معارضون سعوديون يدعون لنصرة معتقلي الرأي في بلادهم
دعا المعارض السعودي يحيى عسيري إلى ضغط دولي على آل سعود لوقف جرائمهم وانتهاكاتهم خاصة على صعيد الاعتقالات على خلفية الرأي في المملكة والإفراج عن معتقلي الرأي من السجون.
وأكد عسيري وجوب استمرار الضغط على السلطات السعودية فيما يخص الملف الحقوقي بكل الوسائل المتاحة، وأحد أهم هذه الوسائل هو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي أكدت فيه النيابة العامة بالسعودية عزمها تقديم لوائح اتهام نشطاء وناشطات ومحاكمتهم, دعت منظمات دولية إلى فتح ملف حقوق الانسان بالمملكة, إضافة إلى الإفراج عن النشطاء, فيما بحث وزير خارجية بريطانيا الملف خلال زيارة للرياض.
وقد نددت منظمات حقوقية, بقرار السعودية محاكمة ناشطين بينهم نساء اعتقلوا قبل عام تقريبا دون توجيه اتهام اليهم.
وبدورها اعتبرت منظمة العفو الدولية تصريح النيابة العامة “إشارة مروعة إلى تصعيد السلطات حملة لقمع نشطاء حقوق الانسان”.
وأشارت إلى “مخاطر إحالة النشطاء للمحاكمة بمن فيهم النساء الرائدات في العمل لحقوق المرأة”، مؤكدة أنها “تطالب بالإفراج الفوري عن سجناء الرأي”.
وبعث أكثر من خمسين منظمة حقوقية، السبت، على رأسها منظمة العفو الدولية، رسالة إلى أكثر من ثلاثين وزيراً للخارجية لمناشدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ قرار في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشطات والناشطين الحقوقيين المعتقلين، إضافة إلى إنشاء آلية مراقبة حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية.
وقال الموقعون في الرسالة “نشعر بقلق بالغ إزاء تقارير التعذيب واساءة المعاملة للمدافعين والمدافعات عن حقوق المحتجزين والمحتجزات في السعودية. وقد سُجنوا منذ منتصف عام 2018 بسبب حملاتهم السلمية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء”.
يشار إلى أن الضغوط على السعودية ازدادت بشكل واسع عقب اعتقال النشطاء والناشطات المذكورين، وهو ما أدى في بعض الأحايين إلى اندلاع أزمات دبلوماسية، أهمّها مع كندا التي أعلنت السعودية قطع علاقتها معها على خلفية انتقاد وجّهته السفارة الكندية في الرياض إلى تعامل السعودية مع ملف حقوق الإنسان.
وفي غضون أشهر قليلة من تسميته وليا للعهد، بات محمد بن سلمان الرجل الأقوى في السعودية ممسكا بوزارة الدفاع وكل ما يتعلق بالشؤون العسكرية والأمنية، والاقتصادية من خلال رئاسته مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يشرف على مجموعة “أرامكو” الشركة الأولى عالميا في مجال تصدير النفط، وإدارة ملف حرب اليمن والعلاقات الخارجية وغيرها.
أسس محمد بن سلمان علاقات واسعة ووطيدة مع صناع القرار في الإدارة الأمريكية من خلال عدد من أركان الإدارة الأمريكية، الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، والعلاقة “الشخصية” التي ربطته بكبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس دونالد ترامب والمكلف بملف مبادرة السلام الشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”.
ويوجه قادة دول الاتحاد الأوروبي انتقادات واسعة لعدم اتخاذ إجراءات “عقابية” ضد السعودية على خلفية مقتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن.
وخلافا للموقف الألماني، فإن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، فرنسا خاصة، واصلت سياستها التي تدين مقتل جمال خاشقجي وتطالب بفرض عقوبات على منفذي الجريمة والمسؤولين عنها في ذات الوقت الذي ترفض تجميد صفقات الأسلحة التي أبرمتها مع السعودية في أوقات سابقة.
ويسود اتجاه عام في دول الاتحاد الأوروبي بضرورة تبني موقف موحد من الانتهاكات التي يتعرض لها دعاة حقوق الإنسان في السعودية انطلاقا من القيم الأوروبية ومعاييرها في رفض أي انتهاكات ضد ناشطي الحقوق المدنية أو أصحاب الرأي.
قد تكون المرة الأولى منذ تأسيسه عام 2006، التي يصدر فيها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “توبيخا” للسعودية لسجلها في انتهاكات حقوق الإنسان.
