أخبار

تخبط المملكة.. حصاد ما سببه بن سلمان من ويلات في اليمن

تتخبط في المملكة في أزمة غير مسبوقة منذ عقود بفعل هجمات خطيرة تتعرض لها على مدار الأسابيع الأخيرة وتعلن جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) المسئولية عنها.
يأتي ذلك كحصاد لما سببه نظام آل سعود من ويلات في اليمن وتحول سياسة المملكة باتجاه علاقات وطيدة مع إسرائيل والغرب، وافتعال الحروب والخلافات في البلدان العربية.
السياسة الحالية للمملكة يقف وراءها ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يقود فعلياً -بحسب تأكيدات من أفراد منشقين عن العائلة السعودية الحاكمة- المملكة وليس والده الملك سلمان.
وتشير الأحداث إلى أن السلاح السعودي الذي هز الغرب قبل أربعين عاماً تدفق باتجاه شراء كميات كبيرة من أحدث الأسلحة وتسخيرها في حرب اليمن لقتال داخلي.
وتظهر تقديرات الإنفاق على الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، بأنها تتراوح بين 85 ملياراً و760 مليون دولار، إلى 87 ملياراً و560 مليون دولار، بما لا يشمل الخسائر غير المباشرة المتعلّقة بتراجع الاستثمارات في السعودية على وجه التحديد، والزيادة في الإنفاق العسكري، والنقص في احتياطي النقد الأجنبي.
وفي استعراض سريع للبيانات التي تُظهر تأثّر اقتصاد السعودية بالحرب نجد أن السعودية رفعت قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013، 59.6 مليار دولار فقط.
علاوة على هذا فقد أعلنت شركة “آي إتش إس” للأبحاث والتحليلات الاقتصادية أن مشتريات السعوديّة من السلاح قفزت بمعدل كبير، لتصبح المملكة المستورد الأول للسلاح على وجه الأرض في 2015، بقيمة 65 مليار دولار.
ولم تستثمر هذه الأسلحة في قتال الإسرائيليين، ولا أثمانها في دعم المسلمين المضطهدين في دول أخرى، أو العرب المهجرين الذين يسكنون في خيام بعدة دول، وهو ما يشير إلى تخلي المملكة عن دورها العروبي والإسلامي الذي أدته خلال حكم الملك فيصل بن عبد العزيز.
ليس هذا فحسب؛ بل إن النفط السعودي بات يُضخ بشكل مضاعف دون أن يتراجع إنتاجه؛ وفق توصيات ورغبات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي طلب من المملكة بعيد حظر تصدير النفط الإيراني زيادة ضخ النفط، وهو ما نفذته على الفور.
كما يصر ترامب على تذكير نظام آل سعود مراراً بأن عليها أن تدفع لتستمر الحماية الأمريكية لحكمها، وهو ما كرره ترامب يوم الاثنين (16 سبتمبر 2019)، بعد يومين من الهجمات على أرامكو.
ومنذ أن تعرضت منشآت نفطية سعودية لضربات جوية، في 14 سبتمبر الجاري، استشعرت المملكة خطراً داهماً؛ حيث إن النفط -سلاحها الأقوى عالمياً- معرّض لزوال قوته.
فالهجوم الذي تعرض له عملاق النفط في العالم “أرامكو” أدى -وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر مطلعة- إلى تعطل الإنتاج النفطي السعودي وصادرات المملكة، حيث شمل الهجوم أكبر وثاني معملين لتكرير النفط في العالم.
وأثرت الهجمات التي تبنتها مليشيا “الحوثي” اليمنية المدعومة إيرانياً في إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة، بحسب أحد مصادر الوكالة.
ووفقاً لوكالة “رويترز” فإن عودة “أرامكو” إلى مستويات الإنتاج الطبيعية “قد تستغرق شهوراً”، بينما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن مصادر، إن الرياض تدرس تأجيل طرح “أرامكو” للاكتتاب العام، وذلك بعد الهجوم الذي استهدف منشآتها النفطية.
