عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه من استمرار سلطات آل سعود في سياسة الضغط النفسي على معتقلي الرأي في سجونها والضغط على ذويهم من خلال حرمانهم من الزيارات والتواصل المنتظم مع عائلاتهم.
وحاء تخوف المرصد الحقوقي، عقب إفادة عائلتا المعتقلين في سجون المملكة، الداعية د. سلمان العودة والناشطة لجين الهذلول، عبر تويتر، انقطاع الاتصالات معهما منذ شهرين.
تستمر السلطات #السعودية في سياسة الضغط النفسي على المعتقلين وذويهم من خلال حرمانهم من حقهم في التواصل المنتظم. مر شهران على آخر تواصل بين الداعية المعتقل #سلمان_العودة وعائلته، وقبل ذلك حُرمت #لجين_الهذلول من التواصل مع ذويها لنحو شهر. السلامة والحرية لكافة معتقلي الرأي@aalodah pic.twitter.com/Lux0Ey5ih8
— المرصد الأورومتوسطي (@EuroMedHRAr) July 7, 2020
وقال “عبدالله”، نجل الشيخ سلمان: “الآن صار شهرين بعد آخر اتصال للوالد.. وجاء هذا الانقطاع في ظروف حساسة، ولم يتصل الوالد للمعايدة ولابعدها”.
وأضاف: “هذا التعامل اللإنساني يضاف لسلسلة الأذى والابتزاز والتعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين وأهاليهم في السعودية”.
الآن صار شهرين بعد آخر اتصال للوالد #سلمان_العودة ، وجاء هذا الانقطاع في ظروف حساسة، ولم يتصل الوالد للمعايدة ولابعدها.
هذا التعامل اللإنساني يضاف لسلسلة الأذى والابتزاز والتعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين وأهاليهم في السعودية.أسأل الله أن يفرّج عن الوالد وكل المعتقلين تعسفياً. pic.twitter.com/ykDCEymf6X
— د. عبدالله العودة (@aalodah) July 7, 2020
وعبرت الناشطة الحقوقية علياء أبو تايه الحويطي عن استياء المعلقين من التعسف بأوضاع معتقلي الرأي، مغردة: “سلمان العودة مخطئ من يظنه فرداً.. الشيخ يمثل ملايين البشر في عالمنا العربي والإسلامي مُتجذراً في قلوب ملايين الملايين”.
وأضافت: “قاعدته ثابتة وعلمه خالد، وعمله مشرف، وقدوة يُقتدى بها، وجب الإفراج عنه فوراً، إن سمعة النظام السعودي تنتحر بمسها بأشخاص بثقل العودة ومصداقيته وقيمته لدى الشعوب”.
#سلمان_العوده مخطئ من يظنه فرداً .الشيخ يمثل ملايين البشر في عالمنا العربي والإسلامي مُتجذراً في قلوب ملايين الملايين ، قاعدته ثابته وعلمه خالد ، وعمله مشرف ، وقدوة يُقتدى بها، وجب الإفراج عنه فوراً ، إن سمعة النظام تنتحر بمسها بأشخاص بثقل العوده ومصداقيته وقيمته لدى الشعوب. https://t.co/dsRHKiBMa9
— علياء أبوتايه الحويطي (@Alya_Alhwaiti) July 7, 2020
وأفادت “علياء الهذلول”، شقيقة “لجين”، بأن “هناك سرا غامضا لعدم السماح للجين ولمعتقلي الرأي من التواصل مع ذويهم”، مضيفة أن “كل تجاوز للأنظمة والقوانين من مسؤولين وموظفي الدولة من كبار وصغار سيُحقق معه.. يجب أن تكون دولتنا دولة مؤسسات وليس دولة شخصيات”.
هناك سر غامض لعدم السماح للجين ولمعتقلي الرأي من التواصل مع ذويهم.
كل تجاوز للأنظمة والقوانين من مسؤولين وموظفي الدولة من كبار وصغار سيُحقق معهم بإذن الله.
يجب أن تكون دولتنا دولة مؤسسات وليس دولة شخصيات.
— علياء الهذلولAlia al-Hathloul (@alia_ww) July 7, 2020
وسبق أن كرمت فرنسا ناشطة حقوق الإنسان لجين الهذلول المعتقلة على خلفية الرأي في سجون نظام آل سعود بفوزها بجائزة الحرية 2020.
