فضائح السعودية

فشل ذريع لمؤامرات السعودية وأد الثورة التونسية

منذ انطلاق ثورات الربيع العربي من تونس وآل سعود يتأمرون لوأد الثورة التونسية وأمثالها في الدول العربية.
وسواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تأمرت السعودية للقضاء على النفس الثوري الذي ميز المشهد في التونس وأن ما يطلق عليه بالإسلام السياسي لا مناص من اعتباره معطى دخيلا عن النمط أو شذوذا في السيرورة الطبيعية للحكم، فلا بد من سحقه نهائيا حتى لكأنه كان أو سيكون.
ولعل المراقب لنتائج الاستراتيجية السعودية من أجل التخلص من مكونات الإسلام السياسي في تونس قد يلاحظ بما لا يدعو للشك أنها عرفت في السنوات الأخيرة فشلا ذريعا.
يتجلى بوادر هذا الفشل أكثر فأكثر من خلال التحالفات الانتخابية وحتى المبدئية بين مكونات المشهد السياسي التونسي التي لا يجمع بينها وبين الفكر السياسي الإسلامي أي مشترك تقريبا، بل إنها قد تتنافر وتتضاد فكرا وممارسة.
وعليه فإن العوامل الداخلية إضافة إلى العوامل الخارجية قد ساهمت بشكل، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، في انحسار الدور السعودي في تونس.
إذ تقلص الاهتمام الإعلامي بالدور السعودي في تونس، حيث نأت بعض وسائل الإعلام المعروفة بتأييدها له عن نفسها وابتعدت شيئاً فشيئاً عنه، ويمكن رصد عدة عوامل ساهمت في هذا الانحسار للدور “السعودي في تونس:
لا مناص من التأكيد أن عوامل عديدة جيوسياسية واجتماعية وحتى نفسية دفعت نحو التقارب بين مختلف مكونات الطيف التونسي المتناحر قبل 2014 حيث كانت دولة الإمارات حليفة السعودية خاصة تدعم شقا بعينه على حساب شق آخر محسوب على الثورة.
ولا يخفى على أحد أن دولة الإمارات ما فتئت تدعم ماليا ولوجيستيا حزب نداء تونس قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولكن نفس الحزب خير التحالف مع حزب حركة النهضة المحسوب على طيف الإسلام السياسي بمجرد فوزه بالانتخابات، ثم مع مرور الوقت أصبح لدى أغلب الأحزاب المعادية للإسلام السياسي قناعة راسخة أن السعودية والإمارات ما هي إلا موجة مضادة لن تبني على المدى الطويل إلا الكراهية والحقد على حساب المصلحة العليا للوطن والمواطن التونسي.
ولعل المراقب اليوم لمجريات الأمور في تونس حتماً سيلاحظ أن هناك أسبابا جوهرية وعميقة أدت إلى انحسار هذا الدور، نذكر منها ما يلي:
– لا يمكن بأي حال أن نتحدث عن انحسار دور الإمارات والسعودية في تونس دون أن نعرج على الدعم المالي واللوجستي الذي تلقته بعض الأحزاب المعادية للإسلام السياسي في تونس، وعلى رأسها حزب مشروع تونس لصاحبه الأستاذ محسن مرزوق، الذي تعلقت به عادة أحاديث مختلفة تتهمه فيه جهات بعينها بتلقي أموال كبيرة من عيال زايد لتشديد الضغط على حزب حركة النهضة، ولكن في نهاية الأمر اختار هذا الأخير التحالف إلى حد الذوبان مع حركة تحيا تونس، هذا الحزب الوليد الذي لا يجد حرجا في التعامل مع طيف الإسلام السياسي في تونس وتمرير بعض القوانين في البرلمان بمباركة أعضاء مجلس النواب عن حركة النهضة.
– بداية من سنة 2016 اتخذ الحزب الحاكم في البلاد قبل أن يتشظى موقفا يبعده عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية، رغم الضغط المتزايد من حكام السعودية، بل إن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نأيا بأنفسهما بأكبر قدر ممكن في اتخاذ موقف واضح من الأزمة اليمنية.
– رغم تقلص المساعدات المالية واللوجيستية السعودية لتونس بسبب بعض مواقفها المبدئية، فإن الأمر برز جليا لحكام تونس خلال المؤتمر الدولي للاستثمار “تونس 2020” بأن الدور الإماراتي السعودي لن يكون فاعلا إلا متى ارتبط شرط الاستثمار بالتعهد بتصفية طيف الإسلام السياسي في تونس، وهذا ما قد يعتبره المواطن التونسي تدخلا سافرا في الشأن الداخلي، مما حدا بدولة قطر إلى تغطية الفراغ الذي تركه المحور “السعوإماراتي” في تونس في الاستثمار دون قيد أو شرط.
– المواطن التونسي عموما بتكوينه النفسي والمعرفي وحتى التاريخي ينظر بعين الريبة لأنظمة الحكم الخليجية بصفة عامة، وللإمارات والسعودية بصفة خاصة، وقد استبد هذا الفكر أكثر بعد الثورة، نظرا للتدخل السلبي والمعادي للثورة التونسية.
– كان لوفاة الرئيس الشرعي والمعزول الدكتور محمد مرسي رحمه الله أثر بالغ على طيف واسع من الشعب التونسي، حتى هؤلاء المعروفون بمعاداتهم للإسلام السياسي، وقد جاء تصريح الأستاذ حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال التونسي مؤيدا لما أنف ذكره، والذي حمل مسؤولية الوفاة لحكم العسكر في مصر، وطالب بتحقيق دولي في أسباب الوفاة رغم ما قيل سابقا من أن دولة الإمارات ما فتئت تدعم الجبهة الشعبية التي يرأسها حمد الهمامي من أجل مواجهة حزب حركة النهضة.
– لا نكاد نلاحظ دورا يذكر للسفيرين الإماراتي والسعودي في تونس خلال السنوات الأخيرة، بل إن دورهما اقتصر أخيرا على حل المسائل الإدارية لبعض المواطنين من جنسية البلدين في غياب كامل لملفات الاستثمار والتنمية وتشييد المشاريع وتفعيل المصالح المشتركة بين البلدين والبلد المضيف تونس، على عكس الدور التركي القطري الذي أصبح يمثل محورا ثابتا يؤسس لدور استثماري متعاظم يدفع شيئا فشيئا بعجلة التنمية نحو أوجها وبخطى ثابتة.
– تقلص الاهتمام الإعلامي بالدور “السعوإماراتي” في تونس، حيث نأت بعض وسائل الإعلام المعروفة بتأييدها له عن نفسها وابتعدت شيئا فشيئا عنه، بعد أن خلصت أخيرا إلى تعلق شبهات عديدة بهذا المحور، بل وأصبح الكثير منها يتحدث ولو بخجل عن دور تخريبي يلعبه هؤلاء.
لعل هذه الأسباب ليست لوحدها قد أدت إلى انحسار هذا الدور وتقلصه بصفة كبيرة، بل ربما هناك أسباب خارجية أيضا قد ساهمت بشكل كبير في ذلك لا يسمح المقام بذكرها، ولكن لا يمكن أن نتجاهل بأي حال بوادر هزيمة قواعد اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وتشديد الحوثيين الخناق على المملكة بقصف عمقها الاستراتيجي، وقضية اغتيال الإعلامي جمال خاشقجي، ونظر الأوروبيين لتحالف ترامب مع السعودية والإمارات بعين الريبة لما فيه من مس صريح بمصالحهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى