سياسات آل سعود تجر المملكة نحو أعمق اضطراب شامل
تتجه المملكة نحو أعمق اضطراب مالي عبر تفاقم الأزمات الاقتصادية جراء جائحة فيروس العالمية وانخفاض أسعار النفط، فيما توقع موقع بريطاني أن تشتعل مقاومة نهب خيرات المملكة قريبا.
وتحت عنوان “التحول الجذري الذي سيفاقم الأزمة الاقتصادية السعودية”، نشرت شبكة “بلومبرغ” الإعلامية، مقالها الذي استعرض انهيار أسعار النفط، وإجراءات الإغلاق للحد من انتشار فيروس “كورونا”.
وأعلنت حكومة آل سعود على لسان وزير المالية محمد الجدعان قل أيام، عن زيادة ضريبة القيمة المضافة وخفض الإنفاق الحكومي في إطار حزمة من الإجراءات التقشفية الجديدة.
وبينما تقول الحكومة إن النفقات الإجمالية ستبقى متماشية بشكل عام مع تريليون ريال (266 مليار دولار) المحددة في ميزانية 2020، فإن القرار بزيادة ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أضعاف، وخفض مخصصات الموظفين الحكوميين سيضر بالاستهلاك وبالقطاع الخاص الذي يعد مفتاحًا لرؤية الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
وفي حين أن رفع ضريبة القيمة المضافة من شأنه أن يساعد على كبح جماح عجز الموازنة الآخذ في الاتساع، إلا أنه سيجعل السعودية أقل قدرة على المنافسة مقارنة بدول الخليج الأخرى فيما يتعلق بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
ووصف “جيمس ريف” كبير الاقتصاديين بمجموعة سامبا المالية، الإجراءات الجديدة، بـ “الجذرية” تؤكد خطورة التحديات التي تواجه المملكة، كما أنها تبعث برسالة إلى الأسواق مفادها أن السلطات مستعدة لاتخاذ خيارات صعبة لإبقاء العجز ضمن الحدود، لكن الجانب السلبي لها هو أن أنها تمثل ضربة أخرى لقطاع التجزئة الذي يعاني من الأصل”.
هذا التحول الجذري الذي أعلنه وزير المالية السعودي أجبر المحللون على خفض توقعاتهم الخاصة بنمو أكبر اقتصاد في العالم العربي للمرة الثانية في غضون أسابيع قليلة فقط، حيث خفض “ريف” من مؤسسة سامبا من توقعاته لعام 2020 وخفض النمو بنسبة 3.7 في المئة، بينما يعتقد “جياس غوكنت” من شركة “جي بي مورغان تشيس” الآن أن توقعه للانكماش العام بنسبة 3 في المائة متفائل للغاية.
وعدّل بلال خان من مؤسسة “ستاندرد تشارترد” تقديراته بانخفاض النمو بنسبة 5 في المائة.
وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية للمملكة وهي مفتاح حماية ربط الريال بالدولار، بمبلغ قياسي بلغ 27 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي، عندما سارعت المملكة السعودية بمواجهة تراجع أسعار النفط من خلال الدخول في حرب أسعار مع روسيا.
وفي ظل عدم الرغبة في تخفيض قيمة العملة، والضغط لاحتواء العجز الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي بأن يصل إلى حوالي 13 في المائة من الناتج هذا العام، يبقى للمملكة خيارات محدودة. فالحكومة جمعت بالفعل حوالي 20 مليار دولار من أسواق الديون الدولية والمحلية منذ نهاية عام 2019.
وفي منطقة ركزت معظم صناعتها غير النفطية على قاعدة انخفاض الضرائب والعمالة الأجنبية الرخيصة، سيكون التحدي الذي تواجهه المملكة العربية السعودية هو البقاء في حلبة المنافسة مع الدول المجاورة التي لا زالت الضرائب منخفضة لديها.
ويقول “جون سفاكياناكيس”، مدير البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث: “تستغل الحكومة هذه الأزمة لفرض تخفيضات ضرورية على أجور القطاع العام، وسيكون هذا إيجابيًا على المدى الطويل، لكن رفع ضريبة القيمة المضافة سيؤثر على الاستهلاك ويضر بالقدرة التنافسية”.
لكن الأمر ينطوي كذلك على مقامرة سياسية لولى العهد محمد بن سلمان، الذي عكس مساره بعد محاولاته السابقة لخفض الأجور العامة بعد تذمر المواطنين. “فلطالما استخدمت المملكة ثروتها النفطية للحفاظ على منافع الدولة السخية، مثل أسعار الوقود المدعومة وتقديم المنح الدراسية للمواطنين”.
ومن المرجح أن تراقب المملكة ردود الفعل في الداخل السعودي من كثب، وقد تغير المسار في حالة وجود سخط واسع. فخلال آخر هبوط لأسعار النفط بين عامي 2014 و2016، تم إلغاء أو تخفيف العديد من تدابير التقشف بعد حدوث رد فعل عنيف من قبل السعوديين.
