نظام آل سعود واستراتيجية التغييب الاستباقي لصوت المجتمع
يفرض نظام آل سعود قيودا شديدة على الحريات العامة ويعتقل ويلاحق بشكل تعسفي كل من ينتقد رموزه وسلطاته وسياساته ضمن استراتيجية محددة للتغييب الاستباقي لصوت المجتمع.
يعمد نظام آل سعود خصوصا منذ ولي وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة منتصف عام 2017 على فرض استراتيجية تغييب استباقي كامل لمجرّد تفكير الشارع بإسماع صوته، أو مجرد التعبير عن أي رأيٍ مخالف، لما يريده “ولي الأمر”.
وتتضمن هذه الاستراتيجية سحق أي رأسٍ يرتفع محاولا التفكير خارج صندوق النظام، وهو بهذا المعنى لا يختلف كثيرا عمّن لا يستمع لصوت الشارع ضمن ثورات الربيع العربي، إلا بأنه يصادر حقه في أن يكون له صوت أصلا.
بموجب هذه الاستراتيجية وجد المجتمع السعودي نفسه مغيبا تماما عن حقه في تقرير مصيره، أو المشاركة ولو بجزء بسيط في هذا الحق، وأصبح محض كتل بشرية يتحكم بها قوى النظام وتحاول أن ترسم له مستقبله، رغم أن هذا المستقبل يشي حاضرُه بمدى السواد الذي يكتنفه.
الواضح أن سلطات آل سعود تعاني من حالة إنكار عجيبة، فعلى الرغم من الرسائل شديدة اللهجة والخطيرة جدا التي يرسلها الشارع وبطرق مختلفة، وغير تقليدية، إلا أن هذه السلطات غير مستعدة للتجاوب وإعادة النظر في طريقة سياستها شؤون البلاد والعباد.
وتظهر سلطات آل سعود غير معنية بالاستماع لصوت المجتمع من حيث المبدأ، كما أنها لا ترى غيرها مؤثّرا في الساحة، ولا ترى ولا تسمع إلا ما تقوله لها عيونها الأمنية، ومراجعها العليا خارج الحدود، وكل تلك الاحتمالات مفضية إلى مصير واحد: الطوفان.
وهذا الطوفان قادم لا محالة ضد نظام آل سعود ورموزه، وما تبنيه ودعمه سياسات الثورات المضادة لإفشال الثورات الربيع خشية من أن تصل إلى المملكة إلا مقدمة محتومة على ما هو قادم.
وإن كان نظام آل سعود حقق نجاحا نسبيا في إفشال غالبية الثورات والانتفاضات العربية وتحطيمها حال وصولها إلى رمال الشاطئ بفعل فاعل، فإن التاريخ يخبرنا أن نجاح الثورات الشعبية حتمي وقادم لا محالة.
ولن قدوم قدرة سلطات آل سعود الحاكمة، ما ظهر منها وما بطن، في الالتفاف على مطالب وتطلعات المجمع السعودي ضمن التطبيق الصارم لسياسة “جزّ العشب الضار”، لإبقاء الحال على ما هو عليه، بدعم غير محدود من طبقة المنتفعين داخليا، وإسنادٍ غير محدود أيضا من القوى الموجودة خارج الحدود، المعنية بالإبقاء على طبقة حكامٍ وصل ببعضهم الأمر أن يدفع “الجزية” للقوى العظمى، في مقابل حمايتهم من شعوبهم، أو من أخطار وهمية صنعوها هم بأنفسهم (إيران، الإرهاب والتطرّف، مثلا).
وتنوّعت أشكال هذه الجزية، بالدفع نقدا بالمعنى الحرفي، أو رهن مقدّرات البلد وقراراته الوطنية لخدمة النفوذ الأجنبي ومصالحه، وخدمة المشروع الإسرائيلي في فلسطين، وكلهم أو جلهم دفعوا كرها أو طوعا، وكل على قدر “استطاعته”.
فمع كل السواد الذي يحيط بهذه الصورة، إلا أن ثمّة ما يدعو إلى انتظار الأفضل، بدلالة استمرار الشعوب العربية بالتحرّك والتململ والانتفاض والثوران، على الرغم من كل محاولات الإفشال والسحق والمحق والتغييب الممنهج، وهذا أمر مبشّر يراكم خبراتٍ نضاليةً لدى العقل الجمعي العربي الذي يرفض أن يستكين للسكين التي تحاول ذبحه وهو ما يتطلع إليه المجتمع السعودي ولو بعد حين.