تسييس الحرمين

تدويل الحج تحول إلى مطلب عربي وإسلامي محل إجماع

تنادي العديد من الأصوات المطالبة بفصل إدارة المقدسات الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة عن السعودية والتحكم في المشاعر المقدسة وإسنادها إلى هيئة مستقلة تشرف على هذه المقدسات وتنظم الحج والعمرة وتتكون هذه الهيئة من عدة دول إسلامية وتحرص على سلامة وأمن الحجاج والمعتمرين, والابتعاد عن الخلافات السياسية.
جميع الاصوات الرافضة لتحكم السعودية تستند إلى اسباب سليمة ووجيهة فالدول العربية والإسلامية في غالبيتها تتهم الرياض بتعقيد اجراءات الحج وزيادة فرض الرسوم, والاقدام على بيع مياه زمزم إضافة إلى تسييس فريضة الحج.
كما ازداد غضب السعوديين والعرب والمسلمين من جراء الانفتاح السعودي الكبير الذي شهدته المملكة من رفع الحظر على دور السينما, وارتفعت اصوات الموسيقى بالمقاهي بعد أن كانت تعتبر من المحظورات, كما فتحت السعودية أبوابها لكثير من شركات صناعة الترفيه العالمية, عقب إنشاء الهيئة العامة للترفيه, واستقطاب مغنيين وفنانين منهم الاجانب والعرب والتي كانت أبرزهم مغنية الراب الامريكية الإباحية نيكي ميناج, والتي تشارك في مهرجان موسيقى بالسعودية بالتزامن مع موسم الحج.
ولم تلق الفعاليات المختلطة التي تقام تحت رعاية الدولة استحسان كثيرين, لسماحها بما وصف ب”الاختلاط” بين الجنسين, واستضافة فنانين وفنانات, وافتتاح الملاهي, ورأوا أن السعودية تواصل انحدارها وتخليها عن الثوابت الدينية وقيم المجتمع السعودي.
وأثار إعلان السعودية استضافة الفنانة الإباحية “نيكي ميناج”, بالتزامن مع وصول الحجاج, غضباً كبيرا في اوساط السعوديين والعرب.
وخبر استضافة الفنانة نيكي ميناج اثار جدلاً واسعا في صفوف النشطاء والناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث كتبت الناشطة أميرة فؤاد في صفحتها على تويتر ” أن افتتاح المغنية الإباحية نيكي ميناج لحفل غنائي في الارض المقدسة تزامنا مع توافد الحجيج لبدء موسم الحج هو تجرؤ سافر وسفيه ممن لا يراعي حرمات الله”.
وتساءل الناشط السعودي تركي الشلهوب باستغراب عن استضافة فنانة “إباحية” بالتزامن مع وصول الحجاج قائلاً: “أن تأتي بمغنية إباحية، لا يستطيع كثير من الغربيين مشاهدة أغانيها وسماع كلماتها بسبب الإباحية المفرطة فيها، لتغنّي بجوار الحرم المكي، بالتزامن مع بدء وصول الحجاج لأداء فريضة الحج … ماذا يُسمّى هذا؟!”.
ويرى السياسي المصري أسامة رشدي أن السعوديين يحاولون تحميل فشلهم على الآخرين، مشيراً إلى أن محاولة الإنكار على وجود حفلات تقابل بهجوم من قبل ممن يطلق عليه بـ”الذباب الإلكتروني”.
ويضيف في صفحته بـ”تويتر”: “عندما تنكر حفلات الفسوق في جدة يرد عليك الذباب الالكتروني: انظر ما يحدث في مصر أو تركيا, يا ابني مع دعائنا بالصلاح للجميع أذكرك أن جدة هذه يثوب المسلمون إليها من كل فج عميق محرمين”.
وسبق أن وقعت السعودية في مأزق كبير نتيجة استغلالها المقدسات الإسلامية لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها، حيث عادت قضية تدويل الحج وإمكانية نزع لقب “خادم الحرمين الشريفين” عن الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الواجهة من جديد، على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وأعرب حزب العدالة والتنمية التركي عن قلقه من عدم شعور المسلمين بالطمأنينة خلال أداء مواسم الحج والعمرة، من جراء ما حدث لجمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر المنقضي، وسط غموض شديد، إذ ما تزال جثته مخفية إلى الآن.
