نظام آل سعود وعقود من تسيس إدارة الحرمين
عندما يصل 1.7 مليون حاج هذا الأسبوع لأقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض “مكة المكرمة”، سيجري تذكيرهم فوراً بأنَّ أسرة آل سعود الحاكمة في المملكة هي الراعي الوحيد المسؤول عن هذا المكان.
بهذه الجملة الصادمة استهلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية تقريراً لها حول نهج السعودية على مدى تاريخها في استغلال الحج لتحقيق أغراضها السياسية.
ويلفت التقرير إلى أنه في هذه البقعة المقدسة، هناك صور كبيرة مُعلَّقة للملك سلمان بن عبد العزيز ومؤسس البلاد عبد العزيز آل سعود في ردهات الفنادق في جميع أنحاء المدينة.
ويسلِّط أحد الأبراج العملاقة الذي يحمل اسم سلف الملك سلمان، الملك عبد الله بن عبد العزيز، أضواء الفلورسنت الخضراء على المتعبِّدين في الحرم أدناه. بالإضافة إلى تسمية جناح جديد كبير من المسجد الحرام في مكة المكرمة باسم ملكٍ سعودي سابق، بينما يحمل أحد مداخل المسجد اسم ملكٍ آخر.
ويعلق التقرير قائلاً “وهذه ليست سوى طريقةٍ واحدة من الطرق العديدة التي تستغل بها المملكة العربية السعودية إشرافها على فريضة الحج لتعزيز مكانتها في العالم الإسلامي، والنكاية في خصومها، من إيران وسوريا إلى قطر. وحاولت عدوتها اللدودة، القوة الشيعية إيران، بدورها، استغلال الحج لتقويض المملكة.
ليست المرة الأولى
لطالما كانت فريضة الحج جزءاً من السياسة السعودية، حسب أسوشيتد برس.
فعلى مدار نحو 100 عام، كانت أسرة آل سعود الحاكمة تُقرِّر مَن يدخل مكة المكرمة ومن يخرج منها، ووضعت حصصاً معينة لتحديد عدد الحجاج الوافدين من مختلف البلدان الأخرى، وسهَّلت إجراءات تأشيرات الدخول عن طريق السفارات السعودية في الخارج، ووفَّرت أماكن لإقامة مئات الآلاف من الحجاج في مكة المكرمة وحولها.
وكانت المملكة العربية السعودية تحصل على الإشادة لحُسن إدارتها الحشود الهائلة التي تتوافد على مكة سنوياً، لكنَّها كانت تتعرَّض للوم حين تسوء الأمور في أثناء الحج.
وحَمَل جميع الملوك السعوديين، ومن قبلهم الحكام العثمانيون في منطقة الحجاز، لقب خادم الحرمين الشريفين.
وقال علي الشهابي، مدير “المؤسسة العربية للأبحاث”، وهو مركزٌ بحثي موالٍ للسعودية في العاصمة الأميركية واشنطن: “أيَّا كان من يسيطر على مكة المكرمة والمدينة والمنورة، فإنَّه يحظى بقوة ناعمة هائلة. وكانت المملكة السعودية حريصةً كل الحرص منذ اليوم الأول على عدم منع أي مسلم من أداء فريضة الحج، حتى لا تُتَّهم باستغلال الحج لأغراضٍ سياسية”.
مع ذلك، قالت الحكومة السورية إنَّ السلطات السعودية تواصل فرض قيودٍ على المواطنين السوريين، الذين يتطلَّعون لأداء فريضة الحج. ويُذكَر أنَّه لا توجد علاقات دبلوماسية بين السعودية وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، ومنذ العام 2012، تطالب السعودية جميع السوريين المتطلعين لأداء فريضة الحج بالحصول على تأشيرات دخول في بلدان ثالثة، عن طريق “لجنة الحج العليا السورية” الخاضعة لسيطرة الائتلاف الوطني السوري، وهو أحد مجموعات المعارضة السياسية.
