اشتباكات عدن تزيد انقسامات تحالف آل سعود في اليمن
تتواصل الاشتباكات العنيفة لليوم الثالث على التوالي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بين قوات مدعومة إماراتياً وأخرى تابعة للحكومة التي تتلقى دعماً من تحالف السعودية.
وذكرت وكالة “رويترز” العالمية للأنباء أن الاشتباكات اندلعت بين “قوات متحالفة اسمياً انقلب بعضها على بعض، ما يكشف عن انقسامات في التحالف العربي” بقيادة آل سعود.
وقالت مصادر طبية إن 8 مدنيين على الأقل قتلوا، أمس، في عدن، المقر المؤقت للحكومة المعترف بها دولياً، في مواجهات بين الانفصاليين الجنوبيين وقوات الحكومة.
وقال سكان إن المعارك استؤنفت عند الفجر قرب القصر الرئاسي الخالي تقريباً في مديرية كريتر، ومعظمها مأهولة بالسكان، والقريبة من مطار عدن الدولي.
وفي إطار ذلك أبدت الأمم المتحدة قلقها البالغ إزاء التصعيد الأخير في عدن؛ “لما يتركه من تداعيات على حياة سكان المنطقة”. ودعت بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن على حسابها الرسمي في “تويتر” طرفي النزاع إلى وقف القتال وبدء التفاوض.
وأكدت أن 200 ألف شخص في عدن فقدوا القدرة على الحصول على مياه نظيفة، مشددة على ضرورة ضمان وصول الجرحى والمرضى إلى المرافق الصحية.
وعلى مدار أربعة أيام، تتواصل الاشتباكات بين القوات الحكومية ومليشيا الحزام الأمني، ما أدى إلى مقتل 13 شخصاً وإصابة العشرات، منذ الأربعاء الماضي.
ويشهد اليمن نزاعاً دامياً، منذ يوليو 2014، وزادت حدته عقب تدخل التحالف السعودي الإماراتي، في مارس 2015، لدعم القوات الموالية ضد مليشيا الحوثي.
وأظهرت حرب اليمن على مدار سنواتها الماضية وحتى التطورات الأخيرة في عدن المزيد من الخلافات بين آل سعود وحلفائهم في الإمارات.
ومنذ عامين تقريبا تشهد العلاقات بين الإمارات والحكومة اليمنية حالة من الشد والجذب إثر اتهام الرئيس هادي عام 2017 لأبوظبي بالتصرف كـ “قوة احتلال” في اليمن، ما اضطر المملكة للتدخل والوساطة بين الطرفين، لكن مواجهة سقطرى كانت على ما يبدو خطيئة هادي وبن دغر التي لم يغفرها محمد بن زايد أبدا.
وخلال أيام قليلة من تلك المواجهة في مجلس الأمن، كانت حكومة “بن دغر” مضطرة لمغادرة عدن إلى الرياض بسبب مضايقات الميليشيات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، وبسبب الحصار الذي فرضته هذه الميليشيات على قصر المعاشيق في عدن والذي تُدار أعمال الحكومة من خلاله.
منذ نهاية عام 2010 وبدايات الربيع العربي، وتزايد مطالب التغيير الديمقراطي في العالم العربي, تطورت علاقة خاصة بين المملكة والإمارات استندت إلى المصالح المشتركة للبلدين في مواجهة الربيع العربي ورغبتهما في إعادة الاستقرار للأنظمة الاستبدادية الحاكمة في المنطقة والتي هدف “الربيع” للإطاحة بها.
وكانت أولى ثمار هذه العلاقة الخاصة هو الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال “عبد الفتاح السيسي” في القاهرة منتصف عام 2013، فيما كان التدخل العسكري المشترك في اليمن عام 2015، تحت ستار مواجهة الحوثيين وإعادة الرئيس “هادي” إلى الحكم في صنعاء, هو التجلي الأبرز لهذه العلاقة، حيث عمّقت الحرب التي جاوزت عامها الرابع المصالح المشتركة بين البلدين، وعزّزت من الشعور بوحدة المصير بين ولي عهد أبوظبي “ابن زايد”، وولي العهد الشاب السعودي “ابن سلمان”.