ويشكل فوز لجين بالجائزة الدولية المرموقة إحراجا بالغا لنظام آل سعود الذي يواصل اعتقالها والمئات من معتقلي الرأي بشكل تعسفي منذ 15 أيار/مايو من عام 2018 ضمنَ حملة اعتقالات شملت ناشطين وناشطات في مجال حقوق الإنسان بمن في ذلكَ عزيزة اليوسف وإيمان النفجان.
والمفكر العودة، حسبما كشف نجله الأكاديمي عبد الله، مر باعتقال مرير من قبل نظام آل سعود، ومراحل تعذيبه وتدهور حالته الصحية، وتغير القضاة عدة مرات في محاكمته، ورفض سلطات آل سعود وجود أي من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والدولية في جلسات المحاكمة.
وبدأت حكاية اعتقال العودة، في التاسع من سبتمبر/أيلول عام 2017، من داخل بيته في العاصمة السعودية الرياض، حسب إفادة الابن، في حلقة حملت عنوان “الشيخ” ضمن بودكاست “السعودية العظمى”، الذي تدعمه منظمة “العفو الدولية”.
ويأتي بث الحلقة في مايو/ أيار بعد 3 أيام من إذاعة مكالمة هاتفية للشيخ العودة (63 عاما) من داخل محبسه مع كل من والدته وابنته، وبدا فيه صوته متعباً.
وقال عبد الله العودة: إن والده العالم الشرعي والشخصية الفكرية المعروفة، سمع في السادسة مساء رنين الهاتف، فبادر ورفع السماعة ليفاجئه شخص يلقي عليه التحية ويسأل عنه، ثم سرد عليه قصة شخصية “يا شيخ أنا مرة كنت في مطعم كذا وذهبت إلى المسجد الفلاني”، ما أثار استغراب الشيخ العودة، إذ ذكر المتصل تفاصيل المطعم الذي زاره العودة في ذات اليوم والمسجد الذي صلى فيه أيضاً، “ما يعني أن المتصل كان يراقبه طوال اليوم”.
وأشار عبد الله إلى أن المتصل كان يتعمد تأخير المكالمة وإشغال الشيخ سلمان بقدر ما يمكنه من وقت، وفي أثناء المكالمة، رن جرس المنزل، وبالتزامن قام صاحب المكالمة بإغلاق الهاتف، وكأن المتصل، بحسب ما يقول العودة الابن، أراد إشغال الأب لحين قدوم رجال الأمن.
وأضاف: “حين فُتح الباب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الناس بلباس مدني، عرفوا أنفسهم على أنهم من جهاز أمن الدولة، وحينما سألهم الوالد عن القصة لم يخبروه، وحينما سألهم عن إثباتاتهم لم يبرزوها، وقاموا بتفتيش البيت رغم عدم وجود إذن عدلي أو قضائي”.
وروى الابن تفاصيل مؤثرة لرؤية الأطفال الصغار وهم يشاهدون والدهم يُعتقل – قبل أشهر بسيطة ماتت أمهم وشقيقهم في حادث ولا يريدون أن يفقدوا أباهم – ويسألونه إلى أين يا بابا فيلتفت وينظر لهم وهو عند الباب محاط بأمن الدولة، ويقول “قريب وراجع إن شاء الله لا تخافوا”.
وتابع عبد الله: “رجال أمن الدولة قالوا لأخي الآخر لا تقلق الموضوع كله ساعات أو فترة بسيطة وسيُحل ولا تخبر أحدا، حرفياً قالوا: تلك الكلمة التقليدية التي تقولها كل أنظمة الاعتقال الشمولية في العالم (شوية وراجع)، انقضى الوقت والصغار لا يغلقون باب البيت أبدا لعله يدخل فجأة كما كان يفعل من قبل”.
وبعد مضي خمسة أشهر من دون تواصل واتصال، بحسب ما يقول العودة، وسط تزايد الإشاعات والجو المخيف، تواصل شخص مجهول من مستشفى السجن مع عبد الله العودة وأخبره أنه رأى والده في المستشفى وهو في العناية المركزة بوضع صحي حرج، فقام الابن بنقل هذا التخوف للعالم وتسريب الخبر والمطالبة بالكشف عن مكانه.