تلك المعلومات التي أدلت بها هذه المصادر تشير إلى مصير خطير ينتظر المملكة إذ يصيب اقتصادها في مقتل، ويأتي بموازاة توقع صندوق النقد الدولي، مؤخراً، ارتفاع عجز موازنة المملكة إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقابل 5.9% في 2018.
لكن هذا التوقع صدر قبل أيام من الهجوم الذي أوقف نحو نصف إنتاج السعودية من النفط يومياً، المتوقع له أن يستمر لستة أشهر، هذا إن لم تتعرض المنشآت النفطية في المملكة إلى هجمات مماثلة.
ولطالما شكل إنتاج الطاقة في منطقة الشرق الأوسط معالم الصراعات والحروب لأكثر من قرن من الزمن، حيث كانت الدول العظمى تتقاتل فيما بينها للسيطرة على أكبر قدر ممكن من منابع النفط لا سيما في دول الخليج وخاصة المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم.
واشتعل الحديث حول النفط وعلاقته بالحروب، مع استهداف غير مسبوق لعملاق النفط السعودي “أرامكو”، الذي أدى إلى تعطل الإنتاج النفطي وصادرات المملكة، حيث شمل الهجوم أكبر وثاني معملين لتكرير النفط في العالم.
أكثر المنتفعين من النفط السعودي وعائداته التي تحولت مبالغ كبيرة منها لصفقات سلاح مع واشنطن، كان أول الملمحين إلى الاستغناء عن النفط السعودي وضخ بديل له، وفي المقابل تراجع معادلة النفط مقابل الحماية.
حيث قالت الناطقة الرسمية لوزارة الطاقة، شايلين هاينز، في تصريح لشبكة “سي إن إن” الأمريكية: إن الوزير “أمر إدارة الوزارة بالعمل مع وكالة الطاقة الدولية، للبحث عن الخيارات المتاحة المحتملة للعمل العالمي الجماعي، إذا لزم الأمر”.
وأشار مسؤول في وزارة الطاقة إلى أن احتياطيات النفط الاستراتيجية الأمريكية تبلغ “630 مليون برميل.. لهذا الغرض خصوصاً”.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تشير فيها واشنطن إلى الاستغناء عن النفط السعودي والخليجي بشكل عام، فمقابلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع مجلة التايم، يوم 18 يونيو 2019، وتصريحاته حول تراجع أهمية تدفق النفط من منطقة الخليج العربي نحو بلاده، أثارت العديد من التساؤلات بشأن نهاية عهد الحماية الأمريكية لحلفائها في المنطقة.
ورغم إرسال واشنطن قوات عسكرية ضخمة إلى منطقة الخليج خشية تعرض إمدادات النفط للتهديد من إيران، فإن ترامب بدا من خلال حديثه قد تراجع عن اللجوء إلى القوة بشأن حماية الإمدادات، في حين أبدى استعداده القيام بعمل عسكري لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي.
وتصاعدت المخاوف من مواجهة بين إيران والولايات المتحدة منذ الهجوم على ناقلتي نفط قرب مضيق هرمز الاستراتيجي يوم (13 يونيو 2019)، الذي وجهت واشنطن أصابع الاتهام فيه إلى إيران، وما تبعه من تصعيد واحتجاز سفن وإسقاط طائرات مسيرة.
وتحدث ترامب مع مجلة تايم الأمريكية بنبرة اختلفت عمَّا دعا إليه بعض أعضاء الكونغرس الأمريكيين بضرورة التعامل مع إيران عسكرياً، واعتبر تأثير الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عُمان “طفيفاً للغاية”.
وأيد تصريحات ترامب وزير الخارجية مايك بومبيو بالقول: إن “الولايات المتحدة لا تريد للصراع مع إيران أن يتصاعد، لكنها ستواصل حملة الضغط”، مضيفاً: إن “الرئيس ترامب لا يريد الحرب بينما نفعل ما يلزم لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة”.
وقلل الرئيس الأمريكي من أهمية النفط المستورد من منطقة الخليج (تتزعم السعودية معظم صادراته النفطية) بالنسبة لأمريكا بالقول: “نحن نحصل على كميات ضعيفة جداً بعد أن أحرزنا تقدماً كبيراً حول الطاقة في العامين ونصف الماضيين”، مشيراً إلى قرب تصدير بلاده للنفط والطاقة.
