فضائح السعودية

احتجاجات فلسطينية في الأقصى على زيارة تطبيع سعودية للمسجد

احتج عشرات المصلين الفلسطينيين على زيارة تطبيع مستهجنة أجراها وفد من بعثة منتخب المملكة الأول لكرة القدم إلى المجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
وذكرت مصادر فلسطينية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت عددا من الفلسطينيين أثناء احتجاجهم على زيارة وفد منتخب المملكة للمسجد الأقصى.
فقد دخل وفد بعثة المنتخب بحماية شركة أمنية خاصة تابعة للاحتلال الإسرائيلي، مما أثار حفيظة المصلين واستفزهم بعد أن اعتدى الحراس المرافقون للمنتخب بالشتم على المصلين.
وأطلق نشطاء فلسطينيون حملة إلكترونية ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بعنوان “فلسطين ليست ملعبًا للتطبيع” وذلك قبيل وصول منتخب المملكة للعب في القدس المحتلة بقرار مشين من نظام آل سعود.
وقال مطلقو الحملة في إعلان نشروه عبر مواقع التواصل الاجتماعي “إن الملعب الفلسطيني ليس مكانًا لدحرجة كرة التطبيع، وتمرير سياسات التصفية للقضية الفلسطينية”.
وأضافوا أن الحملة ستكون تحت وسم “#التطبيع_الرياضي”، وستنطلق اليوم الأربعاء الساعة الثامنة مساءً.
ورفضت فصائل فلسطينية بينها حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خطوة الاتحاد السعودي بالموافقة على اللعب في القدس المحتلة لما يشكله ذلك من تطبيع صريح مع إسرائيل.
وسيلاقي منتخب المملكة في مباراة رسمية مع نظيره الفلسطيني يوم الثلاثاء المقبل، ضمن تصفيات كأس العالم وأمم آسيا المزدوجة، بعد أن كان الأول قد رفض بشكل قطعي وحاسم مباراة كتلك، كانت ستقام قبل نحو أربع سنوات بالتمام في تاريخ مشابه، هو الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، وضمن المسابقة ذاتها، بحجة عدم تلطيخ اسم السعودية بشبهة “التطبيع”.
في السابق أصرّ السعوديّون على موقفهم، لدرجة أنهم كانوا مهددين بفقدان نقاط المباراة والاستبعاد من التصفيات -التي أوصلتهم أخيراً بالفعل إلى كأس العالم في روسيا- قبل أن تسوّى الأمور على نقل المباراة إلى العاصمة الأردنية عمّان، بعد اتصال مباشر من العاهل السعودي الصاعد إلى العرش حديثاً آنذاك، سلمان بن عبد العزيز، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
والسؤال الذي تمليه البديهة اليوم: ما الذي تغيّر في بضع سنين؟. واقع الحال، أن كلّ الأمور تقريباً لا تزال على حالها. الاتحاد الفلسطيني لا يزال على حاله برئاسة اللواء جبريل الرجوب، والنفوذ السعودي في الاتحاد الآسيوي لم يتراجع، وكذلك في الاتحاد الدولي، الذي وقف على الحياد في نهاية المطاف وأجل المباراة، تاركاً للطرفين فرصة الاتفاق.
ولا يزال الملك سلمان أيضاً عاهلاً للبلاد سوى أن ابنه محمد بن سلمان أصبح الآن بحكم الأمر الواقع الممسك بزمام القرار في المملكة، منذ صعوده المدوّي إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران عام 2017، الذي صعدت معه العلاقات مع إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة.
“زيارة” المنتخب السعودي التي يصفها الرجوب بأنها “الحدث الأهم في تاريخ الرياضة الفلسطينية بعد افتتاح الملعب البيتي عام 2011″، رغم أن منتخبات عربية كثيرة سبقت المنتخب السعودي إلى تلك الخطوة، ورغم أن الرياضة الفلسطينية شهدت أحداثاً كثيرة مهمّة، منها الفوز بكأس التحدي الآسيوي والتأهل للمرة الأولى إلى بطولة أمم آسيا القاريّة، قوبلت برفض شعبي تجسّد في مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسمي “التطبيع الرياضي”، و”فلسطين ليست ملعباً للتطبيع”، وبرفض فصائلي قلّ نظيره، إن في مثل هذه المناسبات أو إزاء السعودية.
