أوضاع مزرية للعمال في المملكة بفعل الانهيار الاقتصادي
حل عيد العمال هذا العام، على وقع أزمة كورونا المستجد وفي ظل موجات التسريح الكبيرة التي تهدّد ملايين العمال في المملكة التي تعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وتلقى الوافدون ضربة قاسمة و”تفنيشات” قياسية، على خلفية الخسائر الفادحة التي تكبدتها المملكة بسبب انهيار أسعار النفط بالتزامن مع تفشي الفيروس بحسب ما نشرت صحيفة “العربي الجديد” الصادرة من لندن.
وتعد العمالة في المملكة الأكثر تضررا خليجيا بسبب تهاوي إيراداتها المالية وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لتدخلها العسكري في اليمن.
إذ عاشت العمالة الوافدة في المملكة أوضاعا سيئة بسبب الإجراءات القاسية التي أقرتها السلطات من خلال فرض رسوم كبيرة على الأجانب العام الماضي، ثم جاءت أزمة تفشي كورونا لتفاقم أوضاعها بصورة أكبر، حيث تم تسريح مئات الآلاف من العمالة الوافدة والمحلية خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، بحسب مركز الدراسات الاقتصادية الخليجية.
ويقول رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الاقتصادية جاسر عبد العزيز، إن المملكة تمضي إلى المجهول بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم مشكلات المواطنين والمقيمين وارتفاع الأسعار وضعف الإيرادات فضلا عن موجة تسريح العمال الوافدين.
ويوضح عبد العزيز أن عدد المواطنين السعوديين الذي تم الاستغناء عنهم خلال أزمة تفشي كورونا يبلغ مئات الآلاف خلال الربع الأول من 2020 بسبب خسائر القطاع الخاص السعودي جراء توقف الأعمال والحظر الجزئي في المملكة، مشيرا إلى أن اقتصاد البلاد سيحتاج إلى سنوات من أجل التخلص من آثار أزمة كورونا.
وجراء تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم عجز الميزانية وتراجع الإيرادات النفطية، اضطرت حكومة آل سعود إلى خفض الإنفاق العام بقيمة 13 مليار دولار، وتأجيل مشروعات البنية التحتية في المملكة، فيما أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن بلاده ستعتمد على الاقتراض والسحب من الاحتياطي في الجانب الأكبر من تمويل عجز الميزانية.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي سعود الرشدان إن حكومة آل سعود مطالبة بإعادة النظر في البنود التي ترهق الميزانية.
وأكد الرشدان أن التدخل السعودي في اليمن يستنزف موارد المملكة وتسبب في تأخر إقرار إصلاحات اقتصادية ومعالجة أزمة البطالة، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي يتكبدها القطاع الخاص السعودي الذي يعتمد بصورة كبيرة على العمالة الوافدة. ويبلغ عدد الوافدين نحو 13.1 مليون شخص، من إجمالي سكان 34.5 مليون نسمة، حسب بيانات رسمية.
ومنذ إعلان ولي العهد محمد بن سلمان رؤية 2030، عملت السلطات على حصر عدد من الوظائف والمهن على المواطنين السعوديين ومنع العمال الاجانب من العمل بها وأدى ذلك إلى تقليص عدد العمال الاجانب بشكل كبير داخل المملكة.
وكانت حكومة آل سعود قد بررت إجراءات واسعة لتقليص أعداد العاملين الأجانب، بزيادة توطين الوظائف عبر تشغيل السعوديين في العديد من القطاعات الاقتصادية.
وقررت التوسع في “سعودة” الاقتصاد كأحد أركان رؤية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان، من خلال حصر العمل في عشرات المهن والحرف بعدد من القطاعات المهمة بالسعوديين من دون غيرهم من الجنسيات.
ومنذ عام 2017، فرضت المملكة تحديات متصاعدة على العمالة الأجنبية، تمثلت في إقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم وعلى أفراد أسرهم، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات رئيسية، علاوة على موجة ارتفاع أسعار السلع والوقود، بسبب سلسلة ضرائب جديدة أقرتها المملكة.
وأظهرت بيانات رسمية أن ما يقرب من 1.9 مليون عامل أجنبي في القطاع الخاص غادروا السعودية منذ بداية عام 2017، في مؤشر على تنامي الضغوط المعيشية والصعوبات الكبيرة التي تواجهها أغلب الشركات في المملكة.
