بعد 5 سنوات من التشدد.. بن سلمان يهيئ المسرح للتواصل التكتيكي مع إيران
في تحول دراماتيكي، دعا ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحسين العلاقات مع إيران لكن هل هذا الاهتمام المتجدد في إصلاح العلاقات بين طهران والرياض حقيقي أم تحول تكتيكي استلزمته التطورات على الساحة الدولية؟
حاول محللون ووسائل إعلام إخبارية تقديم إجابات على هذا السؤال خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد موجة من التكهنات التي بدأت في أعقاب ظهور عدة تقارير صحفية في وسائل الإعلام الغربية توحي بأن مسؤولين من إيران والسعودية عقدوا اجتماعا مباشرا في بغداد لأول مرة منذ سنوات.
وعلى المستوى الرسمي، خرج الرئيس العراقي، برهم صالح ليقطع الشك باليقين حيث أعلن يوم الأربعاء، أن بغداد استضافت أكثر من جولة حوار واحدة بين السعودية وإيران خلال الفترة الماضية.
ولم يدل صالح بمزيد من التفاصيل.
بينما كان الجدل حول محادثات بغداد لا يزال مستمراً، زاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من تأجيج الجدل من خلال مد غصن الزيتون على إيران بعد أكثر من خمس سنوات من الخطاب المتشدد ضد البلاد.
وقال بن سلمان في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي: “في نهاية المطاف، إيران دولة مجاورة. كل ما نطلبه هو أن تكون لنا علاقة جيدة ومتميزة مع إيران. لا نريد أن يكون الوضع مع إيران صعبًا. على العكس من ذلك ، نريدها أن تزدهر وتنمو لأن لدينا مصالح سعودية في إيران، ولديهم مصالح إيرانية في السعودية، وهي دفع الازدهار والنمو في المنطقة والعالم بأسره”.
كما أعرب عن أمله في أن تتمكن بلاده من التغلب على بعض التحديات التي تؤثر على العلاقات الإيرانية السعودية و”بناء علاقة جيدة وإيجابية” مع إيران.
ورحبت إيران بتغيير اللهجة السعودية دون أي تردد. وقال سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في بيان “الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت رائدة في طريق الصداقة والتعاون الإقليمي وترحب بالتغيير في لهجة المملكة العربية السعودية.”
ومع ذلك، هناك بعض المخاوف في إيران من أن هذا التغيير ليس سوى محاولة أخرى من قبل بن سلمان لاستخدام خفض التصعيد التكتيكي مع إيران للصمود في وجه العاصفة على الأقل في الوقت الحالي.
تتعرض المملكة العربية السعودية لضغوط متزايدة من الدوائر السياسية في واشنطن منذ أن تولى جو بايدن منصبه في يناير الماضي.
كان الضغط ملموسًا بشكل خاص في اليمن حيث تورط ولي العهد السعودي، في حرب لا نهاية لها للقضاء على ما يسميه نفوذ إيران هناك.
أنهت إدارة بايدن الدعم العسكري الهجومي للسعودية في حرب اليمن ، على الرغم من أن البيت الأبيض سعى في الوقت نفسه لمساعدة السعوديين على إيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه من مستنقع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسة إدارة بايدن المعلنة بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وضعت الرياض في مأزق حيث ألقى السعوديون بثقلهم وراء حملة ترامب لقتل الاتفاق النووي.
من أجل مواجهة هذه التحديات، شرع بن سلمان في سياسة جديدة للتخفيف من حدة الخطاب المتشدد ضد عدد من الجيران. بدأ مع قطر ثم إيران، وفي نهاية المطاف، اشتمل نهجه الجديد على تقارب نادر مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، وهي نفس المجموعة التي كان يقاتلها منذ عام 2015.
يعود الانفتاح السعودي الجديد على الحوار مع إيران جزئيًا إلى الاعتقاد بأن حل بعض مشاكل المملكة العربية السعودية مرهون بعلاقات أفضل مع إيران، وليس إعادة نظر حقيقية في أن التعايش بين إيران والمملكة العربية السعودية هو الحل الوحيد القابل للتطبيق الذي يخدم مصالح البلدين.
وذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية أن الجانب السعودي قدم خلال محادثات بغداد قائمة عروض وإغراءات.
ونقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر، قالت الصحيفة إن السعوديين طالبوا بشكل أساسي في المحادثات بإنهاء الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون ضد أهداف سعودية، مما يعزز الاعتقاد بأن المحادثات كانت ضرورة لابن سلمان.
كما أعرب السعوديون عن استعدادهم لقبول دور أكبر لأنصار الله في اليمن. علاوة على ذلك، أكد الوفد السعودي للإيرانيين أن الرياض لا تريد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ومستعدة لفتح فصل جديد في العلاقات مع طهران ، بحسب “الأخبار”.
وقالت الصحيفة اللبنانية أيضًا إن الوفد السعودي أبلغ فريقه الإيراني أن الأمريكيين يسعون إلى السيطرة على محمد بن سلمان رغم أنهم يعتقدون أنه سيحكم السعودية لفترة طويلة.
لذلك، يبدو أن بن سلمان اكتشف أنه ليس لديه خيار آخر سوى التوصل إلى تفاهم مع طهران في ضوء اقتناعه بأن طهران وحدها لديها المفاتيح لإخراجه من مشاكله.
بن سلمان منهمك في تمهيد الطريق لهذا التحول التكتيكي. قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة إلى قطر وسلطنة عمان بعد وقت قصير من زيارة نظيره الإيراني للدولتين العربيتين.
علاوة على ذلك، دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود السلطان العماني هيثم بن طارق لزيارة المملكة العربية السعودية.
ويقول مراقبون إن صياغة موقف خليجي موحد بشأن الحوار مع إيران قد يكون الهدف الفوري والملح للمملكة العربية السعودية، بهدف خلق زخم لتحسين ظروف الحوار.