وخلال القمة السعودية الأمريكية التي عقدت في مايو 2017، وقع الملك سلمان وترامب عدة اتفاقيات تعاون عسكري ودفاعي وتجاري بقيمة 460 مليار دولار، في حين قال وزير التجارة السعودي، ماجد القصبي، إن بلاده منحت تراخيص للاستثمار بالمملكة لـ23 من كبرى الشركات الأمريكية.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية كان ترامب يطالب المملكة بـ “الدفع مقابل الحماية”، إذ قال في أكثر من مناسبة إنه يتعين عليها دفع الأموال مقابل ذلك، إلا أن هجمات أرامكو الأخيرة أبعدت حجة حمايتها من الخطر الإيراني، بعد تأكيد الرياض أن القصف قد تم بأسلحة إيرانية ومن خارج اليمن.
وفي 2015 غرد على صفحته في تويتر، أي قبل وصوله إلى البيت الأبيض: “إذا كانت السعودية التي تدر مليار دولار كل يوم من النفط تحتاج إلى مساعدتنا وحمايتنا، فإن عليهم أن يدفعوا ثمناً كبيراً. لا فطائر مجانية”.
وقبل ذلك بعام قال: “إن على السعودية إما أن تقاتل في حروبها بنفسها (ولن تفعل)، أو أن تدفع لنا ثروة طائلة لحمايتها هي وثرائها؛ تريليون دولار”.
ومن هنا يمكن الاستدلال أن تصريحات ترامب ليس جديدة أو عابرة، بل مخطط لها ومدروسة وينفذها رويداً رويداً دون النظر إلى أي علاقة استراتيجية قوية وصلبة كانت بين واشنطن والرياض على مدار العقود الماضية، وهو ما أشار إليه مغردون أمريكيون تداولوا تغريدة ترامب تلك تزامناً مع هجمات أرامكو.
ويعتقد مراقبون أن إدارة ترامب لا يمكنها أن تقدم على أي خطوة في الوقت الحالي ما لم تضعها في ميزان الانتخابات المقبلة؛ لأن كل ما يهم الرئيس الأمريكي في الوقت الحالي هو الحشد للفوز في الانتخابات والتغطية على أثر التحقيقات الجارية فيما يخص التدخل الخارجي فيها.
والوجود الأمريكي في المنطقة لن يكون لتأمين مصادر النفط؛ لأن الولايات المتحدة تستورد حالياً أقل من مليون برميل سنوياً، وبحسب قول ترامب، فإن مصادر إنتاج النفط في المنطقة لم تعد ذات أهمية بالنسبة للإدارة الأمريكية.
أما موضوع وجود الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما الخليج العربي، فهو ضمن استراتيجية تعزيز نفوذها حول العالم بالأساس وعدم فسح المجال للنفوذ الصيني أو الروسي، وليس فقط تأمين مصادر النفط.
وتوشك الولايات المتحدة الأمريكية، قبل نهاية العام 2019، على انتزاع عرش أكبر مصدر للنفط في العالم من روسيا والسعودية، اللتين تتنازعان على تصدر دول العالم كأكبر مُصدر للطاقة.
وفي عام 1900 ازدهرت صناعة النفط بأمريكا وشهد الإنتاج قفزات متتالية، لا سيما مع استخدام النفط وقوداً للسيارات، في حين أصبح النفط أكبر مصدر للطاقة في الولايات المتحدة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.
وتتوقع شركة “إكسون” للطاقة أن يبقى النفط أكبر مصدر للطاقة حتى 2040؛ نظراً لمحتوى الطاقة العالية الكامنة فيه بالإضافة إلى سهولة نقله، في حين تشير بيانات ومعلومات الطاقة الأمريكية إلى تصدر الولايات المتحدة المنتجين حول العالم خلال العقود المقبلة.
شركة أبحاث الطاقة “ريستاد إنرجي” أكدت أن الولايات المتحدة ستتجاوز السعودية، قبل نهاية العام فيما يتعلق بصادرات النفط وسوائل الغاز الطبيعي والمنتجات النفطية مثل البنزين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى