بن سلمان تدخل لرفض استئناف قضائي ضد اعتقال أبناء سعد الجبري
تدخل ولي العهد محمد بن سلمان لرفض استئناف قضائي ضد اعتقال أبناء المسئول السابق في الاستخبارات السعودية سعد الجبري المقيم في المنفى.
وقالت أسرة الجبري إنها أصبحت رهينة في مساعي المملكة لإعادته إلى البلاد بأوامر من بن سلمان.
فقد قضت محكمة سعودية بسجن اثنين من أبناء سعد الجبري البالغين في أواخر العام الماضي بتهم غسل الأموال والتآمر للخروج من المملكة بطريق غير قانوني وهي اتهامات ينفيها الاثنان.
والآن تقول السلطات السعودية إن محاولة الأسرة استئناف الحكمين باءت بالفشل.
وتقول أسرة الجبري إن السلطات السعودية تدخلت في الإجراءات القانونية ومن مظاهر ذلك التحايل على إجراءات الاستئناف.
وقال مسؤول سعودي بحسب وكالة رويترز للأنباء إن الحكمين اللذين صدرا على ابني الجبري “تم تأييدهما في الاستئناف”.
ويأتي حكم الاستئناف الذي لم يسبق نشر شيء عنه في وقت أثارت فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع مسؤولين سعوديين كبار قلقها من احتجاز ابني الجبري والمحاكمة، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية.
نزاع قضائي طويل
وتمثل تأكيدات الأسرة أحدث طلقة في النزاع الذي تتكشف تطوراته في ساحات القضاء في الولايات المتحدة وكندا والسعودية بين رجل الأمن السابق وولي العهد.
وقد شدد ولي العهد قبضته على السلطة في السنوات الأخيرة.
وكان الجبري من قدامى معاوني الأمير محمد بن نايف الذي أقصاه الأمير محمد بن سلمان عن ولاية العهد في انقلاب قصر عام 2017.
وفي الصيف الماضي اتهم الجبري بن سلمان في قضية مدنية بمحكمة اتحادية أمريكية بإرسال عملاء في 2018 إلى كندا حيث يعيش الجبري الآن لقتله
وفي يناير كانون الثاني ادعت مجموعة من الشركات المملوكة للدولة في السعودية في دعوى مرفوعة في كندا أن الجبري اختلس مليارات الدولارات من أموال الدولة أثناء عمله بوزارة الداخلية.
ظل الجبري لسنوات عديدة أقرب معاوني الأمير محمد بن نايف في وزارة الداخلية بما في ذلك مساعدته في إصلاح أساليب العمل في الاستخبارات ومكافحة الإرهاب بالمملكة. وامتنع الجبري من خلال ابنه خالد عن التعقيب.
وتقول أسرة الجبري إن عمر وسارة الجبري، 23 و21 عاما على الترتيب، استأنفا حكم السجن في أواخر نوفمبر تشرين الثاني أمام محكمة الاستئناف في الرياض.
وتؤكد الأسرة إن الشقيقين موجودان الآن بالسجن في السعودية.
وطبقا لما جاء في وثيقة قدمها محامو ولي العهد السعودي هذا الشهر في الدعوى التي رفعها الجبري في الولايات المتحدة على بن سلمان، فقد أيدت محكمة الاستئناف في الرياض إدانة عمر وسارة في 24 ديسمبر كانون الأول.
وتلخص الوثيقة المؤرخة في أول ابريل نيسان وتحمل خاتم النائب العام السعودي الاتهامات الموجهة للشقيقين.
وتشمل الاتهامات إبرام صفقات مالية غير قانونية في حالة أحد الشقيقين دون ذكره بالاسم والتآمر للهروب من المملكة بالمخالفة للقانون في حالة الآخر.
وقالت الأسرة إن الشقيقين استأنفا الحكمين لكن لم يتم إخطار أي منهما أو محاميهما بإجراءات الاستئناف أو بالحكم النهائي وهو ما قال خبيران قانونيان إنه أمر مخالف للأصول.
وأضافت الأسرة أنه بحلول يناير كانون الثاني اختفت القضية من سجل الدعاوى المرفوعة أمام المحكمة.
وقال الخبيران القانونيان إن الأمر غير عادي لأنه لم يتم إخطار الشقيقين بأي إجراءات في محكمة الاستئناف أو بالنتيجة.
وعندما سأل المحامي الموكل عن الشقيقين مسؤولي المحكمة عن وضع طلب الاستئناف تقول الأسرة إن الرد كان أنه تم رفض الطلب، دون أي تفسير.
وقال خالد الجبري الذي يعيش في كندا إن الاستئناف “لم يحدث قط”. وأضاف أن المخالفات تشير إلى تدخل بن سلمان.
والنائب العام السعودي مسؤول مباشرة أمام الملك بموجب قانون صدر عام 2017.
شكوك قانونية
ولم يقدم المسؤول السعودي الذي زود رويترز بالبيان المكتوب وثائق من المحكمة فيما يتعلق بالإجراءات وذلك عندما طلبت منه رويترز ذلك.
وقال المسؤول “كل الإجراءات القانونية المعنية اتبعت خلال القضية وحصل الاثنان على جميع حقوقهما” بما في ذلك وجود محام يمثلهما.
وأضاف المسؤول أن الاتهامات التي أدين بها ابنا الجبري “لا صلة لها بالقضية المرفوعة على والدهما”.
