتفاق يترنح ويحيط به الفشل من كل الجهات.
إنها النتائج المرة التي تحصدها اليمن دون غيرها، ويتكبد عناءها اليمنيون وحدهم، وهم يرون المتدخلين الإقليميين والدوليين في شؤون بلدهم مزودين بصلاحيات خارقة لا تتوفر حتى لسلطتهم الشرعية، وهم يمضون في طريق خطر للغاية لا يقود اليمن سوى إلى المزيد من العنف والاحتراب والتمزق والانهيار.
اتفاقا استوكهولم والرياض صُمما ليكونا بديلين عن عملية سياسية شاملة ترتكز على مبادئ احترام السيادة الكاملة لليمن ووحدته والولاية الدستورية لسلطته الشرعية، وعلى ضرورة إنهاء مسببات الأزمة وفي مقدمتها التمرد والانقلاب، وهو أمر يسري على أحدث انقلاب في جنوب البلاد في العاشر من آب/ أغسطس؛ أداره وموله وساهم في تنفيذه وشرعنته التحالف نفسه بقيادة المملكة العربية السعودية.
تنتهج المملكة منذ بدء الأزمة والحرب في اليمن (للأسف الشديد) سياسة واضحة المعالم هدفها الأساسي تصغير السلطة الشرعية وتخليق عوالم سياسية جديدة متصارعة، رغم أنها اضطرت في لحظة حاسمة من تاريخ تدخلها إلى أن تخوض حرباً على الساحة اليمنية تحت مظلة الشرعية وبذريعة دعوة منسوبة إلى رئيس كان (أثناء تحليق الطيران الحربي فوق سماء بلاده) يتحسس الطريق الذي توصله بأول منفذ لسلطة عمان المجاورة بحثاً عن ملاذ آمن.
لا يمكن لعاقل أن يصدق أن السعودية (ناهيك عن الإمارات سيئة الصيت والشريكة الأكثر تأثيراً سلبياً بمجريات الأحداث العسكرية في اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية) كانت موفقة في طريقة أو أسلوب انحيازها للطرف الشرعي في اليمن أو التعامل معه؛ لأنها حين فعلت ذلك كانت قد جردت هذه السلطة من كل عوامل القوة والثبات والصمود والثقة والمصداقية ودعمت (يا للأسف) نزعة أصيلة في نهج الرئيس هادي، نشأت نتيجة تهميش عانى منه لسبعة عشر عاماً وهو يشغل المنصب الثاني في هرم الدولة، وكانت سبباً في دفعه إلى التماهي مع المخطط السعودي قصير النظر لتصفية قوى الربيع العربي.
لقد دعم الرئيس هادي فكرة استدعاء خصومه الجهويين في الغالب إلى ميدان الصراع لخوض نزال توهم أنه سوف ينهكهم جميعاً، بما يسمح له بقضاء فترة رئاسية خالية من المنغصات، والاستمتاع بعوائدها المادية.
نسي الرئيس أن من ركن إليهم من الداعمين الإقليمين المراوغين يمضون دون كلل وفي وضح النهار؛ في مصادرة القيمة السياسية والدستورية والقانونية والمعنوية لمقام الرئاسة، وتوزيع ما بقي من صلاحيات لهذا المقام على متمردين مأجورين يحملون مشاريع سياسية لا وطنية، ويستدعون التاريخ الأسود المطمور ويعيدون بعثه من جديد لاستعادة الفسيفساء المشائخية والسلاطينية في الجنوب، وسلطة الإمامة الكهنوتية في الشمال.
وهذه الأخيرة على وجه التحديد تجري على وقع نصائح بريطانية خبيثة لإحياء العلاقة غير المتكافئة التي سادت في منتصف القرن الماضي، بين الرياض وصنعاء في عهد الأئمة ومرتزقتهم في فترة حروب الدفاع عن الجمهورية نهاية الستينيات، يتلقاها السعوديون بإنصات وحماس كبيرين.