قطر والحيلة الجديدة: صار الحج أكثر تداخلاً مع السياسة في أعقاب الأزمة بين المملكة العربية السعودية وقطر، بعدما قطعت المملكة وثلاث دول عربية أخرى كافة العلاقات الدبلوماسية ومسارات النقل مع الدولة الخليجية الصغيرة هذا العام، 2017. وفي خطوةٍ مفاجئة هذا الشهر، أغسطس/آب، أعلنت المملكة العربية السعودية أنَّها ستفتح حدودها أمام الحجاج القطريين الراغبين في أداء فريضة الحج، وأنَّ الملك سلمان سيوفر رحلات طيران وأماكن إقامة للقطريين في أثناء الحج.
ومع ذلك، أعلن السعوديون هذه الإجراءات من جانبٍ واحد، وقال غيرد نونمان، أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الخليج بجامعة جورجتاون في قطر، إن الخطوة السعودية كانت “حيلة دعائية واضحة”.
وأضاف: “نظراً إلى أنَّ الحضور القطري في الحج قد تأثَّر حتماً بالمقاطعة، فإنَّ الحج كان مُسيَّساً بحكم الأمر الواقع، وما من وسيلة لتفادي ذلك”.
وأعلنت حكومة قطر ترحيبها بهذه الخطوة لتسهيل أداء فريضة الحج، لكنَّها دعت السعودية كذلك إلى “الكف عن استغلال (الحج) كأداة تلاعبٍ سياسي”.
وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قد قدَّمت من قبل شكوى إلى المُقرِّر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة بسبب القيود المفروضة على مواطنيها الراغبين في أداء فريضة الحج هذا العام. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنَّ الشكوى القطرية بمثابة “إعلان حرب” ضد إدارة المملكة العربية السعودية للأماكن المُقدَّسة، واتهمت المملكة قطر بمحاولة تسييس الحج.
هل يمكن تشكيل هيئة مستقلة للحج؟
وبينما يُعَد الحج ركناً أساسياً من أركان الإسلام، فإنَّ الوصاية على أماكنه المقدسة ركيزةً من ركائز شرعية أسرة آل سعود وسلطتها. ولطالما حاولت إيران إثارة الشكوك حول ذلك باستمرار.
فقبل عامين، تسبَّب تدافع حجاجٍ وتزاحمهم في مقتل 2426 شخصاً على الأقل عام 2015، وفقاً لحصيلة وكالة أسوشيتد برس.
وسرعان ما استغلت إيران، التي فقدت 464 حاجَّاً في التدافع، هذه الكارثة للدعوة إلى تشكيل هيئةٍ مستقلة تتولى إدارة الحج. لكنَّ هذه المطالب قُوبِلت برفضٍ قاطع من المملكة العربية السعودية التي اتهمت إيران بتسييس الحج.
أما العام الماضي، 2016، قد أُقيمت مناسك في ظل التنافس بين الدولتين. إذ قطعت المملكة العربية السعودية وإيران العلاقات بينهما في العام 2016، ولذلك، لم يذهب الحجاج الإيرانيون لأداء فريضة الحج آنذاك.
القدس: ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتنازع فيها السعودية وإيران بسبب الحج. ففي العام 1987، أطلقت الشرطة السعودية النار على حجاجٍ إيرانيين كان يحتَّجون في أثناء الحج، ما أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص. وعلى مدار عامين بعد هذه الحادثة، لم تُرسل إيران حُجاجاً لأداء فريضة الحج.
وقبل بدء موسم الحج هذا العام، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى تنظيم احتجاجاتٍ مرةً أخرى، قائلاً إنَّ الحج يمنح “المسلمين فرصةً عظيمة للتعبير عن الآراء والمواقف”.
وقال خامنئي: “أي مكانٍ أفضل من مكة المكرمة والمدينة المنورة يمكن للمسلمين الذهاب إليه للتعبير عن مخاوفهم حيال ما يحدث في المسجد الأقصى وفلسطين؟”.
وسارع بعض كبار رجال الدين السعوديين إلى الرد قائلين إنَّه لا يجب استغلال الحج، ومُذكِّرين الحجّاج بأنَّ الغاية الأساسية للحج هي “قضاء كل وقتهم وجهدهم في عبادة الله سبحانه وتعالى”.