ومع ذلك فإن وثيقة غير مؤرخة، تقول الأسرة إنها وردت في دعوى النيابة وأتيح لرويترز الاطلاع عليها، تزعم إن عمر وسارة أخفيا حسابات والدهما المصرفية واستغلاها وإن أدوارهما قام الأب بتخطيطها وتنسيقها لكن الوثيقة لا تذكر تفاصيل أخرى.
وفي الدعوى المدنية التي رفعها الجبري على ولي العهد و24 آخرين في محكمة اتحادية بمقاطعة كولومبيا يسعى المسؤول السابق إلى الحصول على تعويضات لم يحددها من المدعى عليهم بموجب قانون منع التعذيب.
وسبق استخدام هذا القانون للسماح للرعايا الأجانب بتقديم شكاوى في الولايات المتحدة من انتهاكات حقوق الإنسان في الخارج.
ورفض محامو ولي العهد ما قاله الجبري وقالوا إن الأمير محمد بن سلمان يتمتع بالحصانة القانونية في الولايات المتحدة باعتباره رئيس دولة أجنبية.
وفي طلب رفض الدعوى الذي تقدم به محامو بن سلمان في الخامس من ابريل نيسان قال المحامون إن المملكة تطلب تسليم الجبري لها لمقاضاته بتهمة الاحتيال.
كما أشار المحامون إلى صدور قرار بفرض تجميد عالمي لأصول الجبري أصدرته في يناير كانون الثاني محكمة أونتاريو في إطار الدعوى الكندية على المسؤول السابق.
وقال خالد الجبري إن والده لم يرتكب خطأ. وأضاف أن الأمير محمد بن سلمان يلاحق الجبري بسبب علمه بتفاصيل داخلية تخص المملكة.
قلق عميق
جعل بايدن حقوق الإنسان قضية رئيسية في العلاقات الثنائية مع المملكة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان “نحن نشعر بقلق عميق” بسبب تقارير احتجاز ابني الجبري وإصدار أحكام عليهما وإن واشنطن “تدين بشدة أي إجراء غير عادل يُتخذ بحق أفراد أسر المتهمين بجرائم”.
وأضافت الوزارة “نحن على اتصال مباشر بمسؤولين سعوديين كبار وسنواصل طرح مخاوفنا”، مشيرة إلى أن الجبري كان “شريكا مهما في مكافحة الإرهاب ساعد عمله في إنقاذ أرواح أمريكيين وسعوديين لا حصر لهم”.
كما أبدت وزارة الخارجية الكندية قلقها من احتجاز عمر وسارة.
وتقول الأسرة إن السلطات السعودية بذلت محاولات متكررة لإغراء المسؤول السابق بالعودة إلى المملكة.
ويقول الجبري في دعواه المرفوعة في الولايات المتحدة إن اطلاعه على “معلومات حساسة مهينة ودامغة” يشكل خطرا وجوديا على ولي العهد.
ورفض محامو بن سلمان في وثائق الدعوى تأكيدات الجبري أن ولي العهد حاول إسكاته.
الاستئناف
تقول الأسرة إن محاكمة عمر وسارة في محكمة جنايات الرياض بدأت في سبتمبر أيلول 2020.
وأوضحت الأسرة أن جلسات القضية كانت مغلقة منعت خلالها السلطات الأقارب ووسائل الإعلام والدبلوماسيين الأجانب من دخول المحكمة.
ولم يسمح للشقيقين بالتواصل مع المحامي قبل المحاكمة وقالت الأسرة إن اثنين فقط من القضاة الثلاثة وقعا على الحكم.
وقال خبيران قانونيان مستقلان إن عدم وجود توقيع قاض ثالث على حكم قضائي أمر غريب.
وتبين صورة من الحكم قدمتها الأسرة أن التوقيعين رقميان تحت أسماء اثنين من القضاة ولا توقيع تحت الاسم الثالث.
وتقول الأسرة والوثيقة التي قدمها محامو بن سلمان هذا الشهر في المحكمة الأمريكية إن المحكمة حكمت على عمر وسارة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بالسجن تسع سنوات و6.5 سنة على الترتيب.
كما قررت المحكمة تغريم الاثنين 1.5 مليون ريال سعودي (حوالي 400 ألف دولار) إجمالا ومنع الاثنين من مغادرة البلاد لسنوات طويلة.
وأصر محام يمثل الشقيقين على براءتهما وقال إن الاتهامات لم تدعمها أدلة مباشرة وذلك وفقا لما جاء في نسخة من طلب الاستئناف المكون من 16 صفحة والمؤرخ في 29 نوفمبر تشرين الثاني. وقد قدمت الأسرة نسخة منه لرويترز.
ويطعن طلب الاستئناف أيضا في الاعترافات التي استندت إليها النيابة كأدلة في إدانة الشقيقين على أساس أنها انتزعت بالقوة.
وقالت الأسرة إن القضاة الثلاثة وكاتب المحكمة الذين كان لهم دور في القضية نُقلوا إلى محاكم أخرى.
وقال المحامي السعودي طه الحاجي الذي يعيش في المنفى في ألمانيا إن بعض العوامل التي تعتبرها الأسرة مخالفات يمكن تفسيرها بمعزل عن الأحداث ولها سوابق مثل تعيين قضاة في قضايا ذات حساسية سياسية.
لكنه أضاف أنه عند أخذها مجتمعة في الاعتبار فإن العناصر المختلفة التي استشهدت بها الأسرة غريبة بشدة.
وقال الحاجي الذي ليس له دور في قضية الجبري “كل هذه التفاصيل تشير إلى تعمية وتدخل سياسي من جانب السلطات السعودية وتظهر غياب استقلال القضاء في المملكة”.