تحدث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في كتابه الجديد والحائز على أصداء واسعة عن نظرته للإسلام، كونه ينحدر من عائلة مسلمة من كينيا، مظهرا قدرا كبيرا من الاطلاع على جوانب دينية وتاريخية وخلافية، ومتحدثا بشكل خاص عن “الوهابية” وتأثيرها.
وعبر صفحات كتابه “أرض موعودة”، يلقي أوباما من وقت لآخر تلميحات حول تأثير اسمه وتاريخ عائلته على مسيرته السياسية، مستخدما عبارات من قبيل “اسمي الذي يبدو مسلما” و”تراثي الإسلامي الغامض”، فضلا عن حديثه مرارا عن خصومه بأنهم كانوا ينظرون إليه باعتباره مسلما اشتراكيا.
وشدد أوباما على أن الأمريكيين لا يعرفون الكثير عن الإسلام، باستثناء ما تعكسه لهم الأفلام والشاشات عن صور “الإرهابيين ومشايخ النفط”.
وحذر الرئيس الأمريكي السابق من أن الترويج لفكرة المواجهة بين “جنود الله” و”جنود الشيطان” لا يقتصر أثرها على حشد “الجهاديين”، معربا عن قلقه إزاء استثمار ذلك في الغرب لتعزيز وصم المسلمين بأنهم مصدر ريبة وخوف.
وكان لافتا في كتابه انتقاده لما قال إنها “النسخة السعودية” للإسلام، معتبرا أنها لم تكن تتوافق حتى مع معايير الثقافة العربية التقليدية، وعملت على إقصاء أي نهج آخر، بما في ذلك التصوف والتشيع، معتبرا أن الطفرة النفطية في المملكة هي ما ساهم بانتشار “الوهابية”.
وفي سياق حديثه عن زيارته الأولى إلى السعودية، أشار أوباما إلى أنه كان يفكر إثر وصوله الرياض وسير موكبه في شوارعها، عن مدى “ضآلة التشابه” بين الإسلام في المملكة، و”نسخته الأخرى” التي عايشها طفلا في إندونيسيا.
وقال: “في جاكرتا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، احتل الإسلام في ثقافة تلك الأمة المكانة ذاتها، تقريبا، لتلك التي تحتلها المسيحية في أي مدينة أو بلدة أمريكية، فهو مرتبط (بالثقافة) ولكنه ليس مهيمنا عليها”.
وأضاف: “تخلل أذان المؤذن للصلاة الأيام، واتبعت حفلات الزفاف والجنازات الطقوس الدينية المحددة، وتباطأت الأنشطة خلال أشهر الصيام، وقد يصعب العثور على لحم الخنزير في قوائم المطاعم”.
واحتلت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الأولى للمملكة في يونيو/ حزيران عام 2009، جزءا من كتابه الجديد “الأرض الموعودة”، حيث تحدث عن لقاء العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وما شاهده في المملكة.
ففي حزيران/يونيو 2009، وطأت قدما الرئيس الأميركي باراك أوباما أرض المملكة للمرة الأولى. كانت الزيارة جزءًا من جولة أوسع في المنطقة، أراد أوباما من خلالها إعادة ضبط علاقات بلاده بالدول والشعوب الإسلامية بعد سنوات من حكم بوش الابن وحربه على الإرهاب، التي ربطها بعض أركان إدارته بالإسلام إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
توّج أوباما جولته الإقليمية تلك بخطاب ألقاه في جامعة القاهرة بعنوان “بداية جديدة”، تضمن مديحًا للدين الإسلامي واعترافًا بدوره في الحضارة الإنسانية، ففرّق بين الإرهاب والإسلام، ودعا إلى التعاون والانفتاح في شتى المجالات بين الدول الإسلامية والولايات المتحدة.
ورد ذكر السعودية 34 مرة في كتاب أوباما الجديد، “الأرض الموعودة”، مقارنة بإيران التي ذكرها 59 مرة.
بمراجعة المواضع المتعلقة بالسعودية في الكتاب، تبرز لغة شديدة السلبية استخدمها أوباما حيال الرياض، وذلك ربطًا بنمط التدين السعودي وقمع الحريات وانتهاكات حقوق الانسان ونشر التطرف ومعارضة التغيير السياسي في الداخل وفي العالم العربي كما برز في العام 2011 في مصر والبحرين بالتحديد.
يقدّم أوباما في الكتاب موجزًا حول المملكة التي نشأت بتحالف بين آل سعود والوهابية، ثم سرعان ما تمددت إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، ما منح حكام السعودية منصة للتأثير على المسلمين حول العالم.