وفيما ظلّت اليمن الميدان الأبرز للتحالف السعودي الإماراتي، فإنها كانت في الوقت نفسه الساحة التي أظهرت الشقوق المبكرة في جسد ذلك التحالف وسلّطت الضوء على الخلافات الكامنة بين الدولتين منذ الأشهر الأولى لتدخّلهما العسكري وتحديدا منذ معارك “تعز” نهاية عام 2015.
حين ظهر الخلاف الأول بين الحليفين في التعامل مع التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين المحلي والذي يعد أبرز القوى الفاعلة في “تعز”، ففي حين كانت الرياض تميل إلى التعاون مع الإصلاح بحكم علاقاتها طويلة الأمد مع قادة المنظمة اليمنية، رفضت أبوظبي إشراك الإصلاح، وشن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي “أنور قرقاش” هجوما على أعضاء الإصلاح متهما إياهم بالخيانة والتواطؤ مع الحوثيين.
وبالمثل، يبدو أن القادة الإماراتيين أصبحوا أكثر قلقا حول ارتباطهم الوثيق بالمملكة خاصة في الوقت الذي تقف فيه الرياض في قلب العاصفة السياسية الأميركية مع محاولات النواب في الكونغرس تمرير تشريعات لوقف تصدير الأسلحة الأميركية إليها (والإمارات بالتبعية في بعض المقترحات).
ورغم أن هذه التشريعات فشلت بالنَّفاذ بسبب استخدام ترامب لحق النقض (الفيتو)، تدرك الإمارات أنه ليس بمقدورها الرهان على دعم ترامب وإدارته في واشنطن وخسارة دعم النواب المؤثرين في الكونغرس، خاصة مع اقتراب انتخابات 2020 واحتمالية مغادرة ترامب منصبه لصالح رئيس ديمقراطي من المتوقع أن يكون أكثر حزما في التعامل مع السياسات العدائية للحليفين الخليجيين.
في الحقيقة، لدى المملكة جميع الدوافع الممكنة للشعور بالقلق حول السياسات الإماراتية الأخيرة خاصةً ما يتصل بالانسحاب من اليمن، بالنظر إلى التهديدات العسكرية الكبيرة التي يُشكِّلها الحوثيون على حدود البلاد، والتطور النوعي لقدرات الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية الحوثية التي تستهدف عمق الأراضي السعودية وتبدو الأخيرة عاجزة عن التعامل معها حتى مع الوجود الإماراتي.
فضلا عن الفجوات العسكرية الكبرى التي خلّفها رحيل الإمارات عن مسارح المواجهات المباشرة مثل الخوخا ومدينة المخا الساحلية الجنوبية والمناطق الساحلية المجاورة للحديدة وحزيرة بريم وحتى عدن نفسها، وجميعها مواقع تجد المملكة نفسها مضطرة للانتشار فيها بسرعة لمنع استعادتها من قِبل الحوثيين أو استخدامها كطرق للتسلل، وهو أمر يبدو مُكلفا جدا في ظل ما يواجهه الاقتصاد السعودي من عجز مالي.
ويبدو أن القدر لم يمهل المملكة كثيرا قبل أن تتجسد مخاوفها على أرض الواقع، ففي الأول من أغسطس/آب الحالي شن الحوثيون أقوى هجماتهم في عدن منذ سقوطها في أيدي التحالف عام 2015، واستهدف الهجوم عرضا عسكريا في المدينة الساحلية عبر صاروخ باليستي وطائرة بدون طيار مُخلِّفا أكثر من 40 قتيلا.
