النظام السعودي يضخ الملايين لاسترضاء الرأي العام الأمريكي
نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تفاصيلًا حول ما تضخه السلطات السعودية من ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة الأمريكية للتعتيم على انتهاكاتها الحقوقية وتلميع صورتها عند الرأي العام الأمريكي.
فمع أن عددًا من الشركات تخلى عن خطط التعاون مع السلطات السعودية مع اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018، وجدت فيها شركات أخرى فرصة سانحة لإقامة عقود بالملايين للعمل على تحسين صورتها.
وسبق أن نقلت منظمة القسط لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية سعودية تتخذ لندن مقرًّا لها، تقريرًا عن التعاقد بين هيئة حقوق الإنسان التابعة للسلطات السعودية وشركة “كورفيس” للاستشارات.
وأشارت إلى أن الهيئة التي عملت في اجتماعاتها على دفع الجهات الدولية من دبلوماسيين ومنظمات غير حكومية على الكف عن انتقاد انتهاكاتها.
وعبرت المنظمة عن تساؤلها عما إذا كان هدف العقد هو تحسين صورة هيئة حقوق الإنسان أم السلطات السعودية نفسها، مؤكدةً أنه “من الأفضل بل والأنجع تحقيق هذين الأمرين بالمعالجة الفعلية والحقيقية لسجل حقوق الإنسان”.
وصرحت شركة “كورفيس” في بيانٍ لها عقب اغتيال خاشقجي “تأخذ المسألة على محمل الجد” ولكنها “بانتظار جمع كامل المعلومات عن الحادثة”، ولكن تأكيد عدد من الجهات الدولية لضلوع السلطات السعودية حتى أعلى الهرم في عملية اغتيال خاشقجي وتقطيع جثته لم تمنع “كورفيس” من مواصلة تعاونها مع السلطات السعودية.
ومنذ مقتل جمال خاشقجي، تلقت أكثر من عشرين شركة علاقات عامة أمريكية من السلطات السعودية ما مجموعه 273 مليون ريال سعودي (73 مليون دولار أمريكي)، كانت حصة “كورفيس” منها 100 مليون ريال سعودي (28 مليون دولار أمريكي)، حسب ملفات قدمت لوزارة العدل الأمريكية بموجب “قانون الوكلاء الأجانب” الذي يلزم الشركات بالكشف عن الأموال التي تتلقاها من حكومات أجنبية.
ما قبل “نكسة” بن سلمان
هذه الحملات الدعائية لم تبدأ بعد جريمة قتل خاشقجي في إسطنبول، فقبيل تعيين محمد بن سلمان وليًّا للعهد انطلقت حملة دعائية دولية ضخمة شارك فيها عددٌ من كبار الصحفيين الأمريكيين.
بمن فيهم بعض صحفيي “واشنطن بوست”، وصفها الباحث كريستيان كوتس أولريشسن وقتها، في مقالٍ له نشر في الصحيفة نفسها، بأنها “محاولةٌ لبيع الأمير على جمهور غربي”.
وفي 2016، وقتما كان محمد بن سلمان نائبًا لولي العهد، كتب المحرر المشارك وكاتب العمود في “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس إنه “من الصعب ألا تصبح مشجّعًا للقائد الشاب”.
وبدورها وجهت مؤسسة “فير” الأمريكية، التي تراقب التحيزات والدقة في الصحافة، الانتقاد لهذه التغطية، وما تعتم عليه من تزايد وتيرة القمع.
ونبهت إلى تكرار مساهمة كبار الصحفيين في حملات التلميع السابقة لبروز بن سلمان، في إطار تقريرٍ ركز على سجل إغناتيوس الطويل من المقالات الملمعة للقيادة السعودية، منها مقال كتبه في 2013 بعنوان “المرأة تكتسب منزلة جديدة في السعودية” بعد تعيين الملك عبدالله عددٍ من النساء في مجلس الشورى.
وأشارت “واشنطن بوست” في تقرير صحفي نشر في 2016 إلى أن السعودية تضخ ملايين الدولارات في شركات العلاقات العامة الأمريكية منذ قرابة ثلاثة عقود، للتأثير على دوائر صنع القرار، وعقد لقاءات بين المسؤولين السعوديين وكبار الإعلاميين وأصحاب الأعمال.
وذكر التقرير الصحفي أن الشركات التي تعاقدت معها السلطات السعودية تتضمن كُتّابًا ومحللين يكتبون على صفحات الصحيفة نفسها.
وكان للحملة الأخيرة أن تصل أوجها في 2017، وقت ما وُصِفِ بالانقلاب على ولي العهد السابق محمد بن نايف، وإعلان عددٍ من الإصلاحات، أبرزها السماح للنساء بالقيادة.
ففي صحيفة “نيويورك تايمز”، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت عشرات الإصلاحيين ورجال الدين، عبر الصحفي البارز توماس فريدمان عن تفاؤله، وقال إنه أتى للسعودية في الشتاء “فوجدتها تمرّ بالربيع”، واصفًا محمد بن سلمان بأنه “سيأتي بالربيع العربي إلى السعودية، أخيرًا”، ما لاقى احتفاءً في الصحف السعودية.
وأفادت منظمة القسط وقتها أن إعلانات الإصلاح أتت “في أجواء مشحونة بالقمع ومنع حرية التعبير عن الرأي” بما في ذلك التضييق المدافعات عن حقوق الإنسان الرائدات في حملة قيادة المرأة، واعتقالهن وتعذيبهن في السجون لاحقًا، ونشر عدد من الأكاديميين رسالة مفتوحة تنتقد فريدمان وتدعو إلى “التحقيق” في دوافعه لكتابة نصٍّ تبجيليٍّ كهذا.
وأثناء منتدى سابان الذي يستضيف حوارات أمريكية-“إسرائيلية”، رد الصحفي الذي سبق وأيّد غزو العراق على منتقديه بأنّ “العالم العربي في فوضى”، وأنهم يهاجمونه لأنه متفائل بشخصٍ قد يحول دون أن يصبح العالم العربي “يمنًا كبيرًا” و”كارثة إنسانية ضخمة”.
ولكن حتى هذا الصحفي الذي كان من أكثر من احتفل بصعود محمد بن سلمان تراجع عن موقفه، وقال في لقاءٍ له إن “حماقة [بن سلمان] لا يمكن إصلاحها”.
ومن غير الواضح حتى الآن إلى أي حد ستقبل الإدارة الأمريكية الجديدة بالتعامل مع سلطاتٍ سعودية يقودها بن سلمان.
فبعد أن تعهد بايدن أثناء الحملة الانتخابية بأن ينبذه، عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن استعدادية الإدارة للعمل معه مبررًا ذلك بأنه “سيتزعم السعودية لوقت طويل وعلينا العمل معه سواءً أحببنا ذلك أم لا”، دون أن يتضح دور شركات العلاقات العامة هذه في هذا الإعلان الأخير.