لاحقًا جرى اكتشاف النفط الذي أدى إلى بروز ضغوط التناقضات بين نمط حياة شديد المحافظة يشبه ما شهدته القرون الوسطى وبين عالم الحداثة.
يقول أوباما إنه تساءل مرارًا عمّا إذا فكّر السعوديون في مراحل ما باستغلال ثرواتهم لمحاولة انتاج إسلام أكثر تسامحًا وحداثة. لكنه يستبعد ذلك لأن حكام السعودية كانوا خائفين أن يجرّ الإصلاح الديني “إصلاحات سياسية واقتصادية غير مرغوب فيها”.
كما أن انتصار “الثورة الاسلامية” في إيران دفعت حكام المملكة إلى تعزيز تحالفهم مع المؤسسة الدينية الوهابية المتشددة لضمان استقرار النظام ونشر نموذج الإسلام الذي تقدّمه حول العالم الإسلامي، وهو ما جعل الأصوليين أكثر قوة.
هذا الموقف السعودي أدى إلى صعود حركة أصولية فوق ـ وطنية تحتقر التأثير الغربي وتشكك في “الغزل” السعودي تجاه الولايات المتحدة وتعمّق التطرف بين الشباب المسلم كما كان الحال مع أسامة بن لادن.
ونتيجة لمضي الرياض في تبني ذلك النهج، بل وتغذيته بالمليارات لتعزيز الحفاظ على السلطة، فقد “نمت الأصولية من باكستان إلى مصر إلى مالي إلى إندونيسيا، وتراجع التسامح مع الممارسات الإسلامية المختلفة، وازدادت الدوافع لفرض الحكم الإسلامي بصوت أعلى، والدعوة إلى تطهير الأراضي الإسلامية من التأثيرات الغربية – من خلال العنف إذا لزم الأمر“.
وأضاف: “يمكن للنظام الملكي السعودي أن يشعر بالرضى إزاء تجنب ثورة على النمط الإيراني، سواء داخل حدوده أو لدى شركائه الخليجيين (على الرغم من أن الحفاظ على هذا النظام لا يزال يتطلب خدمة أمنية داخلية قمعية ورقابة إعلامية واسعة)، لكنه فعل ذلك على حساب تسريع الحركة الأصولية العابرة للحدود الوطنية والتي احتقرت التأثيرات الغربية، وظلت متشككة في المداعبات السعودية مع الولايات المتحدة”.
ووصولا إلى ظهور شبان مسلمين يحملون أفكارا متطرفة ضد واشنطن، ولكنهم قريبون بالوقت ذاته من أمراء في الرياض، ويختزلهم شخص “أسامة بن لادن”، بحسب الرئيس الأمريكي السابق.
تبدأ رواية أوباما عن السعودية منذ أن حطت طائرته في مطار الرياض واتجه إلى مزرعة الملك عبد الله خارج العاصمة. ملاحظته الأولى تمحورت حول خلو مراسم الاستقبال من الأطفال والنساء واقتصارها على “صفوف من الرجال ذوي الشوارب السوداء” بالزي العسكري والتقليدي.
فور انطلاق الموكب، ظهرت لأوباما الطرق الحديثة والمباني الضخمة والمساجد ومعارض السيارات الفخمة. كلّ ذلك دفعه إلى الالتفات نحو الفارق الكبير بين الإسلام بنسخته السعودية وذاك الذي تعرّف عليه في إندونيسيا حين كان طفلًا، حيث كان الإسلام بارزًا ولكن ليس مهيمنًا، كما هي حال المسيحية في الولايات المتحدة.
وصل أوباما إلى “المزرعة” فأدهشته مظاهر الفخامة فيها، وهو ما دفعه إلى التعليق قائلًا إن تسميتها بالمزرعة تحتاج إلى تصويب، “فالمجمع السكني بدا أقرب إلى فندق على مستوى “الفور سيزونز” في وسط الصحراء”.
ويبدو أن السعوديين سعوا جاهدين إلى إبهار ضيوفهم وسحرهم باستعراض معالم البذخ والثراء والحداثة والتطوّر في البنى التحتية والعمران والتجهيزات، بما يقلل من التفاتهم إلى النمط السياسي والاجتماعي المحافظ داخل المملكة.
