محمد بن سلمان في الإعلام الدولي: مستبد يستغل ثروات بلاده لتلميع صورته

رغم الحملات الإعلامية المروّجة، يجمع معظم المراقبين في الإعلام الدولي على أن ولي العهد محمد بن سلمان ليس أكثر من حاكم مستبد يستخدم ثروات بلاده الضخمة لإعادة تشكيل صورته وطمس سجله الحقوقي الأسود.
فقد جاءت زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة، برعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كخطوة مدروسة لإعادة تأهيل صورته دوليًا، بعد سنوات من فضائح القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي لا تُحصى، وعلى رأسها جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
والزيارة الأمريكية لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل حدث مُصمّم بعناية ليُظهر محمد بن سلمان كشريك استراتيجي، مقبول دوليًا، وعضو فاعل في النظام الدولي.
فقد استقبل ترامب محمد بن سلمان بغداء في البيت الأبيض، وتبعه عشاء رسمي حضره كبار المسؤولين وأبرز نخب المال والأعمال، قبل أن يشارك الاثنان في قمة استثمارية أمريكية ـ سعودية في مركز كينيدي.
واعتبرت الصحف الدولية أن هذا الزخم المنظم ليس احتفاءً دبلوماسيًا، بل حملة “غسيل سمعة” قائمة على المال مقابل النفوذ، والاستثمار مقابل الشرعية، تضمن لحمد بن سلمان استمرار الاعتراف الدولي به، رغم سجله الملطخ بالقمع والجرائم الإنسانية.
ويكاد السجل الحقوقي لمحمد بن سلمان يلفت الأنظار لما يحمله من جرائم موثقة. جريمة اغتيال جمال خاشقجي لم تكن مجرد خطأ فردي، بل أمر متفق عليه على أعلى المستويات، وقد أكدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية صلة مباشرة لولي العهد السعودي بها.
كما أن القمع الداخلي واسع النطاق لم يُسجّل له مثيل منذ عقود؛ فقد شهدت المملكة حملة اعتقالات ضخمة ضد المعارضين السياسيين، والناشطين، والأكاديميين، والنساء المطالبات بالإصلاح، وكذلك القيادات الدينية والسياسية المستقلة.
ويبرز هذا النمط من التنكيل محمد بن سلمان كحاكم مستبد يستخدم الأجهزة الأمنية والقضاء لتكميم الأصوات الحرة والحفاظ على قبضته على السلطة.
كما أن تجاوزات ولي العهد لا تقف عند حدود القمع الداخلي، بل تشمل استخدام ثروات الدولة لضمان الولاءات الدولية، كما يظهر من علاقاته مع ترامب.
بعد هجوم السادس من يناير 2021 على مبنى الكونغرس، وجد ترامب نفسه معزولًا عن البنوك والشركات الأمريكية، فتدخلت السعودية وصناديقها السيادية لدعمه اقتصاديًا عبر صفقات عقارية ومشاريع ترفيهية، ما أنعش ممتلكاته وأعاد تدفقات مالية حاسمة.
ومن هنا، يتضح جزء من السبب وراء الاستقبال الاستثنائي لمحمد بن سلمان في واشنطن، والحفاوة المبالغ فيها التي يقدمها له ترامب: المال والسياسة متشابكان بشكل واضح، بحيث يتحول الدعم المالي السعودي إلى غطاء لإعادة الشرعية الدولية للأمير.
وشملت الزيارة الأمريكية أيضًا حزمة من المكافآت السياسية والعسكرية: صفقات تسليح ضخمة، ضمانات أمنية، تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، وشراء طائرات F-35 المتطورة.
بحسب المراقبين فإن هذه الإجراءات ليست مجرد مجاملات، بل عناصر استراتيجية تهدف إلى إعادة تقديم محمد بن سلمان كشريك لا غنى عنه لأمريكا، رغم سجله الدموي.
وعلى الرغم من الحديث الرسمي عن الشراكة الاقتصادية، إلا أن ملف التطبيع السعودي-الإسرائيلي كان حاضرًا بقوة، وهو مؤشر على أن الرياض تبحث عن شرعية دولية ومكاسب سياسية في المنطقة، مستغلة دعم الولايات المتحدة.
والأمر اللافت في هذه العملية هو أن ثروات السعودية تُوظف لتعزيز النفوذ السياسي وتلميع صورة مستبد، فيما لا تزال الداخل السعودي يعاني من قمع ممنهج وغياب الحقوق الأساسية.
كما أن الحملة الإعلامية، برعاية ترامب، هي جزء من شبكة علاقات طويلة الأمد جمعتهما منذ سنوات، حيث اعتمد الطرفان على بعضهما اقتصاديًا وسياسيًا بعد أزمة خاشقجي. وهكذا تتحول زيارة محمد بن سلمان إلى ما يشبه عملية “غسيل سمعة” مكتملة الأركان، تُدار بمنهجية واضحة: المال مقابل النفوذ، والاستثمار مقابل الشرعية.
في المحصلة، يظهر الإعلام الدولي صورة حقيقية عن محمد بن سلمان: مستبد دكتاتوري، يحكم قبضته على المملكة عبر القمع والاعتقالات، ويستغل ثروات بلاده لتلميع صورته دوليًا، مستفيدًا من علاقاته مع نخب سياسية وتجارية دولية، أبرزها ترامب.
ورغم كل جهوده لتببيض صورته لا يزال يظهر محمد بن سلمان في الإعلام الدولي على أنه حاكم مستبد، يستغل المال والسلطة لتثبيت موقعه، ويحوّل العلاقات الدولية إلى أداة لإخفاء سجل دامٍ مليء بالقمع والجرائم، أبرزها اغتيال خاشقجي، والاعتقالات التعسفية، وتكميم الأصوات المعارضة داخل المملكة.




