محمد بن سلمان المنبوذ دوليا ومستقبل المملكة الغامض
يتصاعد التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط حاملا معه أخطارا متعددة على المملكة وسط ضعف حاد يعتري قيادتها بفعل ولي العهد محمد بن سلمان المنبوذ دوليا بسبب انتهاكاته وسجله الحقوقي الأسود.
وفيما يبلغ الاستعداد العسكري للحد الأقصى في المملكة بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية خشية من هجمات إيرانية، فإن بن سلمان ووالده الملك يظهران مغيبان عن ساحة التأثير الإقليمي والدولي.
ولوحظ تغيب بن سلمان عن اجتماعات مجلس الوزراء لثلاث جلسات متتالية، فيما غرد حساب “مجتهد” الشهير على تويتر بأنه “يعتقد أن جرعة مادة ما ارتفع منسوبها في دمه ولا يريد أن ينفضح”.
وتستقبل المملكة عقداً جديداً وقد تبدد وهم الاستقرار من حولها، وطفت على سطح مياه الخلافات داخله وخارجه؛ وما زالت الأسئلة الكبرى بشأن الدولة والتنمية والتركيبة الاجتماعية والعلاقات السياسية قائمة دون إجابات حقيقية.
وتثار التساؤلات في المملكة بشأن تأثير التحولات الإقليمية الجارية خاصة أن المملكة تبدو مستقبلة لها لا صانعة.
ويكثر الحديث عن الحالة الصحية والقدرة الذهنية للملك سلمان، ولا شك أن محمد بن سلمان هو واجهة النظام وصاحب القرار الأبرز فيه.
ولكن تراجع حضور بن سلمان الدولي -نتيجة الإخفاقات المتكررة ومقتل الصحفي جمال خاشقجي- أثار تساؤلات بشأن إمكانية أن يخسر فرصته في الجلوس على العرش حال وفاة والده.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار الإضعاف المتعمد لأقطاب الأسرة، وغياب المؤسسات في المملكة عن المشهد؛ فإنه يصعب تصور تغيير سياسي يُخرج بن سلمان من السلطة، وفي حال وصوله إليها رسميا فإنه قد يجد نفسه بحاجة إلى إعادة إنتاج توافق محلي وإقليمي يضمن استقراره في السلطة.
ويثير مراقبون تكهنات بالربط بين التحولات التي اتخذها نظام آل سعود مؤخرا على صعيد علاقاته وأزماته الإقليمية ومحاولات تهيئة الاجواء لتولي ولي العهد محمد بن سلمان عرض المملكة.
والشهر الماضي وقع النظام مع الكويت مذكرة تفاهم تقضي باستئناف العمل في إنتاج النفط من حقلين مشتركين على المنطقة الحدودية بعد توقّف دام حوالي خمس سنوات نتيجة خلافات بين الطرفين.
وقد تم استتباع هذا التفاهم باتفاقية ملحقة باتفاقيتي تقسيم المنطقة المقسومة والمغمورة المحاذية لها. ومن المتوقع أن يتيح هذا التفاهم الجديد استعادة القدرة الإنتاجية من منطقة الخفجي والوفرة والتي كانت تبلغ حوالي 550 ألف برميل يوميا سابقا، على أن يبلغ مستوى إنتاج المرحلة الأولى نهاية عام 2020 حوالي 325 ألف برميل يوميا.
وجاء هذا الاتفاق في سياق تعامل الرياض مع عدّة ملفات شائكة على المستوى المحلي والإقليمي مؤخرا بما يوحي بوجود توجّه لدى المملكة ربما بالانخراط بشكل متسارع في مهمّة إقفال بعض الملفات العالقة لاسيما تلك التي برزت بشكل واضح بموازاة صعود محمد بن سلمان داخليا حتى وصوله إلى منصب ولي العهد.
