نهج محمد بن سلمان في احتكار الاقتصاد السعودي لتعزيز سلطاته
ينتهج ولي العهد محمد بن سلمان احتكار الاقتصاد السعودي والتحكم في مفاصله عبر اللجوء إلى رأسمالية الدولة بعد تغيير الحرس التجاري القديم لتعزيز سلطاته المطلقة.
وأوردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أنه مع تمتع السعودية بطفرة نفطية غير مسبوقة في السبعينيات، لجأ النظام الملكي إلى حفنة من الشركات العائلية التجارية – معظمها من جدة عاصمة المملكة التجارية انذاك- لإنشاء البنية التحتية للبلاد.
لكن بعد ما يقرب من 50 عامًا وبعد ورود مكاسب نفطية أخرى غير متوقعة، تم تهميش العديد من هذه الشركات من قبل نوع آخر من الشركات التي تشترك في شيء واحد يتمثل في امتلاك صندوق الاستثمارات العامة السيادي حصة في كل منهما.
وتؤكد الهيمنة المتزايدة لصندوق الثروة السيادية، الذي يرأسه محمد بن سلمان، على عمق التغيير الذي أحدثه الحاكم اليومي للبلاد في قلب النظام القديم في الوقت الذي يسعى فيه لتأكيد سيطرته على الاقتصاد ويسعى إلى تنويعه بعيدًا عن عائدات النفط.
تقول مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري ومؤلفة كتاب عن القطاع الخاص السعودي “هناك بالتأكيد تغيير في الحرس القديم” مضيفة “تقود الكيانات التي تترأسها الحكومة عملية التنمية. الامر اكبر بكثير من كونه نموًا مركزيًا يقوده القطاع العام”.
يمتلك صندوق الاستثمارات العامة ما يقرب من تريليون دولار من المشاريع العملاقة والبنية التحتية المنتظرة، بما في ذلك مدينة مستقبلية مخطط لها في الصحراء السعودية.
السيطرة على هذه المشاريع مركزية، حيث يعمل صندوق الثروة السيادية بشكل متزايد كمخطط ومقاول أساسي من خلال الشركات التي يمتلكها أو التي يمتلك فيها حصصًا.
أعلن صندوق الثروة السيادية في فبراير أنه يستثمر 1.3 مليار دولار في أربع شركات برزت في السنوات الأخيرة إلى الصدارة وهي شركة نسما وشركاه للمقاولات، وشركة السيف للمقاولات الهندسية، وشركة الألباني القابضة، وشركة المباني العامة للمقاولات.
وعلى الرغم من وجود هذه الكيانات جميعًا منذ عقود، إلا انها احتلت الصدارة حاليًا في الوقت الذي فقد المنافسون – الذين حصلوا ذات مرة على أكبر العقود – دعم الرياض.
تأسست شركة السيف على يد خالد السيف المولود في الرياض عام 1975، فيما اسس عبد المعين الشواف، وهو أيضًا من العاصمة، شركة ألبواني عام 1991 وتأسست المباني عام 1972 في جدة على يد رجل الأعمال السعودي الراحل كمال أدهم.
واشار مسؤول مطلع الى أن صندوق الاستثمارات العامة يقول إنه يستثمر في مثل هذه الشركات لأنهم يتمتعون بالخبرة ويديرون امورهم بكفاءة وبشكل مسيطر عليه.
اضطرت العديد من الكيانات المفضلة سابقًا، مثل مجموعة بن لادن السعودية، إلى تسليم ما قيمته 100 مليار دولار مما وصفته الحكومة بأصول غير مشروعة، وذلك بعد إطلاق حملة لمكافحة الفساد بعد أقل من عام من تعيين الأمير محمد عام 2017 وليًا للعهد.
وتم اعتقال حوالي 300 من رجال الأعمال والأمراء والبيروقراطيين في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة السعودية كجزء من حملة مكافحة الكسب غير المشروع، مما أدى إلى حدوث صدمة في مجتمع الأعمال.
وخضعت مجموعة بن لادن السعودية لسيطرة لجنة عينتها الحكومة، حيث تم تحويل ما يقرب من 40٪ من الحصة إلى شركة مملوكة للدولة.
يجادل مسؤولون من صندوق الاستثمارات العامة بأن بعض الشركات قد اعتادت على العقود والإعانات الحكومية ولذا كانت مترددة في المخاطرة أو الابتكار، وهذا يعني أنه لا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص لتوجيه التحول الاقتصادي للبلد وحده.
يقول ستيفن هيرتوج، الخبير الخليجي والأستاذ المساعد في السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد: “هناك فكرة بين محمد بن سلمان وبعض مستشاريه أن طبقة التجار القدامى كانوا من الذين يمتصون الأموال دون عمل ويبحثون عن الأرباح دون انتاج حقيقي، وهم يريدون تربية طبقة أعمال جديدة”.
لم تتعاف بعض الشركات أبدًا من حملة مكافحة الكسب غير المشروع، بينما ظل البعض الآخر بعيدًا عن الأنظار منذ ذلك الحين.
يقول مصرفي إقليمي: “ليس الأمر مقتصرا على خسارتهم – لقد فقدوا ثقة الحكومة واختفوا وتم تهميشهم، كما تم مراقبة حساباتهم المصرفية”.
وأضاف “ما زلت أرى [أصحاب الأعمال].. وهم ينتقدون ما يحدث”.
حظي التطهير المزعوم جراء حملة مكافحة الفساد بالدعم بين العديد من السعوديين، لكنه جاء وسط حملة قمع أوسع للمعارضة.
ورأى المراقبون في تلك الخطوات موقفًا يعلن من خلاله ولي العهد الجديد وجوده، بعد ان همش خصومه داخل العائلة المالكة وأنصارهم من رجال الأعمال.
يقول ديفيد رونديل، المستشار والدبلوماسي الأمريكي السابق الذي خدم في السعودية “كان الأمر أشبه بإطلاق النار على القيصر” مضيفًا “لقد انتصر البلاشفة بالفعل، لكنهم أوضحوا أنه لا عودة إلى الوراء”.
ومع ذلك، أدى ظهور مجموعة جديدة من الشركات المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة إلى اتهامات بأن الدولة قد استبدلت طبقة من رجال الأعمال المفضلين بأخرى.
تأسست نسما في عام 1979 على يد صالح التركي، الذي تنحى عن منصب الرئيس في عام 2018 عندما تم تعيينه عمدة لمدينة جدة بموجب مرسوم ملكي، وقال شخص مطلع على الأمر إنه يتمتع بعلاقات جيدة مع ولي العهد الأمير محمد.
وقال محلل سعودي طلب عدم الكشف عن هويته: “في السابق كانت اشتراكية الدولة، أما الآن فهي رأسمالية الدولة” مضيفًا “هناك الكثير من المرارة.. أنت تمنح جميع العقود لصندوق الاستثمارات العامة فقط، وتقوم بانشاء فئة [جديدة] من البيروقراطيين الشباب والطموحين والجشعين”.
لكن محللين آخرين يقولون إن اليات العمل في السعودية مختلفة للغاية الآن، حيث تحصل الشركات المفضلة على هوامش ربح أقل من العقود بالمقارنة مع ما كان يبدو طبيعيًا في الماضي.
وقال المصرفي “كل شيء بقيادة صندوق الاستثمارات العامة ولكن يتم تقديم هوامش ارباح قليلة لهم جميعًا” مضيفًا “صندوق الاستثمارات العامة يتفاوض بجد”.
ويقول هيرتوج من كلية لندن للاقتصاد: “يستحوذ صندوق الاستثمارات العامة على حصص في شركات لإنشاء أبطال وطنيين”.
وأضاف “هناك شكل من أشكال النزوح لكني لا أرى السعي وراء ريع على نطاق واسع ولا أعتقد أن إدارة تلك الشركات المملوكة للدولة تأخذ تخفيضات ضخمة، ولا أرى فسادًا واسع النطاق”.
وتابع: “هناك ما يكفي من العمل للجميع وقطاع البناء مزدهر “.
بعض الشركات التجارية القديمة في جدة، مثل المنجم للأغذية وعملاق التجزئة بن داود، قد نمت أعمالها في السنوات الأخيرة، لكن أداء كثيرين غيرهم كان ضعيفا بعد تقليص دعم الطاقة في إطار حملة الإصلاح الاقتصادي في الرياض وزيادة الرسوم على الشركات التي توظف عمالا أجانب.
قال مسؤول تنفيذي في شركة عائلية مقرها جدة طلب عدم ذكر اسمه “معظم هذه الشركات كانت غارقة في الاعانات التي تتمثل في الطاقة الرخيصة والعمالة والفساد”.
وقال المسؤول التنفيذي: “يجب أن تكون لديك علاقات عند تنفيذ أي مشروع، لكن الامر لا يعتمد كليًا على ذلك” مضيفًا “في النهاية، إذا لم استطع اضافة قيمة اقتصاديًا، فلن أحصل على [عقد] فقط بسبب معارفي؛ [الحكومة] تقوم الان بإجراء اختبار تحمّل، وعليها أن تعرف أنني أستطيع النجاح في ذلك”.