وكان الهجوم فيما يبدو محاولة من الحوثيين لاستعراض قدراتهم غير المتماثلة في المسارح التي يسيطر عليها التحالف وإضعاف معنوياته بعد أنباء الانسحاب الإماراتي، لكنه مَثّل تذكيرا واضحا للملكة بالعواقب التي تنتظر مواجهتها هناك.
ورغم أن هذه الميليشيات من المفترض أنها تعمل تحت قيادة المملكة والحكومة اليمنية الموالية لها، فإنها في الحقيقة لا تثق في الرياض أو حكومة هادي، وهي تعمل لخدمة أجندتها الخاصة التي تدور حول الانفصال وتقرير المصير.
ومن المتوقع أن تعاني المملكة لتأمين ولاء هذه الميليشيات التي تتراوح بين القومية مثل قوات النخبة الحضرمية والتهامية والسلفية الدينية مثل كتائب أبوالعباس، أو دفعها للتعاون مع الحكومة فضلا عن إدارة الخلافات الداخلية بينها.
على المستوى الميداني، من الواضح أن قادة المملكة وعلى الأخص “ابن سلمان” سيجدون أنفسهم مضطرين لدفع ثمن التغاضي عن الأهداف الحقيقية للتدخل الإماراتي في اليمن والتي لم تكن مطابقة لأهداف الرياض في أي وقت.
وعلى المستوى السياسي ستجد المملكة نفسها مُحمَّلة وحدها بالفواتير السياسية لتدخل عسكري قاسٍ دام أكثر من أربعة أعوام، بما لا يشمل فقط فاتورة البحث عن مخرج سياسي للحرب لا يضر بصورة المملكة أو بأمنها القومي، ولكنه يشمل أيضا معالجة الآثار الأكبر للحرب في اليمن على صورة المملكة العالمية بعدما حوّلها الانسحاب الإماراتي بشكل رسمي إلى حرب “محمد بن سلمان” الخاصة.
على المستوى الإستراتيجي الأوسع، ستدفع المملكة أيضا التكاليف الأكبر لأي تحوّل سياسي في الموقف الغربي تجاه إيران، وبعد انسحاب الإمارات من مسارح المواجهة مع طهران في اليمن وحول الممرات المائية في الخليج، لا يبقى أمام الرياض سوى مراقبة انتخابات 2020 الأميركية على أمل أن يفوز ترامب بولاية جديدة وأن يستمر في سياسته الحازمة تجاه إيران، بعد أن أصبحت الإدارة الأميركية حليف الرياض الأخير والوحيد في هذه المواجهة.
لكن ذلك كله لا يعني أن التحالف السعودي الإماراتي في طريقه للانهيار أو التفكك في وقت قريب، فمن ناحية لا يزال البلدان بحاجة إلى التعاون مع بعضهما بعضا في مسارح المواجهات المختلفة ضد أعدائهم الأزليين من جماعات الإسلام السياسي وقوى التغيير الثورية في العالم العربي من ليبيا إلى الجزائر إلى السودان واليمن نفسها وحتى داخل الخليج بعد أن تفكك مجلس التعاون الخليجي فعليا لا رسميا بفعل الحصار ضد قطر.
ومن ناحية أخرى لا يمكن اعتبار التغيرات الأخيرة في السياسة الإماراتية تجاه إيران باعتبارها تحولات راديكالية، بقدر ما يمكن اعتبارها إعادة تموضع إستراتيجي للتخفّف من فاتورة الصراعات.
وفي النهاية، تدرك أبوظبي والرياض أنهما بحاجة إلى بعضهما بعضا، ولكنهما تدركان أيضا أن التحالف بينهما سينال نصيبه العادل من الصراعات والشقوق، وأنه في المستقبل القريب لن يكون بالفاعلية ذاتها التي كان عليها قبلا وفي السنوات الأخيرة، وهي فاعلية كان لها أثر كبير في حماية البلدين الخليجيين من آثار سياساتهما المتهورة وغير المحسوبة في الكثير من الأحيان في الشرق الأوسط.