فخلال الأشهر القليلة الماضية، عمد نظام آل سعود إلى حلحلة ملف اليمن الذي تحوّل إلى مستنقع آسن بعد أن نجحت أبو ظبي في تحقيق أهدافها هناك بشكل منفصل عن الجهد السعودي.
وبعد الجولة الأخيرة من التصعيد الأمريكي-الإيراني في الخليج واستهداف منشآت حسّاسة تابعة لشركة أرامكو السعودية بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كروز يُعتقد أنها إيرانية، توجهت المملكة إلى طلب الوساطة مع إيران من خلال باكستان.
وبدا أن هناك محاولة لتهدئة الأوضاع في الخليج ومنع التصعيد، ترافق ذلك مع مبادرة سعودية للتواصل مع قطر في محاولة أيضا للتوصّل إلى تفاهم ينهي الأزمة الخليجية التي افتعلتها الرياض بدعم من أبو ظبي والمنامة والقاهرة بحجّة وجود علاقات مميزة مع إيران قبل أن تعود أبو ظبي مؤخرا إلى استئناف علاقاتها الأكثر تميّزاً على المستوى الخليجي مع طهران.
من الصعب جدا فصل هذه المبادرات عن بعضها البعض ولذلك فهي توحي بالتوجه الذي كنّا قد أشرنا إليه سابقا حول وجود نيّة لإقفال الملفات العالقة لاسيما ذات الطابع الإشكالي على المستوى الإقليمي والدولي.
لا يعني ذلك أن الرياض ستنجح بالضرورة في إقفال كل هذه الملفات بالشكل الصحيح، والدليل على هذا الأمر طريقة التعامل مع ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي والتي لا تزال أصداؤها السلبية تتفاعل مع محاولات القضاء السعودي تحصين المجرمين المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان في المراكز العليا من عملية صنع القرار من خلال تجريم وإدانة مجهولين.
هناك عدة اتجاهات في تغيير طبيعة التحرّك السعودي في هذه الملفات، ففي حين قد يذهب البعض إلى أنّ الغرض منها تدارك الوضع السياسي والاقتصادي السعودي مع ازدياد النقمة الداخلية ضد مغامرات محمد بن سلمان، يربط آخرون هذه الجهود السعودية لحلحلة الملفات العالقة باستلامها رئاسة مجموعة العشرين باعتبارها فرصة ثمينة لإعادة تسويق ولي العهد وصناعة سمعة جيدة له بعد أن كان قد اشتهر مؤخراً بمغامراته فضلا عن مقامراته.
ومع أنّ مثل هذه الاجتهادات في تغيير التحرّك السعودي قد تكون صائبة ولا يمكن إغفالها، إلاّ أن طبيعة تحرّك الرياض وسرعة تحرّكها في هذه الملفات يتجاوز على ما يبدو الاجتهادين الأخيرين إلى ما هو أبعد من ذلك ربما، أي إلى تحضير محمد بن سلمان لتولي عرش المملكة.
لا يمكن استبعاد مثل هذا الاحتمال بطبيعة الحال، ففي العرف السائد في تلك المنطقة من العالم، فإن إقفال الملفات الخلافية أو احتواءها على الأقل هو مؤشر لتغييرات سياسية قادمة. لا يلغي ذلك بطبيعة الحال الدوافع السابقة التي تمّت الإشارة إليها، لكنه بالتاكيد يعطيها بُعداً أعمق.
المثير للاهتمام أن مسعى تنصيب محمد بن سلمان ملكا في المرحلة المقبلة سواء كان ذلك العام المقبل أو الذي يليه، سيترافق على الأرجح مع تحولات في البيئة السياسية أيضا لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد في سلطنة عُمان والكويت، حيث يجري ترقّب عملية الخلافة في النظام السياسي في البلدين بشكل حثيث من قبل أبو ظبي والرياض بل وربما محاولة التأثير عليها لضمان بروز أنظمة سياسية موالية أو على الأقل غير معادية لتوجهات محمد بن سلمان.