يقول أوباما إنه قرر اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تجاه قضايا حقوق النساء في المملكة، بعكس المقاربة الأميركية التقليدية، على الرغم من قبوله بواقعية التحالف مع المملكة والدول المماثلة لخدمة الأمن القومي الأميركي، وإنه يدرك أن إدارته لن تتمكن من تحويل الشرق الأوسط إلى “واحة من الديمقراطية”، لكن ثمّة ما ينبغي القيام به لتحفيز التقدّم نحوها.
وكي يضمن أوباما هامشًا أوسع تجاه مصالح الحكم السعودي، يذكّر أنه صمّم استراتيجية طاقوية، واحدة من أهدافها تتمثل بتحقيق الاستقلالية عن النفط السعودي.
بالعودة إلى “المزرعة”، افتتح الملك السعودي الحديث بالتأكيد على الصلات التاريخية بين البلدين وامتدح الفكرة الأساسية لخطاب أوباما المرتقب في القاهرة بعد ساعات، وأكد أن الإسلام دين سلام، مشيرًا إلى “دوره الشخصي في تقوية الحوار بين الأديان”.
ثم أوضح لأوباما أن المملكة ستنسق مع مستشاريه الاقتصاديين للتأكد من أن أسعار النفط لن تعيق التعافي من الأزمة المالية الاقتصادية العالمية. إلا أن الملك آثر الصمت خوفًا من حصول سوء تفاهم مع الرئيس الأميركي حين طلب الأخير منه أمرين: دور سعودي وعربي في دفع محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والنظر في احتمال نقل بعض سجناء “غوانتنامو” إلى السعودية.
لاحقًا، انتقل الطرفان إلى مأدبة غداء وصفها أوباما بالمدهشة لفرط ما فيها من صنوف الطعام. أثناء المأدبة حاول الملك فتح نقاش عائلي معه، سائلًا إياه عن أحوال أسرته فأجابه بأنهم يحاولون التكيّف مع الإقامة في البيت الأبيض.
وهنا سارع الملك السعودي إلى ذكر أن لديه اثنتي عشرة زوجة وأربعين ولدًا وعشرات الأحفاد (يضع أوباما هنا جملة اعتراضية للتشكيك بمصداقية الملك، إذ يذكر أن التقارير الإخبارية تشير إلى أن للعاهل السعودي ما يناهز ثلاثين زوجة).
بادر أوباما عند هذه اللحظة بالسؤال: “أرجو منك ألا تمانع جلالة الملك أن أسألك كيف تدبّر أمورك مع اثنتي عشرة زوجة؟ فأجابه الملك مع هزة رأس “بشكل سيء جداً. دائماً ما يغرن من بعضهن البعض، الوضع معقد أكثر من سياسات الشرق الأوسط”.
عاد أوباما إلى جناحه مع فريقه لاستكمال كتابة خطاب القاهرة. وإذ به يجد بانتظاره حقيبة تحوي “عقدًا طوله يعادل نصف طول سلسلة الدراجة الهوائية مزينًا بياقوت ولآلىء تُقدّر قيمتها بمئات آلاف الدولارات ومعه خواتم وأقراط تليق به”.
سارع أحد الحاضرين إلى إخبار أوباما أن أعضاء الوفد الأميركي وجدوا في غرفهم ساعات باهظة الثمن متروكة لهم أيضًا. علّق أوباما قائلًا إن أحدًا على ما يبدو لم يبلّغ السعوديين أنه ممنوع على الوفد الأميركي تلقي الهدايا.
هذه الحادثة أثارت في ذهن أوباما، وفق زعمه، مسألتين: الأولى تتصل بعدد القادة الآخرين الذين لا يوجد ما يحول دون تلقيهم هدايا مماثلة، وكذلك بما يمكن أن يكونوا قد حصلوا عليه أثناء زيارة المملكة.
والثانية ترتبط بعدد الشباب المسلمين في جوار السعودية من اليمن إلى مصر والعراق والأردن وصولًا إلى أفغانستان وباكستان، الذين لن توازي أجورهم مدى الحياة قيمة العقد الذي بين يديه، ليستخلص: “انشر التطرف بين 1% فقط بين هؤلاء الشباب وسيكون لديك جيش من نصف مليون شخص جاهزين للموت سعيًا للمجد الأبدي، أو ربما لتذوق شيء أفضل فقط.”
ويورد أوباما بعد نزوله من الطائرة إلى أرض مطار الرياض عام 2009: جملة قال فيها “لقد أدهشني كم كان ذلك المكان المعزول مقموعًا وحزينًا، كما لو أني دخلت فجأة إلى عالم حيث كل الألوان فيه قد أُسكتت”.