تعاون مشبوه بين آل سعود وبنك أمريكي متورط بقضايا فساد
يثير التعاون المشبوه بين نظام آل سعود وبنك الخدمات المالية والاستثمارية الأميركي “غولدمان ساكس” الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام في ظل تورط البنك بقضايا فساد كبيرة.
مؤخرا خسر البنك الأمريكي ما لا يقل عن 25 مليار دولار من الصفقات في أبوظبي التي أوقفت العمل مع البنك الأميركي لتورطه في فضيحة الصندوق السيادي الماليزي (1MDB).
لكن البنك بدأ منذ أشهر بتمكين قوته في المملكة عبر طرح أسهم شركة أرامكو، في حلقة جديدة من مسلسل طويل لنظام آل سعود بالتورط في قضايا فساد وتعاون مشبوه مع مؤسسات دولية.
وكان الرئيس التنفيذي للبنك ديفيد سولومون، أول رئيس مصرفي في وول ستريت يزور المملكة بعد مقتل جمال خاشقجي، استعان برئيس الخدمات المصرفية الدولية في البنك ريتشارد غنودي ومستشارة دونالد ترامب السابقة ذات الأصول العربية دينا باول للمساعدة في قيادة الحملة التسويقية.
وقالت مصادر مطلعة لوكالة “بلومبيرغ” إن هؤلاء الثلاثة، قضوا شهوراً وهم يستمعون إلى كبار المسؤولين في الرياض، ويتنافسون على طرح أرامكو وهو من أكبر العروض العامة الأولية في العالم.
هذه الجهود أتت بثمارها. اليوم يعتبر غولدمان ساكس أحد أقوى المتنافسين الذين يحصلون على دور رائد في العروض الهائلة التي تقدمها أرامكو السعودية. والصفقة تعد بفتح الباب للمزيد من الأرباح مع انفتاح السعودية على الاستثمار الأجنبي والتخطيط لخصخصة المئات من أصول الدولة ومؤسساتها.
وقالت وكالة “رويترز” منذ يومين، نقلاً عن مصدر مطلع إن من المرجح أن تعطي أرامكو السعودية كلا من سيتي وغولدمان ساكس وإتش.إس.بي.سي ومجموعة سامبا المالية أدوارا في طرحها العام الأولي المزمع. ومن المتوقع أن تعين الشركة مستشاريها في عملية الطرح خلال الأيام المقبلة.
فعلياً، أصبحت المملكة محور استراتيجية غولدمان ساكس للشرق الأوسط بعد تداعيات فضيحة الفساد في الصندوق السيادي الماليزي، التي وصلت ارتداداتها إلى أبوظبي، التي كانت ذات يوم واحدة من أكثر أسواق البنك الأميركي ربحًا في المنطقة. وكذا، أصبحت التعاملات مع قطر أكثر تعقيداً وسط الاشتباكات الدبلوماسية مع المملكة.
وقال جاري دوغان، الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات المالية “بيربل أسيت مانجمنت” ومقرها سنغافورة: “المملكة منجم ذهب لإيرادات مؤسسات الخدمات المصرفية والاستثمارية المحتملة في الشرق الأوسط، مثل بنك غولدمان ساكس. سوف يحتاج البنك الأميركي إلى النجاح في طرح أرامكو لتعويض إغلاق الباب بوجهه في أبو ظبي”، وفق ما تنقل “بلومبيرغ”.
لقد كان غولدمان ساكس بمثابة ملجأ لكبار صانعي الصفقات في أبو ظبي، لكنه خسر صفقات بمليارات الدولارات بعد مقاضاته من قبل اثنين من الصناديق الاستثمارية في الإمارة.
البنك متهم بتضليل المستثمرين عندما ساعد الصندوق الماليزي على جمع 6.5 مليارات دولار من خلال صفقات السندات في عامي 2012 و2013، وسط اتهامات بمعرفته بأن الأموال سيتم اختلاسها. ونفى غولدمان ساكس ارتكاب الفضيحة وألقى باللوم على تيم ليسنر، الشريك السابق الذي أقر بأنه مذنب.
وقالت مصادر “بلومبيرغ” إن شركة “مبادلة” للاستثمار المملوكة لحكومة أبوظبي أعلنت علناً وقف التعامل مع غولدمان ساكس في وقت سابق من هذا العام، بينما توقف عدد من المقرضين المحليين والهيئات الحكومية عن التعامل مع البنك الأميركي بشكل غير رسمي.
تم تهميش غولدمان ساكس، في الوقت الذي دخلت أبوظبي التي تضم 6 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، في خضم موجة اندماجات حيث تتعامل الإمارة مع انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي. وتقوم الحكومة بدمج البنوك والصناديق السيادية وبيع الأصول غير الأساسية وجلب المستثمرين الدوليين إلى القطاعات الأساسية مثل النفط والغاز.
وقدم البنك الأميركي المشورة بشأن الطرح العام الأولي لوحدة توزيع البيع بالتجزئة في شركة أبوظبي الوطنية للنفط في عام 2017 والتي جمعت 851 مليون دولار وعمل مع “مبادلة” على الاكتتاب العام بقيمة 3 مليارات دولار لشركة الإمارات للألمنيوم العالمية. كما شارك في صفقة مثيرة للجدل لجمع سندات بقيمة 1.2 مليار دولار لمجموعة من شركات الطيران المرتبطة بخطوط الاتحاد للطيران الإماراتية.