ويشرح طريقة معاملة والده في السجن: “علمنا لاحقاً بعد السماح بالزيارة أنه مر بظروف سيئة جداً، تقييد اليدين والرجلين داخل الزنزانة، تغميض العينين، حرمانه من الأكل والشرب أثناء التحقيق، والتحقيق معه لأيام متواصلة من دون نوم، لدرجة أن يتناوب عليه المحققون، كانوا يقذفون له الأكل في أكياس وهو مقيد اليدين فيفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه، والأسوأ كانت طريقة نقله من مكان لآخر حينما يقذفون به في مؤخرة السيارة ويسرعون بها حتى يضرب السقف ثم يرتطم بالأرض، كل ذلك وهو الشيخ الستيني، حتى ارتفع ضغطه وتردت حالته، ما أوصله بالفعل للمستشفى”.
وفيما يتعلق بالتهم التي وُجهت لوالده أثناء التحقيق، قال عبد الله: “كان المحققون يسألون عن كتاباته وتغريداته ومشاركاته المرئية والمسموعة، لأنها هي التهم في نظرهم، لم يكن هناك أسرار ولا خفايا ولا أشياء غريبة ولا جديدة”.
وأكد العودة أن المحققين قالوا لوالده إن “حياده في الأزمة القطرية وعدم انخراطه فيها كان خيانة” وهي تهم فضفاضة عادة ما يتم توجيهها إلى معتقلي الرأي.
وعاد الابن بذاكرته لتفاصيل المحاكمة التي تعرض لها والده، إذ يقول: “فصل أكثر رعبا بدأ بمحاكمة غامضة في ظروف سرية وبمحكمة اعتقل نصف قضاتها قبلها بفترة وجيزة”.
ووصف الجلسة، التي بدأت في يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول عام 2018 باليوم الذي لا ينسى، إذ طالبت النيابة بقتل العودة تعزيراً بناء على 37 تهمة، حكى الابن لأول مرة بعض تفاصيلها فقال: إن “منها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالمية وتأليب الرأي العام وإثارة الفتنة، وتهم سخيفة أخرى مثل حيازة كتب محظورة واستقبال رسالة في الجوال مناهضة للتوجه الحكومي”.
وأوضح العودة أن من بين التهم أيضاً: “السخرية من منجزات الحكومة، ووصف الحكومة السعودية بالاستبداد، وتهمة أخرى هي وصف الحكومة السعودية بالاستئثار بالثروات”.
واتهم العودة في البودكاست “سعود المعجب” القاضي المتخصص في الأنكحة والزواجات، الذي قام العاهل السعودي بتعيينه نائباً عاماً في النيابة العامة الجديدة، رغم محدودية خبراته ومعرفته في القانون الجنائي، بالسماح للحكومة بالسيطرة عليه، وتسليم النيابة العامة لتصبح “أداة بيد الاستبداد”، بحسب ما يقول.
وخلال محاكمة الداعية والأكاديمي العودة كغيره من معتقلي الرأي ، تغير القضاة عدة مرات، وفي كل الجلسات رفضت السلطات حضور أي طرف مستقل من المنظمات الدولية أو المؤسسات الحقوقية المستقلة، كما أكد عبد الله أن والده لا يزال في الحبس الانفرادي رغم أن حادثة اغتيال خاشقجي أدت بالحكومة إلى الارتباك في الإجراءات القضائية.
وتُعد هذه الشهادة، التي بثها عبد الله العودة، أول شهادة كاملة لحادثة اعتقال الشيخ سلمان العودة، وتحكي بالتفصيل وحشية أجهزة الأمن السعودي المشكلة حديثاً مثل جهاز أمن الدولة، وفساد إجراءات النيابة العامة وتدخل السلطات السعودية في عمل القضاء في البلاد وسط حالة من انعدام الشفافية.
والشيخ سلمان، واحد من مئات العلماء والناشطين من معتقلي الرأي في سجون المملكة، وهو داعية إسلامي، وعالم دين، ومفكر سعودي، ومقدم برامج تلفزيونية، حاصل على ماجستير في السُّنة في موضوع “الغربة وأحكامها”، ودكتوراه في السُّنة في شرح بلوغ المرام /كتاب الطهارة)، كان من أبرز ما كان يطلق عليهم مشايخ الصحوة في الثمانينات والتسعينات، وله عشرات المؤلفات الدينية.
اعتقلته سلطات آل سعود لعدة سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه والسماح له بإقامة المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.
وفي 15 مارس 2013، وجّه العودة خطابًا مفتوحًا لآل سعود وخصوصًا وزارة الداخلية، مطالبًا بأن يتم إطلاق سراح معتقلي الرأي، وامتصاص الغضب الشعبي المتعاظم فيما يتعلق بملف المعتقلين آنذاك.