أدانت 36 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان من أصل 47 دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي بجميع أعضائه الثمانية والعشرين، الاعتقالات المستمرة في السعودية والتي وصفها بـ “التعسفية” للمدافعين عن حقوق الإنسان وتوظيفها قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات معارضيها، في الوقت ذاته الذي منع أعضاء الاتحاد الأوروبي إدراج اسم السعودية على قائمة الدول الضالعة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
نقلت تقارير إعلامية عن البدء في محاكمات “جنائية” لناشطات في مجال حقوق المرأة يواجهن اتهامات بالتعامل مع دول أجنبية “معادية” للسعودية.
المحاكمات تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية الأمريكية تأرجحا وضبابية وانقساما في أوساط الإدارة الأمريكية حول الموقف من قضيتي مقتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن وما له صلة بسجل السعودية في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.
وتتوزع اهتمامات الناشطات في مجال حقوق الإنسان عموما بين ما يعرف بولاية الرجل على المرأة، وانتقادات لحظر قيادة المرأة للسيارة قبيل إصدار السلطات السعودية قرارا أجاز للمرأة مثل هذا الحق، وقضايا أخرى تتعلق بحرية التعبير وتشكيل الجمعيات وغيرها.
وفي الوقت الذي لم تجر محاكمات علنية، فإن معظم ما يتم تداوله من أخبار حول المعتقلين والمعتقلات تستقيه وسائل الإعلام من مقربين من المعتقلين، بما في ذلك “مزاعم” التعذيب بالصعق الكهربائي والإيهام بالغرق وأيضا التحرش.
وطالما دعا قادة حول العالم السعودية لإطلاق معتقلي الرأي وناشطات حقوق الإنسان اللواتي أفادت تقارير إلى تعرضهن للتعذيب النفسي والجسدي، إلا أن دعوات كهذه دائما ترد عليها السعودية بنفي “مزاعم” التعذيب وعدم وجود سجون سرية والإشادة بالقضاء السعودي ونزاهته.
تشير بعض التقارير إلى أن ما لا يقل عن عشرة نساء اعتقلن خلال العام 2018 على خلفيات دعاوى الحقوق المدنية وحرية التعبير.
وأفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان بأن أربع نساء تعرضن للتعذيب بالصدمات الكهربائية على أيدي محققين سعوديين.
وبالعودة إلى بيان مجلس حقوق الإنسان، فقد دعا السعودية إلى اتخاذ خطوات لضمان تمكين المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين من ممارسة حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات بعيدا عن الاعتقال.
وحثت الدول الموقعة على بيان “التوبيخ”، منها استراليا وكندا، السعودية على التعاون مع لجنة التحقيق الأممية في قضية مقتل جمال خاشقجي والتي من المنتظر أن ترفع تقريرها إلى المجلس في حزيران/يونيو المقبل.
من المستبعد أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تمارس ضغوطا “قاسية” بعد أن تعدت مرحلة “الحماس” التي رافقت وأعقبت حادثة مقتل جمال خاشقجي؛ إلا أن هذه الدول ستحاول الفصل بين التعامل مع السعودية الدولة وولي عهدها الذي نشرت وسائل إعلام غربية أن قادة أوروبيين ضغطوا على الحكومة المصرية لإبعاده عن حضور القمة الأوروبية العربية التي استضافتها مصر في الشهر الماضي.
ولا تبدو دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة واسعة النطاق مع السعودية سواء الدولة أو ولي العهد الذي تدرك تلك الدول أنه يمسك بكامل القرار الاقتصادي وتوقيع الصفقات ذات البعد الاقتصادي في مشروعه رؤية 2030 الذي تنظر إليه تلك الدول بأنه مشروع انفتاح متعدد الجوانب، من اجتماعي واقتصادي بالدرجة الأولى وقريب من تلبية المعايير الأوروبية في جانبه الاجتماعي.
وسيظل التأثير الأوروبي بدوله الرئيسية الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، محدودا طالما ظلت تلك الدول تعمل بشكل ثنائي يعتمد التنافس الاقتصادي بينها للفوز بالعقود السعودية والصفقات، إلى جانب أن دول الاتحاد الأوروبي تبدي رغبتها في الإبقاء على الشراكة الإستراتيجية مع السعودية التي تلعب دورا إقليميا مركزيا في المنطقة.
ومن جهتها قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية: “ينبغي على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن تتحدث مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أثناء زيارته للندن بخصوص ملف حقوق الإنسان والانتهاكات التي تحدث في الآونة الأخيرة في المملكة”.
وتصف الصحيفة, في تقرير حول زيارة ولي العهد السعودي حمل عنوان (لا تبيعوا قيمنا)، محمد بن سلمان بأنه “الحاكم الفعلي للمملكة التي تعد فكرة الجلد والتعذيب وعدم ممارسة الانتخابات أعمدة أساسية في بنيانها”، مشيرة إلى أنه “لا عجب والأمر كذلك في وجود حملة من ناشطين تطالب بمنعه من دخول بريطانيا”.