وكان اثنان من صناديق الاستثمار في أبوظبي رفعا دعوى قضائية على غولدمان ساكس في العام الماضي، إثر تعرضهما لخسائر بسبب دور غولدمان ساكس في فضيحة الصندوق الماليزي.
وذكرت شركتا “الاستثمارات البترولية الدولية (إيبيك)” و”آبار” للاستثمارات المملوكتان لحكومة أبو ظبي في دعوى قضائية أن مجموعة بنك “غولدمان ساكس” دفعت رشى لمسؤولين سابقين في صندوق سيادي ماليزي تحيط به فضيحة فساد كبرى، ليوافقوا في المقابل “على التلاعب وتضليل إيبيك وآبار، وإساءة استخدام اسمي الشركتين وشبكاتهما وبُنيتهما التحتية لتعزيز مخططاتهم الإجرامية وللاستفادة الشخصية”.
وعلى الرغم من التداعيات، يستمر غولدمان ساكس بالتواصل مع الشركات في أبو ظبي والبحث عن أعمال جديدة هناك، على حد قول مصادر “بلومبيرغ”.
تقول وكالة “بلومبيرغ” إنه عندما عادت باول المصرية المولد إلى غولدمان ساكس العام الماضي بعد فترة من العمل في إدارة ترامب، قدم البنك دوراً جديداً لها في قسم الاستثمار المصرفي. تم تكليفها لمغازلة صناديق الثروة السيادية الكبيرة، خاصة في الخليج. وكان تعيينها غريباً، لأنها لم تكن لديها خبرة مصرفية سابقة ولم تكن حتى هذا العام قد أكملت الاختبارات المطلوبة من قبل بنوك وول ستريت.
وشرح أحد مصادر “بلومبيرغ” أن باول بدأت زيارة السعودية في الفترة التي سبقت إصدار سندات أرامكو القياسية لأول مرة، والتي ساعد غولدمان ساكس في إدارتها. ولفت إلى أن المتحدثة باللغة العربية ونائبة مستشار الأمن القومي الأميركي السابقة لعبت دوراً رئيسياً في الترويج للأعمال التجارية لغولدمان ساكس باستخدام صلاتها العميقة في الشرق الأوسط.
يعمل بنك غولدمان ساكس على بناء وجوده في المملكة العربية السعودية منذ فترة، يعزز عدد الموظفين، ويحصل على رخصة تداول الأسهم والمشاركة في الصفقات الرئيسية بما في ذلك أول عملية بيع للسندات باليورو بالمملكة.
وقال البنك في يوليو/ تموز إنه عين محمد نزير من بنك جيه بي مورغان للانضمام إلى فريق الخدمات المصرفية الاستثمارية في المملكة.
هذه الجهود بدأت تسفر عن النتائج. أصبح البنك الأميركي قريبا من مضاهاة “أش أس بي سي هولدنغ” و”جي بي مورغان” اللذين هيمنا لسنوات على إبرام الصفقات في المملكة. وكان غولدمان ساكس ثاني أكبر مستشار في عمليات الاندماج والشراء في البلاد العام الماضي، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ.
كذا قدم البنك الأميركي المشورة لشركة الصناعات الأساسية العملاقة للبتروكيماويات (سابك) بشأن بيعها بقيمة 69 مليار دولار لشركة أرامكو، وهو يعمل على اندماج بنك الرياض مع البنك التجاري الوطني. كما قدم المشورة للبنك السعودي البريطاني بتكلفة 5 مليارات دولار للاندماج مع بنك “الأول”.
ومع ذلك، فإن العمل في المملكة لا يخلو من المخاطر. رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية محدودة مقارنة بالأسواق الأخرى، والضجيج حول الصفقات يخفي المعاناة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة طويلة الأجل التي تعتبر حيوية للحد من الاعتماد على النفط.
وفي حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد زاد أكثر من الضعف في العام الماضي إلى حوالي 3 مليارات دولار، فإنه لا يزال أقل بكثير من متوسط المستوى في العقد الماضي.
ويعود ذلك جزئياً إلى عدم اليقين بشأن الخطط الاقتصادية للحكومة، وسجل حقوق الإنسان السيئ، والحملة المعلنة ضد الفساد في عام 2017، والتي أطاحت بمئات المليارديرات ورجال الأعمال. ولا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على علم أو أمر بقتل خاشقجي، وهو ادعاء تنفيه المملكة.
وقال ديفيد كنوتسون، رئيس أبحاث الائتمان في الأميركتين لدى شركة “شرودر انفستمنت مانجمنت” للاستثمارات في نيويورك: “عندما تتعامل في الأسواق الناشئة، يجب أن تكون أنظمتك أكثر قوة. إذا بقيت يقظاً ستحصل على المال، ما يخفف من حساسيتك للمخاطر. إذا تركت حذرك، فإن مخاطر الأسواق الناشئة سوف تطاردك لفترة طويلة”.