ووفق المصادر فقد استند إلى البيانات الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للإحصاء، فإن نحو 180 ألف عامل غادروا المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري، بعد أن رحل نحو 1.79 مليون شخص خلال عامي 2017 و2018.
ووصل عدد العاملين الأجانب في القطاع الخاص إلى نحو 6.59 ملايين عامل بنهاية الربع الأول من 2019، مقابل 8.49 ملايين عامل في بداية 2017.
ورغم العدد الضخم الذي غادر المملكة، إلا أن المعدل العام للبطالة لم يتراجع إلا بنسبة طفيفة، ليستقر عند 12.5 في المائة في الربع الأول، مقابل 12.7 في المائة في الربع الأخير من 2018، في حين أن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 36.3 في المائة، وفق بيانات هيئة الإحصاء.
لكن وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأميركية ذكرت، في تقرير لها، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن سياسات حكومة آل سعود في التوطين العشوائي للمهن البسيطة تسببت في حدوث كوارث في السوق، وكذلك بالنسبة للوافدين.
وبجانب تقلص الأسواق مع رحيل نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية، جاءت الإجراءات الإلزامية لتوطين الوظائف لتسطر فصلاً جديداً من الخسائر للشركات الكبرى في السعودية، حيث رصدت تقارير دولية اضطرار شركات كبرى إلى إغلاق مئات الفروع في المملكة جراء الخسائر التي تكبدتها نتيجة “السعودة”.
وبدأت المملكة، في يوليو/تموز 2017، فرض ضريبة انتقائية على التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنسب بين 50 و100 بالمائة، فيما بدأت مطلع 2018، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة، كما رفعت أسعار الطاقة والكهرباء.
وتعاني العمالة الوافدة إلى المملكة من فرض رسوم شهرية على المقيمين المرافقين للعمالة الوافدة في القطاع الخاص، ودخلت حيز التنفيذ بالفعل صيف 2017.
وألزمت المملكة المقيم بدفع 100 ريال شهرياً عن كل فرد من أسرته مقيم معه بدءاً من يوليو/تموز 2017، وضاعفت المبلغ إلى 200 ريال من الشهر نفسه عام 2018، ومن المنتظر أن تزيد هذه الرسوم إلى 300 ريال في عام 2019، ثم إلى 400 ريال، بمجموع 4800 ريال في السنة، بحلول يوليو/تموز 2020.
وتراجعت تحويلات الأجانب المقيمين في المملكة إلى الخارج، بنسبة 12.5 بالمائة على أساس سنوي، خلال أول 7 أشهر من 2019، إلى 72.8 مليار ريال (19.4 مليارات دولار)، مقابل 83.2 مليار ريال (22.2 مليار دولار) في الفترة المناظرة من 2018.
وكانت تحويلات الأجانب المقيمين في المملكة تراجعت بنسبة 3.7 بالمائة على أساس سنوي، خلال 2018، إلى 136.4 مليار ريال (36.4 مليار دولار)، بينما وصلت إلى مستوى قياسي في 2015، عند 41.8 مليار دولار.
وأحاطت الإخفاقات بالمشروعات والخطط الاقتصادية الرئيسية، التي أدرجها بن سلمان ضمن رؤية 2030، التي روج لها على أنها مستقبل المملكة، ما دعا مؤسسات مالية وبحثية عالمية إلى تبني مواقف أكثر تشاؤمية لمستقبل المملكة، في ظل الفشل المتتالي على الصعيد الاقتصادي واستنزاف موارد الدولة.
وتكبدت نسبة كبيرة من الشركات المدرجة في البورصة، خسائر فادحة، خلال النصف الأول من العام الجاري، لتقترب خسائر بعضها من 10 آلاف في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2018، لتواصل نزيف الخسائر المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة بفعل تهاوي الكثير من الأنشطة، جراء تراجع عائدات النفط، وكلفة الحرب في اليمن، والصراعات في منطقة الخليج.
ونشر في 25 أغسطس/آب الماضي، خسرت 50 شركة، تمثل نحو 28 في المائة من إجمالي الشركات المدرجة في السوق والبالغ عددها 179 شركة، كما تراجعت أرباح 88 شركة، بما يمثل نحو نصف الشركات.
وأظهرت نتائج أعمال الشركات، التي جرى الإفصاح عنها تباعاً خلال الأيام الماضية، أن 32 شركة تجاوزت خسائرها 100 في المائة، واقتربت خسائر إحدى الشركات من 10 آلاف في المائة، في حين تجاوزت خسائر 4 شركات الألف في المائة.