بين دماء غزة وصفقات الرياض.. عندما يفتح ابن سلمان أبواب الحرمين لليهود

في مشهد يعكس عمق التناقضات السياسية والأخلاقية التي تعيشها السعودية في عهد محمد بن سلمان، جاء القرار الأخير بالسماح لليهود بالتملك في أرض الحرمين الشريفين، بما في ذلك جوار الكعبة المشرفة والمدينة المنورة، كخطوة تطبيعية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة.
القرار المذكور لم يأتِ في فراغ سياسي، بل تزامن مع استمرار حرب الإبادة في غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا ويُدفن الأبرياء تحت الركام، بينما تُفتح أبواب مكة والمدينة لتجار العقارات والحاخامات القادمين من تل أبيب.
صفقة مطبوعة بدماء الفلسطينيين
التوقيت الذي اختارته الرياض لإصدار هذا القرار يثير الكثير من التساؤلات.
ففي الوقت الذي تحصي فيه وزارة الصحة في غزة آلاف الشهداء من الأطفال والنساء، تفتح السعودية الأبواب على مصراعيها أمام اليهود لتملك العقارات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، في خطوة يعتبرها مراقبون جزءًا من حزمة التنازلات ضمن قطار التطبيع الذي ترعاه الولايات المتحدة وتدعمه إسرائيل.
بينما يموت أطفال غزة بسبب الحصار والتجويع الممنهج، تقدم السعودية هدية استراتيجية لتل أبيب، عبر تحويل الحرمين الشريفين –رمزين عقائديين للمسلمين– إلى سوق عقارية مفتوحة لليهود، في مشهد يضرب القيم الدينية والكرامة القومية في الصميم.
ضرب قدسية الحرمين
على مدار التاريخ، ظل الحرمين الشريفين محط قداسة خاصة، تتجاوز حدود السعودية إلى قلب كل مسلم في العالم.
واليوم، يأتي القرار السعودي ليضع هذه القداسة في مهب الريح، إذ لم يعد السكن بجوار الكعبة أو مسجد النبي مرتبطًا بمكانة دينية أو انتماء إيماني، بل بمقدار ما يملكه المشتري من مال ونفوذ، حتى لو كان قادمًا من كيان يمارس التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
وإن السماح لليهود –وخاصة الحاخامات المرتبطين بالمؤسسات الصهيونية– بتملك العقارات بجوار الكعبة، ليس مجرد قضية عقارية، بل إهانة متعمدة لمليار ونصف مسلم، ورسالة مفادها أن النظام السعودي مستعد لبيع أي رمز ديني أو قومي مقابل رضا واشنطن وتل أبيب.
ازدواجية الخطاب السعودي
تكمن المفارقة الكبرى في الخطاب الرسمي السعودي، الذي طالما ادعى الدفاع عن القضية الفلسطينية، واحتضان شعارات “خدمة الإسلام والمسلمين”.
لكن على الأرض، يتحول هذا الخطاب إلى سياسة تخدم إسرائيل: من دعم مسارات التطبيع الاقتصادي والسياسي، إلى استضافة شركات أمنية إسرائيلية، وصولًا إلى فتح باب التملك لليهود في قلب الحرمين.
هذا القرار يكشف بوضوح أن ما يهم الرياض اليوم ليس نصرة غزة ولا الدفاع عن القدس، بل مراكمة الاستثمارات وتعزيز صورة ابن سلمان كحاكم منفتح على “العالم الجديد”، حتى لو كان الثمن هو بيع أعظم مقدسات المسلمين في المزاد السياسي.
غضب شعبي وصمت رسمي
في الشارع العربي والإسلامي، لا يمكن لمثل هذا القرار إلا أن يثير الغضب والصدمة. ملايين المسلمين الذين يحجون ويعتمرون كل عام سيجدون أنفسهم يجاورون مستوطنين يهود جاءوا من أرض فلسطين المغتصبة، ليقيموا بجوار الكعبة في مشهد يخلط المقدس بالمدنس.
لكن داخل السعودية، حيث القبضة الأمنية مشددة، من المتوقع أن يُواجه أي اعتراض بالقمع والتكميم، تمامًا كما حدث مع أصوات العلماء والدعاة الذين اعتقلوا لمجرد انتقاد سياسات ولي العهد. وهكذا، يتحول القرار إلى خطوة مفروضة قسرًا، تُمرَّر في ظل صمت رسمي وتطبيع إعلامي كامل.
وتبرر السلطات السعودية هذا القرار بأنه يهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي مفتوح.
لكن هذه الحجة سرعان ما تنهار أمام حقيقة أن المال القادم من الصهاينة سيكون ملوثًا بدماء الفلسطينيين، وأن أي “تنمية” قائمة على بيع الحرمين الشريفين للمطبعين لا يمكن أن تكون إلا تنمية مشبوهة.
وإن تحويل مكة والمدينة إلى “سوق عقاري مفتوح” يعني عمليًا خصخصة المقدسات الإسلامية لصالح لوبيات يهودية وشركات غربية، ما يجعل القرار ليس مجرد انفتاح اقتصادي، بل خيانة دينية وسياسية بامتياز.
الرسالة إلى غزة والعالم الإسلامي
بينما تعاني غزة المجاعة ويُقتل أبناؤها تحت الحصار، ترسل السعودية للعالم رسالة واضحة: دماء الفلسطينيين لا تعني شيئًا أمام صفقات التطبيع.
في لحظة كان يُفترض أن تستغل فيها الرياض مكانتها الروحية للضغط على إسرائيل ووقف العدوان، فضلت أن تمنح الصهاينة موطئ قدم في مكة والمدينة.
هذه الخطوة لا تقطع فقط مع الإرث الديني والتاريخي للسعودية، بل تضع المملكة في مواجهة مباشرة مع وجدان الأمة الإسلامية. فهي تطبيع مضاعف: تطبيع سياسي واقتصادي مع إسرائيل، وتطبيع معنوي يشرعن وجود اليهود الصهاينة في قلب أقدس بقاع المسلمين.
وعليه فإن قرار السعودية السماح لليهود بالتملك في الحرمين الشريفين ليس مجرد خطأ سياسي عابر، بل زلزال أخلاقي واستراتيجي ستكون له تداعيات بعيدة المدى على مكانة المملكة ودورها الإسلامي.
ففي الوقت الذي تئن فيه غزة جوعًا وتغرق في الدماء، تختار الرياض فتح أبوابها للحاخامات ورجال الأعمال الإسرائيليين.
إنها خيانة مزدوجة: خيانة لفلسطين التي تنزف منذ عقود، وخيانة للحرمين الشريفين اللذين تحولا إلى ورقة مساومة في يد ابن سلمان.
وبينما يُحرم أطفال غزة من رغيف الخبز، يُسمح للصهاينة بشراء بيوت بجوار الكعبة، في مشهد يلخص حجم الانحدار الذي بلغه النظام السعودي، ويؤكد أن معركة الكرامة اليوم لم تعد في غزة وحدها، بل أيضًا في قلب مكة والمدينة.