قد يجادل أصحاب الرأي المقابل مستشهدين بزيارة فريق “الرجاء البيضاوي” المغربي قبل أيام للضفة، لمواجهة فريق “هلال القدس” ضمن “كأس العرب للأندية الأبطال”.
تركت الزيارة أثراً إيجابيّاً لدى جماهير الكرة في البلدين، وفتحت لدى الفلسطينيين قناة للتواصل مع إخوة بعيدين، كانوا يرفعون أعلام فلسطين في مدرجاتهم ويهتفون باسمها.
في رام الله أيضاً، حضر جمهور مغربي قليل من المغتربين، ورسموا مع الجماهير الفلسطينية علمي فلسطين والمغرب على جدار الفصل العنصري الذي يجاور ملعب المباراة، وغنّوا “رجاوي فلسطيني” في المدرجات. غير أن المشكلة لا تكمن في نيات الشعوب، بل في ما تخطط له الأنظمة.
دلالة ذلك هي السياق الذي يواكب زيارة المنتخب السعودي، واللافت أن هذه الزيارة بالذات، وعكس كثير من زيارات عربيّة سابقة مماثلة مرّت بهدوء، أعادت ملفّ “الملعب البيتي” الفلسطيني ليكون موضوعاً للسؤال والجدل، ولا سيّما أن هذا الملفّ كان مسكوتاً عنه ضمنياً خلال السنوات الماضية، وما زالت شبهة “التطبيع الرياضي” المحيطة به غير محسومة في النقاش الداخلي الفلسطيني.
حتى اللجنة الوطنيّة الفلسطينيّة للمقاطعة، وهي أوسع ائتلاف في المجتمع المدني الفلسطيني وقيادة حركة المقاطعة، لا تزال تعتبر أن التصاريح التي تستصدرها السلطة من سلطات الاحتلال، والتي ستحصل عليها البعثة السعودية الزائرة، ليست تطبيعاً “على مساوئها”.
إلا أن حركة المقاطعة نفسها استثنت، في بيان لها أمس، الزيارة السعودية من ذلك التعريف، واعتبرت أنها تأتي “في سياق التطبيع الرسمي للنظام السعودي”.
إزاء هذا الواقع المركّب، وبينما لا تبدي حركة المقاطعة موقفاً حاسماً في هذه القضيّة، يقف الجمهور الفلسطيني مترددّاً بين رواية “دعم الرياضة الفلسطينية” التي تسوّقها السلطة، ومحاذير التطبيع، الذي يتفقون بمجموعهم على رفضه، وهو تردد مدفوع بالشغف الرياضي والعاطفة الوطنية والتوق إلى التواصل مع الشعوب المحيطة.
ثمّة من يأخذ الرفض إلى مديات أبعد، ويعتبر أن استضافة المنتخبات الأخرى على ملاعب بيتيّة لا يجدر أن تحدث في بلاد محتلة، يتحرّك قادتها بتصاريح إسرائيلية.
ولذلك مضامين سياسية على المستوى الرمزي، إذا ما ركّبناه في قالب الاستراتيجية الإسرائيلية بعيدة المدى، التي تريد دويلة صغيرة في الضفة، تمارس سيادتها شكلاً وحسب، وتستقبل ضيوفها تحت الإشراف الإسرائيلي.
يصرّ الرجوب مثلاً على استخدام كلمة “مدينة القدس” للإشارة إلى مكان المباراة، وهي بلدة الرام التي تربض على أنقاض المدينة المقدّسة، من دون مراعاة محاذير هذا الاستخدام، أقلّه أمام الرأي العام، في سياق “صفقات السلام” التي باتت تقدّم فيها بلدات صغيرة في محيط المدينة المقدّسة على أنها “القدس العاصمة”.
الآن، بعد أن اعترف بن سلمان نفسه صراحةً، في مقابلته مع مجلة “ذي أتلانتيك” العام الماضي، بأن لدى إسرائيل “الحق في أن تكون لها دولة على أراضيها”، وبعد أن كشفت “معاريف”، في يونيو/حزيران العام الماضي عن لقاء الأخير برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في عمّان، وبعد أن صرّح مسؤول سعودي رفيع لصحيفة “غلوبز” الاقتصادية الإسرائيلية، في يونيو/حزيران من هذا العام، أن العلاقات العلنية مع إسرائيل “مسألة وقت”؛ يحق للفلسطينيين اليوم أن ينظروا إلى تلك الزيارة “الرياضية” بعين الريبة.
تلك شكوك مشفوعة أيضاً بتجارب سابقة، لمنتخبات عربيّة حضرت إلى هنا رافعة شعار “دعم الرياضة الفلسطينية وصمود الفلسطينيين”، ثم طفت لاحقاً علاقاتها مع إسرائيل إلى السطح.
عام 2011، كانت البحرين، التي احتضنت بالأمس القريب “مؤتمر المنامة” لتدشين الشق الاقتصادي لـ”صفقة القرن”، حاضرة بمنتخبها الأولمبي في رام الله، كأول منتخب عربي يمرّ عبر معابر الاحتلال ليلعب مع فلسطين على أرضها في مواجهة رسمية. عُمان كانت حاضرة بمنتخبها هنا أيضاً في تصفيات كأس أمم آسيا الماضية. دخلت بسلاسة ومن دون نقاشات كبيرة، وبعد عام من ذلك فاجأت قيادتها السياسية الجميع باستقبال رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
ما يزيد الأمر إشكالاً، أن فرقاً ومنتخبات من الكويت ولبنان وسورية وحتى ماليزيا، رفضت بشكل مطلق في السابق، في مناسبات رسميّة ووديّة، المرور إلى فلسطين عبر دولة الاحتلال.
فريق “النجمة” اللبناني، مثلاً، أصرّ قبل بضعة أشهر على عدم اللعب مع “هلال القدس” في رام الله ضمن كأس الاتحاد الآسيوي، وكاد ينسحب من البطولة بسبب ذلك.
في المحصّلة، أصبحت كل مواجهة رياضية مع الفرق الفلسطينية في البطولات الرسمية تمثّل “فرصة رمزيّة” أمام بعض اللاهثين وراء التطبيع، وإشكاليّة كبيرة أمام عرب آخرين، كانوا ينسحبون في السابق من مواجهة منتخب إسرائيل حين كان عضواً في الاتحاد الآسيوي، ووجدوا أنفسهم اليوم أمام واقع يلوّحون فيه بالانسحاب أمام الفرق الفلسطينية، وتلك مفارقة جديرة بالتأمل.
عطفاً على ما سبق، يبقى الثابت أن السعودية، التي ستحضر ببعثة مؤلفة من 120 فرداً بين إعلاميين وفنيين ورياضيين، وتمرّ قطعاً عبر معبر إسرائيلي، تكون قد سهّلت اليوم، بقراريها “الرياضيين المتناقضين”، الإجابة عن إشكالية “التطبيع الرياضي” تلك: ما كانت ترفضه المملكة “بشكل مطلق” في الأمس القريب لدواع سياسية تتعلق بـ”عدم المرور عبر حواجز الاحتلال”، تقبله اليوم، وتزيّنه بحلّة رياضيّة، كـ”التزام بمتطلّبات الاتحاد الدولي”، و”تحقيق لمبدأ تساوي الفرص بين المنتخبات”، كما ورد في بيان الهيئة العام للرياضة في السعودية. الحاصل أن منطق الخطاب يستبطن إعلان تطبيع ضمنيًّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى