نجحت المملكة العربية السعودية على مدار عقود طويلة أن تحتل مكانة مركزية وإقليمية في العالم، بعد أن استطاع الملك الراحل عبد العزيز آل سعود توحيدها عام 1932.
وخلال سنوات قليلة، استطاع الملك عبد العزيز تحويل المملكة التي اكتشفت النفط في أراضيها وبدأت بتصديره عام 1938م من بلد صحراوي إلى دولة حديثة متقدمة، ولاعب رئيسي على الساحة الدولية.
لكن منذ قدوم الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2015م ثم تعين نجله محمد ولي للعهد 2017م، يقول مؤرخون إنها سنوات فاصلة في تاريخ الدولة السعودية التي اهتز عرش مؤسسها خلال سنوات قليلة.
وأهم عناصر هذه المكانة الدولية، هي العامل الاقتصادي: فيصنف اقتصاد المملكة ضمن أقوى الاقتصادات في العالم باعتبارها عضوا في مجموعة العشرين. وتمتلك المملكة العربية السعودية 18.1٪ من الاحتياطيات المؤكدة من النفط في العالم لتأتي في الترتيب الثاني عالميا.
وتمتلك السعودية أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي، لكن منذ قدوم ولى العهد محمد بن سلمان 2017م للحكم، شهدت السعودية حربا نفطية ثانية في مارس/ آذار 2020 وخسرت مليارات الدولارات بعد تهور ولى العهد الفاشل أمام غريمه الروسي.
وليس هذا فحسب، بل طرحت المملكة شركة النفط المملوكة للدولة (أرامكو) للاكتتاب أواخر 2019م.
وإزاء هذه السياسيات تراجعت أرباح شركة أرامكو – أكبر شركة نفط في العالم – بنسبة 73.4% بالربع الثاني من عام 2020، مقارنة بالربع المماثل من 2019.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 6.8% خلال العام الجاري، في تراجع أشدّ من التباطؤ الذي توقعه الصندوق في أبريل/نيسان الماضي وحدد نسبته بـ2.3%، بفعل التداعيات الشديدة لانخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.
كما عمد ولى العهد محمد بن سلمان، على إنفاق مليارات الدولارت على صفقات استثمارية خارج المملكة، الأمر الذي خلق أزمة خانقة وغير مسبوقة داخل المملكة.
وداخليا، شهدت السعودية خلال السنوات الثلاثة، عملية انقلاب نفذها ولي العهد داخل الديوان الملكي على الأمير محمد بن نايف، ثم حملة الاعتقالات الشهيرة لأكثر من 370 أميرا من العائلة ورجال الأعمال والاستيلاء على أموالهم؛ بذريعة الفساد.
والأمير المعتقل حاليا محمد بن نايف، كان بمثابة أول حفيد للملك المؤسس الذي سيتولى حكم المملكة في حال وفاة عمه الملك سلمان بن عبد العزيز.
ومن القصور إلى السجون، اعتقل ولى العهد أفراد العائلة المالكة وزجهم في سجون سرية؛ خشية الانقلاب عليه وتمهيدا لتوليه الحكم بعد وفاة والده المريض.
وفضلا عن ذلك، هناك حملة قمع واعتقالات واسعة يشرف عليها ولى العهد ضد الأمراء والمفكرين والعلماء والأكاديميين والنشطاء والناشطات الحقوقيون؛ لتغيب أصواتهم وزجهم خلف سجون المملكة.
واجتماعيا، تسود حالة من الغضب الشعبي تجاه آل سعود، الذين ألغوا المساهمة الاجتماعية من قبل الدولة للمواطنين، وفرضوا ضرائب جديدة وألغوا غلاء المعيشة للمواطنين، عدا عن حملات الهدم والتهجير للقبائل والأحياء السكنية؛ تحت حجج واهية.
وبينما كان المؤسس وأسلافه يدفعون الأموال للمواطنين والمساكين مقابل الولاء والبيعة، قام الحفيد محمد بن سلمان، بهدم إرثهم وعاداتهم الاجتماعية.
المكانة العربية والخليجية: وبعد أن حظيت السعودية بمكانة عربية عالية ورفيعة لعقود طويلة، والأخ الأكبر للدول الخليجية، سعى ولى العهد إلى إحداث الشرخ السياسي والاجتماعي بين هذه الدول.
فأعلن بن سلمان الحرب عل اليمن، والحصار على قطر، وعمد على تجويع الشعوب العربية في العراق ولبنان وسوريا والسودان، وأضحت المملكة “ألعوبة” بيد ولى العهد الإماراتي محمد بن زايد الذي دفع المملكة نحو السقوط والهاوية.
ودعمت السعودية – في عهد بن سلمان – القتال الداخلي الليبي والصراع السني – الشيعي، عدا عن هجمته المسعورة ضد جماعة الإخوان المسلمين.
وإسلاميا: تحتضن السعودية منظمة التعاون الإسلامي غير أن المنظمة تخلت عن قضايا المسلمين المضطهدين في كشمير (الهند وباكستان)، وبسطت ذراعيها لليهود في العالم، حتى أن منبر الحرم المكي سخر للحديث عن المعاملة الطيبة مع اليهود وحسن الجوار.
ولعل القضية الأبرز في الرأي العام، هي تراجع السعودية عن مبادرتها “مبادرة السلام” في التعامل مع إسرائيل، فالمبادرة تنص على دولة فلسطينية على حدود أراضي 1967م.
لكن ولي العهد محمد بن سلمان يدفع المملكة للتطبيع مع إسرائيل، دون التزامها بالمبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عام 2002م، وكانت مبادرة لتحديد العلاقات العربية الإسرائيلية.
وتنص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية والأراضي المحتلة عام 1967م، وإقامة دولة فلسطينية وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم مقابل إقامة العلاقات العربية مع إسرائيل.
ودوليا، اتسمت علاقات السعودية خلال الأعوام الثلاثة، بالقطيعة والتأزم مع أكثر من 16 دولة.
والدول هي: قطر، الكويت، العراق، إيران، تركيا، باكستان، ماليزيا، سلطنة عمان، لبنان، اليمن، كندا، المغرب، روسيا، المجلس العسكري السوداني، السلطة الفلسطينية وغيرهما من الدول التي تخفي توتر العلاقة مع “الأمير الفاشل”.
ولعل المرحلة الأصعب التي تعيشها المملكة، حاليا، بعدما أضحت “عنصرا للابتزاز” الأمريكي والدولي، بعد سلسلة جرائم بشعة نفذها بن سلمان أبرزها حرب اليمن، وجريمة الصحفي جمال خاشقجي.
ونفذت “فرقة النمر” التابعة لولي العهد جريمة مقتل وتقطيع الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018م، داخل السفارة السعودية بمدينة اسطنبول التركية. وهو أمر أحدث ضجة وغضبا دوليا.
ويقوم أعضاء من الكونغرس الأمريكي بين الحين والآخر بالضغط على الرئيس دونالد ترامب من أجل محاسبة المجرم بن سلمان، غير أن ترامب يتجاهل ذلك محاولا ابتزازه بمليارات الدولارات لصالح بلاده عبر صفقات عسكرية.