السعودية: غرق الأحياء والمدن يتكرر وتطفو ملفات الفساد الحكومية
مع كل موجة أمطار غزيرة تشهدها جدة، تتكرّر مأساة غرق الأحياء ودمار المنازل وخسائر السيارات والأمتعة، ومعها تتكرّر تبريرات المسؤولين ووعودهم بإيجاد حل للمشكلة، وتُصرف عشرات الملايين لتحقيق ذلك، لكنّ النتيجة واحدة: غرق الأحياء من جديد وطفو ملفات الفساد الحكومية.
ومؤخرا أعادت مشاهد السيول الأخيرة، ذكرى مأساة 2009 التي أدّت لمصرع 116 شخصًا، وأكثر من 350 مفقودًا في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي ضربت المملكة.
وكالعادة، ومع كل كارثة، تتحرّك الحكومة في 3 اتجاهات: التبرير واختلاق الأعذار، والتعهّد بمحاسبة المقصرين، والوعود بإصلاح البنى التحتية.
وبدل أن تتحمل الحكومة السعودية مسؤوليتها وتعتذر لشعبها، ومع كل كارثة تقع تحاول الحكومة تبرئة نفسها وتهوين الأضرار.
فبعد كارثة 2009 خرج الأمير خالد الفيصل مبررًا ومختلقًا للأعذار. وبعد سيول 2022 حاول الإعلام الرسمي تهوين الكارثة وعدم نقل أضرارها الحقيقية.
وعادة ما تلجأ الحكومة السعودية مع كل كارثة لامتصاص غضب المواطنين بتشكيل لجان لكشف الفاسدين ومحاسبة المقصرين.
وقد تشكّلت لجان كثيرة عبر السنوات وتمّت إقالة عشرات المسؤولين وإحالتهم للمساءلة ولكن بدون جدوى لأنهم من صغار المسؤولين، أما الكبار المتنفّذون فلم تطلهم يد العدالة.
وبعد كارثتي 2009 و2011 تشكّلت لجان لكشف المتورطين، وتعهّد الأمير نايف بكشف المتورطين قريبًا، ولكن لم تصب الفأس رؤوس الفساد الكبيرة.
بل بقيت اللجان تدور في حلقات مفرغة لتتبعها لجان أخرى وتحقيقات جديدة، وتطلّ علينا الصحف بخبر “سجن رجلين” بعد السيول.
أما الأمير خالد الفيصل فبقي في منصبه رغم عشرات الوعود التي أطلقها، فقبل 11 عامًا تعهّد عند زيارته للأحياء المنكوبة بإيجاد الحلول للمأساة.
وقبل 7 سنوات صرح أبشركم بان مشروع درء السيول ومخاطرها على مدينة جدة نجح بامتياز! فهل تمّت إقالته رغم كثرة الوعود الكاذبة التي أطلقها؟!.
ومع صعود محمد بن سلمان لولاية العهد، رفع شعار “مكافحة الفساد”، وتعهّد بمحاسبة المقصرين عن كارثة جدة 2009 بأثر رجعي.
لكنّ الحقيقة أن شيئًا لم يتغيّر ورائحة الفساد زكمت الأنوف أكثر، فمع أول موجة أمطار حقيقية تبيّن أن لجنة مكافحة الفساد التي أنشأها وترأسها تحتاج لمن “يكافح فسادها”.
وكثرت الوعود بوضع حلول نهائية للمشكلة، ومعها كثرت الأموال التي سُرقت بحجة تنفيذ المشاريع التي تنوعت بين الوهمية وسيئة التنفيذ.
بعد كارثة 2009، تم الكشف عن إنفاق 1.6 مليار ريال لمعالجة مشكلة الصرف الصحي في جدة على مدار 4 عقود، فأين ذهبت ومن ابتلعها؟.
وفي هاك 2012 أرست الحكومة 8 مشاريع وصفتها بـ “الحلول الدائمة” لمعالجة مشاكل الصرف الصحي في جدة.
كما تمّ تخصيص 900 مليون ريال في 2015 في مدن المملكة ومنها جدة.
وقد مضت 5 سنوات وجاءت موجة الأمطار لتعرّي المشاريع الفاسدة.
وبدل أن يسعى ابن سلمان لإصلاح الموجود من مجاري الصرف الصحي، وإنقاذ الأحياء المهددة بالغرق مع كل موجة أمطار!
خصّص 75 مليار دولار لجعل جدة ضمن أفضل 100 مدينة في العالم، مقابل 106 مليون دولار فقط لتحديث أنظمة الصرف الصحي في المدينة. لتبقى جدة منكوبة بين مطرقة الغرق وسندان الهدد.
وعلى مدار عقود… بقيت جدة تعاني إهمال المسؤولين ووعودهم الكاذبة أكثر ممّا عانت من الأمطار والغرق.
ولكنّ الذي تغيّر في عهد ابن سلمان أمران: ازدياد وعود المشاريع الكاذبة ومكافحة الفساد، وخفوت الأصوات الناقدة والمتظلّمة في ظل تزايد القمع وتكميم الأفواه وسجن الناشطين والناقدين.
في السابق، كان سقف الحريات أعلى ومساحة النقد أوسع وكان الإعلام يتكلّم وينقل هموم الناس ومعاناتهم ويفضح جزءً من فساد المسؤولين.
أما اليوم، فلا مكان إلا لمن يسبّح بحمد النظام ويطبل له. ولكن القاسم المشترك أنّ جدة وأمطارها أصبحت أشبه بجهاز كشف حقيقي عن كذب الحكومة وفسادها!