وفي عام 2017، وبعد سبعة أشهر من قيام المملكة بوقف عدد كبير من البدلات للعاملين في القطاع العام، أعادتها مرة أخرى. وبينما قال المسؤولون آنذاك إن ذلك يرجع إلى تحسن الوضع المالي للحكومة، تم الإعلان عن قرار إعادة البدلات فور ظهور دعوات للاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول “راتشنا أوبال”، كبير المحللين بشركة الاستشارات السياسية “كاستيلاريغ أسوشيتس”: “رغم عدم شعبية القرارات الجديدة، ستحرص المملكة على التأكيد للسكان أن هذه الإجراءات ضرورية من أجل نموذج اقتصادي أكثر استدامة. إن هذه التدابير بعيدة المدى، وستضرب السعوديين في وقت يكافح فيه العديد من الشركات بالفعل وسط نشاط اقتصادي مقيّد بشدة”.
واليوم، وحتى إذا اشتكى المواطنون فيما بينهم من تأثير القرارات على دخولهم، فإن احتمال قيامهم بذلك علنًا قليل للغاية، بسبب مناخ الخوف الذي نشأ مع خنق آل سعود الحكومة لأي معارضة داخلية.
وبعد إضاعة شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان في ضخ المزيد من النفط، عكست السعودية الآن مسارها. وأعلنت عن تخفيض قدره مليون برميل يوميا خلال يونيو/حزيران المقبل، مما يعني إجمالي تخفيضات الإنتاج من أبريل/نيسان إلى 4.8 مليون برميل.
وقبل خمس سنوات فقط، كانت الضرائب أمرًا غير متوقع تمامًا في المملكة العربية السعودية. غير أن اضطراب أسعار النفط في عام 2014 دفع الأمير محمد بن سلمان إلى تغيير النموذج الاقتصادي عندما وصل إلى السلطة.
وفي مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني بعنوان “الأزمة المالية السعودية ستشعل مقاومة لنهب الدولة”، كتبت مضاوي الرشيد أن المملكة تطالب الشعب بتحمل إجراءات تقشفية، لكنها تساءلت منتقدة عن مليارات الدولارت التي تنفق على العائلة المالكة السعودية والمشاريع الضخمة والأسلحة؟.
وأشارت مضاوي -وهي أستاذة زائرة في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد- إلى إعلان السلطات السعودية عن إجراءات غير مسبوقة لإنقاذ مواردها المالية من انهيار وشيك، بسبب ما وصفته بسوء الإدارة وليس جائحة “كورونا” أو انهيار أسعار النفط.
وقالت إن هذه الإجراءات هي محاولات يائسة لإنقاذ اقتصاد كان يُنهب لأجيال، وأن هذه الخطوة هي البداية فقط حيث قد تلجأ المملكة إلى الحل النهائي بتقليص الوظائف في القطاع العام وخفض رواتب موظفي الدولة الحاليين، أو ببساطة تجد نفسها عاجزة عن دفع رواتبهم نهائيا.
وأضافت أنه مع عدم ظهور علامة على تحسن أسعار النفط، واستمرار تفشي فيروس “كورونا” في أنحاء العالم وداخل البلد، ليس من المؤكد أن الزيادة الجديدة في ضريبة القيمة المضافة وتعليق بدل المعيشة سيولد مدخرات كافية للدولة لتعويض الخسائر الجسيمة.
ورأت الكاتبة أن الآثار السياسية للأزمة تفوق هذه التدابير المحدودة واليائسة التي لن تكون في حد ذاتها كافية لوقف الانزلاق نحو المجهول.
وقالت إن العقد الاجتماعي السعودي بني على التمني وليس على تقييم دقيق للعلاقات بين الدولة والمجتمع السعودي. ومنذ اكتشاف النفط عام 1933 لم يتوقف السعوديون أبدا عن تحدي حكومتهم حتى في أوقات الثراء والبحبوحة.
وانتقدت مضاوي مطالبة آل سعود الشعب بتحمل إجراءات التقشف بينما يتلقى الأمراء وفروعهم المباشرة رواتب شهرية من خزائن الدولة، ناهيك عن الامتيازات الأخرى التي تهدف إلى إبقاء مجموعة كبيرة من الأمراء مشغولين برحلات الصيد والعطلات الفاخرة في المنتجعات الأوروبية وشراء ملاعب كرة القدم وعقارات في الداخل والخارج.
وأشارت الكاتبة إلى أن آل سعود لا يزالون صامتون بشأن التكلفة السرية لمثل هذه الرواتب التي يتقاضاها آلاف الأمراء العاطلين كل شهر، لمجرد الانتماء إلى “الأسرة المختارة” الذين يمنحهم نسبهم إلى آل سعود مبلغا شهريا ضخما من خزائن الدولة، دون أن يظهر في بيان الميزانية أو في الموازنة.
وأضافت أنه على الصعيد الإقليمي، أدى إنفاق المليارات على عرقلة الانتفاضات في العديد من البلدان العربية وشنّ حرب في اليمن إلى تسريع استنزاف الثروة، كما أن الإنفاق الضخم على الأسلحة الذي لا يوفر الأمن الداخلي ولا يضمن السلام في منطقة مضطربة يظل خارج نطاق النقد أو التدقيق.
وانتهت مضاوي في مقالها إلى أن التآكل التدريجي لخدمات الدولة ورواتبها، إلى جانب ارتفاع أسعار الاستهلاك واحتمال استمرار وطأة الفقر، سيكون هو الشرارة لحقبة جديدة من سياسات المعارضة التي أفرزها سوء الإدارة الكارثي للدولة تحت قيادتها الحالية.