وتقول مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن تصرفات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دفعت عديداً من المسلمين إلى مقاطعة الحج.
وتطرقت الصحيفة، في مقال للكاتب أحمد طويح، إلى “العدوان السعودي على اليمن، وما خلَّفه من ضحايا، بالإضافة إلى اعتقال عشرات من الدعاة السعوديين المعروفين، فضلاً عن المضايقات التي قد يتعرض لها بعض الحجاج بسبب مواقفهم السياسية”.
وحسبما جاء في المقال فإن بن سلمان ” حاول أن يقدم صورة أكثر إيجابية عن السعودية, وإخفاء سياساته الداخلية والخارجية المتهورة والعدوانية, لكن ذلك لم يكن كافياً لإسكات المعارضين, الذين ما زالوا يتحدثون عن انتهاك حقوق الانسان في السعودية”.
وأضاف طويح في مقاله: إن “ارتفاع أعداد القتلى المدنيين؛ من جراء الغارات التي يشنها الطيران السعودي على اليمن، وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جثته على يد عناصر تابعين لمحمد بن سلمان، بمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، والنهج العدواني للرياض تجاه إيران، كلها أمور جعلت عديداً من المسلمين يعيدون النظر في أداء فريضة الحج”.
وأشار الكاتب إلى أن “نفوذ المملكة ليس مرتبطاً فقط بقدراتها السياسية والعسكرية، بل يرتبط أيضاً بكونها تضم مكة والمدينة، أقدس المدن الإسلامية، ومن هنا فإن نفوذ السعودية يمتد إلى ما هو أبعد من جيرانها العرب، ليصل إلى عموم العالم الإسلامي”.
وتجدر الاشارة هنا الى أن شعوب اليمن وسوريا وليبيا وقطر ممنوعون من اداء فريضة الحج، وثبت بالأدلة القطعية تآمر النظام السعودي على الشعب الفلسطيني وقضيته وارتكابه المذابح والمجازر في أكثر من ساحة عربية بتنسيق وتعاون مع اسرائيل والولايات المتحدة، وتحالفه مع تل أبيب، بعد اشهار العلاقات السرية بين الجانبين والممتدة منذ عشر سنوات.
وخلال السنوات الماضية, منعت السعودية بعض الأشخاص من أداء فريضة الحج نتيجة آرائهم السياسية أو الفكرية والمذهبية التي تتعارض معها, على غرار الداعية الكويتي طارق سويدان بسبب آرائه السياسية في رفضة للانقلاب على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
وفي عام 2016, ضيقا السعودية على الحجاج الإيرانيين, بعد حادث التدافع بمنى عام 2015, بحجة الحفاظ على أمن الحجيج, وهو العام الذي لم يحج فيه الإيرانيون بعد تعنت من قبل السعودية وإيران في آن وحد.
ومنذ فرض الحصار على قطر في يونيو 2017، عرقلت السعودية سفر الحجاج القطريين، وحال الحصار الذي تفرضه هي والإمارات والبحرين بين حجاج قطر وأداء فريضة الحج.
وقد عبر قطريون ومقيمون في دولة قطر عن خيبة أملهم من عدم تمكنهم من أداء فريضة الحج، واستنكر هؤلاء تحويل فريضة الحج إلى أداة ضغط لتحقيق مآرب سياسية.
وبفعل سياسة الاجرام والارهاب التي تمارسها السلطات السعودية وولي العهد محمد بن سلمان, صدرت فتاوي من علماء دين تدعو إلى مقاطعة فريضة الحج لأن أموال الحج تذهب لدعم الخزينة الامريكية وشراء الاسلحة من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
وصدرت عن بعض علماء الدين المسلمين دعوات تطالب من أدى فريضة الحج, أن لا يقوم بأدائها ثانية, حيث تذهب أموال الحج وتضخ في تعزيز الاقتصاد الامريكي.
ويتوافد سنوياً قرابة 2.3 مليون مسلم من جميع الطوائف على مكة خلال موسم الحج، فضلاً عن كثيرين غيرهم ممن يتوافدون على السعودية على مدار العام، لأداء العمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى