قالت “هيومن رايتس ووتش” الدولية إن النيابة العامة السعودية هي أداة رئيسية للقمع في المملكة، وتُستخدم لترويع المعارضين السعوديين السلميين بطرق مختلفة.
وذكرت المنظمة أن من تلك الطرق المضايقات، والاستدعاءات التي لا نهاية لها للاستجواب، والاحتجاز التعسفي، والمحاكمات الجائرة بتُهم ملفقة. علما أن رئيس النيابة العامة يتبع الديوان الملكي مباشرة.
وقالت المنظمة إنّه ينبغي للنيابة العامة السعودية وقف تحقيق قد يؤدي إلى اتهام مواطنة أمريكية تعيش في السعودية رسميا بالإخلال بالنظام العام.
تعتقد كارلي موريس (34 عاما) أن الادعاءات تتعلق بتصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي عبّرت فيها عن قلقها بشأن تأثير نظام ولاية الرجل التمييزي في السعودية عليها وعلى ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات.
ورد بحق موريس استدعاء قانوني، راجعته هيومن رايتس ووتش، للمثول أمام محكمة الادعاء العام في بريدة بمحافظة القصيم يوم 18 سبتمبر/أيلول 2022.
والمادة 103 من “نظام الإجراءات الجزائية” السعودي، المذكورة في الاستدعاء، تسمح للنيابة العامة باعتقال أو احتجاز الشخص الخاضع للتحقيق.
قالت سارة ياغر، مديرة المناصرة في مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن: “تبعث السلطات السعودية مرّة أخرى برسالة مفادها أنّ أي شخص ينتقد قوانينها السلطوية والتمييزية قد يُستهدف بالاعتقال والمحاكمة”.
وأضافت أن “على المسؤولين الأمريكيين الاستجابة لنداء كارلي موريس للحصول على مساعدة، وفعل ما بوسعهم لحمايتها وابنتها من قمع السعودية حليفتهم”.
قالت موريس لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعتقد أن التحقيق مرتبط بتغريدات نشرتها في أبريل/نيسان 2022 كتبت فيها أن نظام ولاية الرجل السعودي يعيق قدرتها على مغادرة السعودية مع ابنتها، أو أداء واجباتها كأم، مثل الحصول على الرعاية الطبية، أو اتخاذ قرارات بشأن تعليم ابنتها دون موافقة زوجها السابق.
بموجب القانون السعودي، يمكن للرجل فقط أن يكون ولي أمر الأولاد، بينما لا تستطيع المرأة ذلك، وتكون سلطة على حياة أولادها محدودة جدا. تواجه النساء الأجنبيات قيودا أكبر.
في أغسطس/آب، نشر موقع “ميدل إيست أي” تقريرا عن قضية موريس. قالت موريس إن زوجها السابق أخبرها في مايو/أيار أنه رفع ضدها قضية تشهير بسبب تغريداتها، لكن استدعاء المحكمة الذي جاءها في سبتمبر/أيلول أشار فقط إلى الإخلال بالنظام العام، وهي تهمة لا يزال أساسها غير واضح.
و”الإخلال بالنظام العام” تهمة فضفاضة غالبا ما توجه إلى المعارضين السعوديين وغيرهم ممن يعبرون عن آرائهم. قالت موريس إنها تخشى أن يسعى المسؤولون السعوديون إلى محاكمتها بسبب ما كتبته على الإنترنت عن وضعها.
وُلدت ابنة موريس، تالا (8 سنوات)، في أمريكا. اقترنت موريس بزوجها في عام 2013 وتطلقا في 2018. في أغسطس/آب 2019، دخلت هي وابنتها إلى السعودية لكي تؤدي ابنتها زيارة قصيرة لزوجها السابق.
قالت موريس إنه فور وصولهما، صادر زوجها السابق جواز سفرهما وشهادة ميلاد تالا الأمريكية، ورفض إرجاع الوثائق لعدة أشهر. قالت إن زوجها السابق استخدم الوثائق لتقديم طلب الجنسية السعودية لابنتهما، ونجح في ذلك، دون علمها أو موافقتها.
في حين قالت موريس إن زوجها السابق أعاد إليها جواز سفرها بعد ذلك، أكدت أنه ما يزال يحتفظ بجوازَي تالا الأمريكي والسعودي وشهادة ميلادها كـ “رهينة”، وأخفى البطاقة العائلية لتالا حتى هذا الأسبوع.
في غياب هذه الوثائق، وبدون موافقة زوجها السابق بصفته الولي الشرعي لتالا، لا تستطيع موريس مغادرة البلاد مع ابنتها.
رغم أنّ موريس تبقى الحاضنة الأولى لابنتها في السعودية، إلا أنها قالت إنها، بدون وثائق ابنتها، لا تستطيع اتخاذ قرارات هامة تتعلق بتعليمها، أو تسهيل علاجها، أو الاستفادة من “صندوق النفقة” الذي أنشأه “بنك التنمية الاجتماعية” السعودي أو معاش الضمان الاجتماعي، اللذين من المفترض أن تستفيد منهما لكونها أُما مطلقة لطفلة سعودية في المملكة.
قالت موريس إن فرع “المديرية العامة للجوازات” في بريدة رفض أكثر من مرة محاولاتها الحصول على وثائق هوية لابنتها. كما طلبت الوثائق من مكتب الأحوال المدنية، حيث أخبرها المسؤولون أنه “لا يُسمح” لهم بإصدار نسخ للأمهات الأجنبيات.
تسمح التعديلات التي أدخلتها السعودية عام 2016 على “نظام الأحوال المدنية” للأمهات والأرامل السعوديات وغير السعوديات بالحصول على وثائق الهوية الهامة لأطفالهن، بما فيها البطاقات العائلية، دون موافقة ولي الأمر الرجل.
قالت مورس إنها بدأت في أبريل/نيسان 2022 نشر تغريدات عن وضعها، لكنها مسحتها بعد ذلك. راجعت هيومن رايتس ووتش التغريدات التي مسحتها موريس، والتي عرّفت فيها عن نفسها كأم تعيش في السعودية وتلتمس المساعدة في الحصول على وثائق لابنتها.
أضافت موريس أنها استُدعيت إلى مركز شرطة بريدة للاستجواب في أواخر مايو/أيار. وهناك، تم اطلاعها على “ملف كبير” يحتوي على “لقطات شاشة [لصفحتها] على تويتر” وأخرى لرسائل “واتساب” تؤكد موريس أنها ليست لها.
قالت إنها لا تستطيع تحمل تكاليف محامي وتحتاج إلى مساعدة في الترجمة.
أكدت هيومن رايتس ووتش أن على مسؤولي السفارة الأمريكية في السعودية تسهيل وصول موريس إلى ممثل عن السفارة ومترجم فوري من اللغة العربية في جلسة الاستدعاء. كما عليهم مساعدتها في الحصول على وثائق هوية ابنتها من المديرية العامة للجوازات ومكاتب الأحوال المدنية.
رغم الإصلاحات الأخيرة في حقوق المرأة، ومنها السماح للنساء فوق سن 21 سنة، أسوة بالرجال، بالحصول على جوازات سفر والسفر إلى الخارج دون إذن ولي الأمر، ما زال يتعين على المرأة السعودية الحصول على موافقة ولي الأمر للزواج، ومغادرة السجن، أو الحصول على بعض أنواع الرعاية الصحية.
كما تستمر المرأة في مواجهة التمييز في مسائل الزواج، والأسرة، والطلاق، والقرارات المتعلقة بالأطفال، بما فيها الحضانة. قنّن قانون الأحوال الشخصية، الذي تم اعتماده في مارس/آذار 2022، التمييز ضدّ المرأة، بما في ذلك بالتنصيص على ضرورة أن تحصل المرأة على إذن من ولي الأمر للزواج، وإطاعة زوجها بعد ذلك.
أدانت المحاكم السعودية مؤخرا امرأتين أخريين على الأقل وحكمت عليهما بتهم مماثلة بسبب التعبير السلمي على الإنترنت.
إذ في 9 أغسطس/آب، قضت محكمة استئناف بسَجن سلمى الشهاب، وهي طالبة دكتوراه سعودية في “جامعة ليدز”، 34 عاما بتهمة الإخلال بالنظام والنسيج الاجتماعي.
وفي اليوم نفسه، حكمت على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن 45 عاما بتهمة استخدام الإنترنت لزعزعة النسيج الاجتماعي.
قالت ياغر: “كثّفت السلطات السعودية قمعها ضد التعبير السلمي منذ زيارة الرئيس بايدن لجدّة في يوليو/تموز. تخلّي بايدن عن وعده بمحاسبة السعودية على انتهاكاتها الواسعة لم يؤدِ سوى إلى مفاقمة القمع الوحشي، لا سيما ضدّ النساء”.