الأمن مقابل النفط.. التحالف الأمريكي السعودي يواجه أخطر تحدياته
يواجه التحالف الأمريكي السعودي الذي اعتمد على مدار عقود على معادلة الأمن مقابل النفط أخطر تحدياته في ظل التوتر الشديد في العلاقات بين البلدين.
وأبرز معهد كوينسي الدولي للدراسات، أن ازدراء منظمة أوبك بقيادة السعودية للإدارة الأمريكية فعل ما لم تستطع الحرب في اليمن وجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
إذ أثار قرار أوبك بشأن خفض إنتاج النفط إثارة غضب أعضاء الكونجرس الأمريكي بما يكفي للدعوة إلى حل العلاقة بأكملها مع السعودية.
وُصف قرار أوبك + بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل أمس بأنه “ضربة ضد (الرئيس الأمريكي جو) بايدن”، وكان الأعضاء على جانبي الكونجرس غاضبين.
لكن ثلاثة من أعضاء مجلس النواب اتخذوا خطوة أخرى إلى الأمام، بتقديم مشروع قانون من شأنه إخراج جميع القوات الأمريكية والأسلحة وأنظمة الدفاع الصاروخي من المملكة.
واعتبر بيان للنواب الثلاثة أن الخفض الكبير الذي قامت به السعودية في إنتاج النفط هو عمل عدائي ضد الولايات المتحدة وإشارة واضحة إلى أن الرياض اختارت الوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وقد أدى إعلان منظمة “أوبك بلس” الخاصة بالدول المصدّرة للنفط خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً بداية من نوفمبر القادم إلى حالة هياج في واشنطن.
إذ اعتبر نواب بالكونغرس وساسة القرار بمثابة إهانة بالغة من السعودية لبايدن بعد زيارته للرياض في يوليو الماضي، وطلبه مؤخراً من السعودية زيادة الإنتاج لتقليل سعر النفط عالمياً وخفض كلفة الطاقة على المواطن الأمريكي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم، ولتخفيف الأعباء عن حلفاء أمريكا الأوروبيين الذين ينتظرون شتاءً بارداً مع انقطاع الغاز الروسي.
وقبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 14 فبراير 1945 اجتمع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن سفينة حربية في قناة السويس مع الملك عبد العزيز بن سعود لتدشين شراكة بين البلدين قامت على معادلة (النفط مقابل الأمن).
وبمقتضاها أعطت الرياض للشركات الأمريكية الأولوية في التنقيب عن النفط واستخراجه مقابل الحصول على حماية أمريكية تكفل الأمن للسعودية من التهديدات المختلفة.
ومع اندلاع الثورة الإيرانية التي تبنت تصدير الثورة لدول الجوار، وغزو السوفييت لأفغانستان عام 1979، واقترابهم من مياه الخليج الدافئة، أصدر الرئيس الأمريكي كارتر مبدأه الذي نص على التعهد بالدفاع عن حقول النفط في الخليج ضد أي عدوان خارجي.
ومن ثم تعاونت واشنطن والرياض لاستنزاف الدب الروسي في أفغانستان، كما دعما العراق في حربه ضد إيران 1980-1988- وإن حرصت واشنطن سراً على استنزاف العراق وإيران لبعضهما البعض-.
وكذلك حشد الرئيس بوش الأب نصف مليون جندي أمريكي ضمن تحالف دولي للدفاع عن السعودية ضد الجيش العراقي واستعادة الكويت عام 1991.
كما استطاع التحالف الأمريكي السعودي امتصاص تداعيات مشاركة 15 سعودياً في أحداث سبتمبر 2001، وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين تحت لافتة مكافحة الإرهاب.
وتوالت خلال العقد الأخير المواقف الأمريكية التي أثارت حفيظة الرياض، بداية من دعوة أوباما للرئيس المصري مبارك إلى التنحي إثر اندلاع مظاهرات يناير 2011.
إذ رأت الرياض أن واشنطن تخلت عن أقرب حليف لها في العالم العربي بكل سهولة، ثم جاء توقيع أوباما على الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 وتبنيه لسياسة التركيز على آسيا لترى الرياض أن واشنطن تتخلى عنها لصالح طهران.
ثم جاءت حقبة ترامب التي شهدت الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واستئناف صفقات السلاح الهجومية للسعودية لدعهما في حرب اليمن، مما انعكس على تقارب البلدين وصولاً لاستقبال ترامب في الرياض عام 2017 بحفاوة في أول زيارة خارجية له عقب انتخابه.
ولكن أدى عدم رد ترامب على الهجوم الذي استهدف حقول نفط ومصافي شركة أرامكو في سبتمبر 2019 إلى شعور الرياض بعدم الأمان، وأن مظلة الحماية الأمريكية صارت مهلهلة.
أعلن بايدن بداية عهده رفضه التواصل المباشر مع ولي العهد السعودي وصولاً لرفع السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية الخاص بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بالضلوع في الحادث.
كما أدانت واشنطن بشكل متكرر وضع حقوق الإنسان في السعودية، وأخيراً جاء الانسحاب الأمريكي الأحادي من أفغانستان، واستئناف التفاوض حول الملف النووي مع إيران، ليزعج الرياض.
أرسلت الرياض مؤخراً عدة رسائل تشير لانزعاجها من تعامل إدارة بايدن مع ملف العلاقات السعودية الأمريكية، وهو ما برز في إعلان التفاوض مع الصين حول بيع النفط باليوان بدلاً من الدولار، وتجنب السعودية إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وسرعان ما لعبت الرياض دوراً محورياً في قرار خفض إنتاج النفط الأخير، مما اعتُبر بمثابة إهانة وإذلال لبايدن قبيل انتخابات الكونغرس القادمة.
رغم وجود مصلحة سعودية في ارتفاع سعر النفط نظرا لما يجلبه من عائدات ضخمة، ولمواجهة خطر انخفاض الطلب المنتظر على النفط في ظل مؤشرات الركود العالمي، فإن قرار تخفيض الإنتاج يشير إلى أن الرياض لم تعد تنظر لواشنطن كشريك في ملفات الطاقة والاقتصاد.
فضلاً عما يعنيه القرار من دعم موسكو التي تستفيد من عائدات النفط المرتفعة في تمويل حربها بأوكرانيا، ودوره في تشديد الضغط على أوروبا التي تعاني من ارتفاع التضخم والزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة.
إن قرار تخفيض إنتاج النفط في اللحظة الحرجة التي تمر بها أمريكا وأوروبا يعضد التحذيرات السابقة بأن سياسات ولي العهد السعودي تضر بالمصالح الأمريكية، وتعزز عدم الاستقرار في المنطقة.
ويُرجح أن تستخدم واشنطن أدوات سياسية واقتصادية وحقوقية لتذكير ولي العهد السعودي بحاجته لها، مع التلويح بإمكانية فتح ملفات حرب اليمن التي شهدت مقتل 370 ألف شخص، وملف خاشجقي فضلاً عن التهديد بوقف عمليات الصيانة وتوفير قطع الغيار للأسلحة الأمريكية المباعة للسعودية.
وصولاً إلى تشجيع أطراف داخل العائلة المالكة على اتخاذ مواقف داعمة للتفاهم مع واشنطن. وفي المجمل يبدو أن العلاقات السعودية الأمريكية وصلت منعطفاً جوهرياً، وأن فصل الخريف في علاقة محمد بن سلمان بواشنطن بدأ يتحول إلى شتاء.