أزمة سرقة أجور العمال الوافدين في السعودية تكشف هشاشة نظام الحماية

كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش أن مئات العمال الوافدين في السعودية لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر، في واحدة من أبرز فضائح انتهاكات العمل التي تضرب البلاد في ظل طفرة البناء استعداداً لاستضافة كأس العالم 2034 وتأكيد جديد على هشاشة نظام الحماية في المملكة.
ويتعلق الأمر بعمال لدى شركة “سندان العالمية”، التي تعمل كمقاول من الباطن مع شركة أرامكو، عملاق النفط الحكومي والشريك الرسمي للفيفا.
وأفاد العمال الذين تحدثت إليهم المنظمة أنهم حُرموا من رواتبهم لفترات وصلت إلى ثمانية أشهر، وأجبروا على البقاء في أوضاع غير قانونية أو العودة إلى بلدانهم على نفقتهم الخاصة، متخلّين عن مستحقاتهم.
وذكرت تقارير من الهند ونيبال أن ما لا يقل عن 850 عاملاً متضررون، فيما يُرجح أن العدد أكبر.
قال عامل هندي: “كنت أرسل لعائلتي 30 ألف روبية شهرياً، لكن منذ ثمانية أشهر أصبحوا هم من يرسلون لي لأغطي نفقاتي.”
في المقابل، لم تردّ لا شركة سندان ولا أرامكو على طلبات المنظمة للتعليق، ما أثار موجة انتقادات حول تواطؤ الشركات الكبرى في انتهاكات العمل.
مسؤولية أرامكو وسكوت السلطات
رغم أن سندان قد تكون أوقفت عملياتها في أواخر 2024، فإن العمال أكدوا أنهم واصلوا العمل حتى مارس/آذار 2025 في مشاريع مرتبطة مباشرة بأرامكو.
وهو ما يعني أن الشركة النفطية، بحسب المنظمة، تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية لضمان تعويض العمال، عبر آليات حكومية أو برامج دعم مالي.
وقال مايكل بيج، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “تقاعس سندان وأرامكو والسلطات السعودية عن ضمان دفع الأجور مثال صارخ على الإفلات من العقاب. غياب الحماية الفعالة للعمال الوافدين تحذير للفيفا والشركات الأخرى بأن أي نشاط في السعودية سيكون ملوثاً بانتهاكات منهجية.”
رد رسمي محدود
أقرت وزارة الموارد البشرية السعودية بوجود المشكلة، مؤكدة أن نظام حماية الأجور رصد الانتهاكات، وأنها اتخذت “إجراءات تصحيحية” بالتعاون مع السفارات.
لكن الوزارة لم تُفصح عن عدد المتضررين أو حجم المطالبات المسجلة، ما أثار شكوكاً بشأن الشفافية.
كما أشارت إلى أن بعض العمال لجأوا إلى شركة الاتحاد للتأمين التعاوني، المسؤولة عن تعويضات خدمة تأمين الأجور التي استحدثت عام 2024. إلا أن معظم العمال لم يقدموا طلبات بسبب الخوف من الترحيل أو خسارة فرص العمل. وحتى المتقدمين ما زالوا ينتظرون الرد.
ظروف معيشية قاسية واحتجاجات مقموعة
روى العمال تفاصيل عن أوضاع مأساوية: طعام غير صالح للأكل، افتقار لمستلزمات أساسية، وانهيار قدرة العائلات في بلدانهم على سداد قروض الاستقدام الباهظة. قال عامل نيبالي: “نأكل الأرز والعدس فقط… لا نملك حتى ثمن معجون الأسنان.”
بعضهم لجأ إلى الاحتجاج أو الإضراب رغم الحظر السعودي على التظاهر، ما عرّضهم لخطر الاعتقال. آخرون فروا للعمل بشكل غير نظامي في مواقع أخرى. عامل بنغلاديشي أوضح: “هربت من الشركة لأني فكرت في عائلتي. رأيت العمال يحتجون، لكنني اخترت النجاة.”
وحتى لو حصل العمال على تعويض، فإن السقف المالي المحدد بنحو 17,500 ريال سعودي (4,663 دولار) لا يغطي كل المستحقات، ولا يشمل مكافآت نهاية الخدمة. وهذا، بحسب معايير العمل الدولية، مخالف للقوانين التي تنص على ضمان الأجور كاملة وتعويض الخسائر الناتجة عن التأخير.
وتؤكد المنظمات الحقوقية أن هذه القضية ليست معزولة، بل امتداداً لظاهرة متكررة في السعودية، حيث تبقى سرقة الأجور من أكثر الانتهاكات شيوعاً بحق العمالة الوافدة. الاتحاد الدولي لعمال البناء والخشب قدّم بالفعل شكوى ضد الرياض إلى منظمة العمل الدولية.
صورة مشوهة قبل كأس العالم
مع اقتراب الاستعدادات لاستضافة مونديال 2034، تضاعف هذه القضية الضغوط على السعودية، التي تسعى لتلميع صورتها عبر الرياضة.
لكن بحسب هيومن رايتس ووتش، فإن استمرار انتهاكات العمالة الوافدة يهدد بجعل هذه المشاريع “ملطخة بالاستغلال”.
واختتم بيج قائلاً: “إذا كان التعويض في هذه القضية الكبيرة معيباً إلى هذا الحد، فما بالنا بآلاف الحالات الأخرى الأقل وضوحاً؟”




